من قصر بعبدا، يؤكد رئيس الجمهورية ميشال عون يومياً موقفه الرافض للإبقاء على قانون الـ2008 (المعروف بالستين) ويؤيد بشكل لا لُبس فيه اعتماد النسبية الكاملة في الانتخابات النيابية. وإذا كان لا بُدّ من تنازلٍ ما يُسهل التوافق، فأقصى ما قد يقبل به عون هو تقسيم لبنان إلى دوائر على أساس النسبية.

ومن حارة حريك، يُطلّ الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله ليدعم رئاسة الجمهورية. أمام موقف الحليفين، يُصبح من الصعب أن تُعارض القوى السياسية الأخرى إدخال الإصلاح على قانون الانتخاب، ما سيسمح بتمثيل عادل لغالبية القوى. تضيق الخيارات أمام الأحزاب السياسية، وهي ستكون مُحرجة أمام جمهورها إن رفضت تصحيح الخلل التمثيلي الذي سبّبته القوانين السابقة. ورئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط، لن يكون استثناءً في هذا المجال. فبحسب مصادر مطلعة على المباحثات في ما خص القانون الانتخابي «أصبح جنبلاط أكثر انفتاحاً على النسبية كمبدأ». نصف استدارة يقوم بها زعيم المختارة «وما يريده أن يضمن حصته من خلال التحالفات الانتخابية إن لم يكن القانون هو الضامن». إلا أنّ اكثر ما يستفز جنبلاط حالياً هو رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل، «إذ يرى رئيس الاشتراكي أنّ خطاب باسيل وأداءه يستهدفانه، مثلاً حين طالب وزير الخارجية بالعلمانية الشاملة، قرر استهداف جنبلاط دون غيره من خلال القول إنّ رئيس مجلس الشيوخ يكون مسيحياً».

 

 

قد لا يكون «انفتاح» جنبلاط على مناقشة النسبية أمراً يُعول عليه، ما دام لم يرقَ بعد إلى مستوى البحث الجدي، ولكنه على الأقل ثغرة في الجدار. انعكس هذا الأمر في الهدوء الذي ظهر به جنبلاط بعد زيارته أمس للرئيس نبيه برّي، فأعلن أنه «وضعت بتصرفه (بري) بعض الأفكار القابلة للنقاش والتداول كي نخرج من هذه الدوامة التي عنوانها القانون الانتخابي». وطمأن «كبار المعقبين، ليست هناك هواجس لدى وليد جنبلاط ولا لدى أهل الجبل على تنوعهم. ونعلم كم الرئيس بري حريص على تنوع لبنان ووحدته وحريص على أهل الجبل وتنوعهم، لذلك ليس هناك هواجس». نائب الشوف أجاب عن سؤال عن إشارة نصر الله في خطابه يوم الأحد إلى أنّ النسبية لا تلغي الدروز، بل تُحافظ عليهم بأنّ «إشارته في محلها، وهي أيضاً تعطينا المزيد من الاطمئنان، ونحن في الخط نفسه».
النائب وائل أبو فاعور رفض في اتصال مع «الأخبار» الإفصاح عن الاقتراحات التي سلّمها جنبلاط لرئيس المجلس النيابي. ولكنه قال إنّ «الاقتراحات في عهدة بري، وهو خير من يؤتمن، وخير من نثق به لحفظ الوحدة الوطنية، وهو خير حافظ لها».
بعيداً عن زيارة جنبلاط لعين التينة، لم تبرز تطورات جديدة في البحث عن قانون جديد للانتخابات. الأزمة حالياً تظهر بالدرجة الأولى لدى تيار المستقبل الذي لا يبدو موحّد الرأي بالنظر إلى مشاريع القوانين. الرئيس سعد الحريري لا يزال مصراً على الرفض المطلق للنسبية. يرى أن النسبية يمكن أن تطيح نحو نصف مقاعد كتلة المستقبل (بالحسابات الحريرية، يدخل في دائرة الخطر من نواب المستقبل مقعدان سنيان، ومقعدان شيعيان ومقعدان علويان، و11 مقعداً مسيحياً). ويزداد الحريري توتراً، لأسباب شتى، أبرزها:
ــ خطاب الرئيس عون المدافع عن حزب الله (راجع عون «حركش» وكر الدبابير: امتعاض «مستقبلي» وإحراج حريري
ــ وموقف حزب الله الرافض لأي زيادة ضريبية تطاول الفقراء،
ــ الأزمة الشعبية التي تزداد حدة يوماً بعد آخر، على خلفية ضعف البنية التنظيمية لتيار المستقبل من جهة، والاعتراض على التنازلات التي يقدّمها التيار ولا يجيد تسويقها من جهة أخرى، فتنعكس مزيداً من النزف الشعبي، كما في عكار على سبيل المثال (راجع «الحراك المدني» يفضح هشاشة «المستقبل» في عكار). وأمام هذا الواقع، لا يجد الحريري أمامه سوى التصلب في مفاوضات قانون الانتخاب، وتصعيد الهجوم الإعلامي على حزب الله.
لكن مصادر في تيار المستقبل لا تزال تعبّر بتفاؤل عن قرب التوصل إلى قانون جديد للانتخابات، قبل نهاية الشهر الجاري. ولا تجزم المصادر بالصيغة التي ستُعتمد، «لكن على الطاولة حالياً لا يوجد سوى مشروع (حكومة الرئيس نجيب) ميقاتي». وترى المصادر أن المشكلة في النسبية «ليست في عدد المقاعد السنية التي سنخسرها، والتي من المرجح أن لا تتعدى في نتيجتها النهائية مقعدين إضافيين (يحتسب المستقبليون النواب السنّة الخمسة غير المتحالفين مع التيار الأزرق، ويضيفون إليها ما يمكن أن يخسروه، ويطرحون منها ما يمكن أن يكسبوه كمقاعد البقاع الشمالي وحاصبيا)، بل في خسارة المقاعد المسيحية». إضافة إلى أنّ النسبية «ستسحب من يدنا ورقة التحالفات الانتخابية التي كنا نُعوّل عليها».
بدورها تقول مصادر في تكتل التغيير والإصلاح إن «مشروع القانون المختلط عاد إلى النقاش بعد أن ترك السيد حسن نصر الله نافذة للتسوية في خطابه الأخير، حين أكد أهمية النسبية، وفي الوقت نفسه أبدى استعداده لأي طرح جديد ممكن أن نتفق عليه». فالنقاش إذاً «يتركز على تعديلات قد تؤدي إلى قبول حركة أمل وحزب الله بالمختلط».
على صعيد آخر، بدأ الرئيس ميشال عون زيارته لمصر أمس بعقد لقاءات مكثفة، حيث التقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في قصر الاتحادية في جلسة مباحثات ثنائية استمرت نحو ساعة، أعقبها مؤتمر صحافي وجلسة مباحثات موسعة بين الوفد المرافق والوزراء المصريين، إضافة إلى جلسة مباحثات بين وزير الخارجية جبران باسيل ونظيره المصري سامح شكري، تناولت عدداً من الملفات المشتركة بين البلدين.
وأكد السيسي في المؤتمر الصحافي المشترك مع عون استعداد مصر لمساندة الجيش اللبناني ومختلف أجهزته في إطار تعاون البلدين لمكافحة الإرهاب، مشيراً إلى أنّ المباحثات بينهما تطرقت إلى العديد من القضايا الإقليمية والدولية التي تهمّ البلدين وفي مقدمتها مكافحة الإرهاب وأزمة اللاجئين السوريين التي يعاني منها لبنان. أما عون، فقد طرح أن تُطلق مصر مبادرة إنقاذ عربية تضع استراتيجية مشتركة لمحاربة الإرهاب الذي يضرب العالم العربي. وفي هذا السياق، قالت مصادر مصرية إن هذه الدعوة «ستُعرض على القمة العربية في عمّان وتحظى بدعم أميركي». وعلى الرغم من أن السيسي لم يوضح طبيعة المساعدات التي يمكن تقديمها للجيش اللبناني، أوضحت مصادر لـ»الأخبار» أنّ الرئيس المصري قصد «التدريبات في مجال الاستخبارات وتبادل المعلومات بين الأجهزة الاستخباراتية وإمكانية تدريب قوات للمشاركة بتأمين الحدود مع سوريا في خلال الفترة المقبلة». التنسيق بين البلدين لن يكون محصوراً بالأمن، فبحسب المصادر «أعمال اللجنة المشتركة بين البلدين ستنعقد الشهر المقبل برئاسة رئيسي الحكومة في البلدين، في خلال زيارة سعد الحريري لمصر». ومن المتوقع أن يزور السيسي لبنان قبل نهاية العام، في زيارة هي الأولى لرئيس مصري منذ سنوات.
وزار عون أيضاً مقر الكاتدرائية المرقسية في العباسية حيث استقبله بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية تواضروس الثاني، ومشيخة الأزهر حيث استقبله الإمام أحمد الطيب