بشكل مفاجئ، بدأت مليشيا "حزب الله" اللبناني مفاوضات مع فصائل من المعارضة، في منطقة القلمون الغربي من ريف دمشق، للتحضير لمرحلة ما بعد إنسحاب مليشيا الحزب من عدد كبير من البلدات السورية. ويعتبر ذلك إشارة إلى تغيّر غير مفهوم، في سياسة الحزب في منطقة دفع ثمن السيطرة عليها الكثير من القتلى والإصابات بين صفوفه، بالإضافة إلى التكاليف المادية الباهظة.
وكلّف الحزب عدداً من المشايخ السوريين المقيمين في لبنان، بنقل رسائل لفصائل المعارضة المتواجدة في منطقة وادي حميد وعدد من الجرود الجبلية في القلمون الغربي، ورتّب لهم زيارات ميدانية بالتنسيق مع مخابرات الجيش اللبناني، وذلك بحسب مصدر مقرب من وفد المشايخ الوسطاء. المفاوضات التي بدأت منذ شهر تقريباً، توصلت إلى إتفاق لم يتم إقراره بعد، ولا إعلانه.
"المدن" حصلت على نسخة من بنود الإتفاق الحالي المكون من نقاط أهم ما فيها: أن يشمل الإتفاق بلدات رنكوس وسهل رنكوس وعسال الورد وجبعدين ورأس العين والمعرة وفليطة والسحل ويبرود وحوش عرب وبخعا، ولا يشمل قارة والنبك والقسطل ودير عطية ومعلولا. والجهة التي يتعامل الحزب معها، هي "سرايا أهل الشام"، على أن تتولى مسؤولية الأمن وإدارة البلدات وترتيب وضع "اللجان الشعبية" بحسب ما تراه "السرايا" مناسباً.
وتشكلت "سرايا أهل الشام" من اندماج فصائل معارضة في القلمون الغربي، في 30 أيلول/سبتمبر 2015، بهدف "توحيد الجهود العسكرية في المنطقة الممتدة على الحدود السورية اللبنانية في ريف دمشق". و"مجلس شورى" السرايا كان قد كلّف "أبي موفق الشامي" بقيادتها، و"أبي حسن القلموني" بالقيادة العسكرية. وتضم "السرايا" كلاً من "تجمع واعتصموا بحبل الله" و"لواء الغرباء" و"لواء رجال من القلمون" و"تجمع القلمون الغربي" و"كتائب شهداء القسطل" و"كتيبة درع القلمون" و"كتيبة شهداء النبك" و"كتيبة ابن تيمية".
الاتفاق غير المعلن بين السرايا والحزب، تضمّن "إستبعاد بعض الأفراد من هذه البلدات ممن اقترفوا أعمالاً مسيئة ومستفزة لآهالي القلمون"، بحسب إتفاق الطرفين، وتصنيفهم للأفعال "المسيئة". كما تضمّن الاتفاق إبقاء المؤسسات الحكومية الخدمية فقط في تلك البلدات. وتبقى "سرايا أهل الشام" كفصيل معارض، بإعتراف الحزب، في المنطقة، حتى نهاية "الأزمة" وإيجاد حل في سوريا.
وبحسب الاتفاق، فسيتم العمل على تشكيل لجنة من الوجهاء والحزب تعمل على إنهاء النزاع بين المعارضة وقوات "قادش" (مليشيات "قوات الأمن والدعم الشعبية" التي شكلها النظام في القلمون بعد سيطرته على منطقة القلمون) ، وتعمل هذه المليشيا تحت سلطة "سرايا الشام".
ويتعهد الحزب بإصدار عفو كامل عن عناصر "سرايا أهل الشام" من قبل النظام، وكذلك الأمر بالنسبة للاجئين المدنيين الموجودين في لبنان من أبناء المنطقة، بعد أن يتم إرسال بياناتهم للحزب متضمنة الإسم والكنية وإسم الأب والأم وتاريخ الولادة والقيد. ويتعهد الحزب أيضاً بجلب هويات لمن لا يحملها من أبناء هذه المنطقة، حتى يستطيعوا العودة إلى بلداتهم.
ويشترط الحزب أيضاً بأن يتم إنهاء التواجد العسكري للسرايا، بشكل كامل على الجرود الجبلية، وينحصر عملها في تلك البلدات، عبر إدارة مدنية عسكرية. أما في ما يخص النقاط التي سيبقى فيها تواجد عسكري للحزب فسيتم تحديدها لاحقاً عبر مشاورات مع لجنة الوجهاء والعسكريين التابعين للسرايا.
وستفرد اتفاقية خاصة للسلاح الثقيل، للتوافق على آلية تحييده في الفترة المقبلة تماماً، على أن يبقى بحوزة السرايا.
وسيتم فتح الطرقات بإتجاه الغرب وصولاً إلى كافة البلدات المجاورة في الأراضي اللبنانية، تحت إشراف وموافقة الحزب، على أن يبقى الطريق الواصل مع عرسال تحت إشراف الجيش اللبناني.
كما نصّ الاتفاق على "عودة جميع أهالي البلدات المذكورة في الإتفاق فقط، وبإمكانهم العودة مع سياراتهم التي اصطحبوها معهم، على ضمانة الحزب بعدم التعرض للمضايقة لهم أثناء العودة".
وتثير هذه البنود عدداً كبيراً من علامات الاستفهام، في الوقت الذي تُوضح عدداً من النقاط. إذ يبدو واضحاً غياب سلطة وسيادة النظام في سوريا عن هذه المنطقة، فالحزب تعهد بالعفو عن عدد كبير من الناس. كما أن الحزب مهيمن على القرار اللبناني، فهو من يقرر فتح الطرقات وإغلاقها مع الجانب السوري، عبر منطقة تمتد قرابة 45 كيلومتراً.
ولكن السؤال الأكثر إلحاحاً، هو كيف تطرح مليشيا "حزب الله" فكرة انسحاب من منطقة يتواجد فيها تنظيم "الدولة الإسلامية" و"جبهة النصرة"، وتسليمها لقوات سورية معارضة، سنيّة، لطالما حاربها "حزب الله" على أساس طائفي، وعمل على حشد الشيعة في لبنان على أن الخطر يكمن في سلاح السنّة بالقرب من الحدود.
هل يكون لوصول الإدارة الأميركية الجديدة، ومواقفها العلنية المناوئة لإيران وأذرعها المليشياوية، دور في لملمة الحزب لقواته، والعودة إلى لبنان. أم قد يكون هذا الإنسحاب، مقدمة، لفتح معركة الحزب في عرسال اللبنانية؟
عن موقع المدن