يبدو رئيس الجمهورية ميشال عون كمن يسير بين النقاط. مع كل نقطة يثمة من يتوقف عند تناقض أو يسجل انتقاداً. فبعد تجاوزه بهدوء زيارة السعودية وقطر، ها هي زيارته مصر والأردن، وتحديداً مواقفه قبلها، تثير مواقف متناقضة.
تتوزّع مواقف عون على ثلاثة أقسام. أولها يتعلق بالشأن الداخلي اللبناني ومسألة السلاح والجيش، وثانيها ما يتعلق بالسياسة الخارجية وما يعمل عون على تكراره بشأن طموحه للعب دور تقريبي بين إيران والسعودية انطلاقاً من موقعه الانفتاحي على الخليج ومن علاقته الجيدة مع طهران. أما ثالث المواقف ما تناوله موضوع العلاقة مع مصر ورئيسها عبدالفتاح السيسي وتعزيز دور الجامعة العربية.
في المقابل، توزّعت الآراء حول مواقف عون. البعض يؤيدها والبعض الآخر يرفضها ويعترض عليها. من يوافقه الرأي يعتبر أن الرجل يتعاطى بواقعية، ولا يريد رفع السقوف من دون تحقيق أي نتيجة أو تحصيل أي مردود. بالتالي، لا بد من الوقوف إلى جانبه ومساندته لتمرير البلد ومصالحه من بين النقاط التعارضية في الإقليم. ويعتبر هؤلاء أن ما يقوم به عون هو لإرساء توازن معين، بعد تحسين علاقته مع دول الخليج وبعدما اصبحت العلاقة مع السعودية مضمونة.
لكن اللافت هو أن كلام عون جاء بهذا الوضوح عن حزب الله، وسط تأكيد العلاقة الممتازة بين الطرفين. والأغرب أنه جاء بعد سلسلة مواقف منذ خطاب القسم أوحت بأن ثمة افتراقاً سيقع بينهما. وهنا تتساءل المصادر حول الدوافع والمتغيرات التي فرضت على عون، مثل هذا الموقف الواضح والصريح.
أما من ينتقده فلديه كثير ليقوله، أولاً يعتبر البعض أنه بكلامه عن حزب الله ودوره وبأن الجيش ضعيف في مواجهة العدوان الإسرائيلي، وبأن سلاح الحزب مكمل للمؤسسة العسكرية باعتباره جزءاً أساسياً من قوام الدولة وقوتها، هو كلام يجب أن لا يخرج عن رئيس يطلق على نفسه تعبير الرئيس القوي، لأن من واجب هكذا رئيس تعزيز مؤسسات الدولة التي تحفظ سيادتها ولا تفسح المجال لأي قوى رديفة. ويستعيد هؤلاء مواقف سابقة لعون وتحديداً في العام ١٩٨٩ بأنه لا يمكن قيام الدولة واستمرارها في ظل توافر السلاح غير الشرعي الخارج على المؤسسات وسلاح الميليشيات المتفلّت.
ويسأل هؤلاء: كيف لعون أن يطلق مثل هذه المواقف وهو يريد من السعودية إعادة العمل بالهبة العسكرية للجيش اللبناني؟ ويرون أنه يمثل خروجاً على الاتفاقات والقرارات الدولية التي أعلن الالتزام بها في خطاب القسم. بالتالي، فإن ذلك خروجاً على القرارين ١٥٥٩ و١٧٠١.
بمعزل عن النظرة ثمة من يعتبر أن "إزدواجية" عون هي حسابات لمرحلة مقبلة، على أن يستثمرها كيفما مالت الأمور. بالتالي، فإن تأكيده على حزب الله وقوته والحرص عليه، يندرج في إطار عدم تسليمه أي ورقة من أوراقه القوية حالياً. بالتالي، إذا ما حصلت مفاوضات في المستقبل فإن هذه ستكون نقطة قوة بيده.
في العلاقة مع السيسي، يتباهى عون بأن العلاقة بينهما بدأت قبل حصول أي لقاء، نظراً للتقارب في وجهات النظر بينهما، سواء في الخلفية العسكرية لهما، أم في وجهة النظر المشتركة حول أهمية محاربة الارهاب. إلا أن المنتقدين يذهبون إلى أبعد من ذلك، معتبرين أن لهذا الكلام ابعاداً وتبعات سياسية على الداخل اللبناني لجهة الممارسة، إذ يبدون تخوفاً من أن يشبه في ممارسته السياسية ما يمارسه السيسي، أو حتى على الخارج في سياق العلاقة مع الدول العربية وغيرها.
ليس جديداً على عون أن يصرّح بنفسه أو عبر بعض المقربين منه، بأنه يطمح لأن يستعيد لبنان دوره كجسر عبور للعلاقات بين الدول. وهذا ما يتمنى تحقيقه على صعيد فتح آفاق العلاقة بين السعودية وإيران، في هذه المرحلة الحساسة والمفصلية التي تمرّ بها المنطقة. وهو لا شك ينطلق في موقفه هذا، بناء على ما أُشيع أخيراً عن أن التسوية التي أتت به رئيساً كان فعل أول تحاور غير مباشر بين الرياض وطهران حول لبنان وقد نجح.
لا يمكن لهذا النهج السياسي أن يحقق مبتغاه، بحسب ما يرى من يسجّل الملاحظات على المواقف التي يتخذها رئيس الجمهورية. فقد يؤدي ذلك إلى ارساء مظلة الاستقرار الأمني والسياسي لفترة معينة، لكنه لا يؤدي إلى الوصول الى حلول جذرية. هي مواقف لتمرير الوقت والاستحقاقات بحدها الأدنى. وهذا ليس ما يفعله عون وحيداً، إنما كل الافرقاء في لبنان، سواء أكان حزب الله أم تيار المستقبل أو القوات اللبنانية، انطلاقاً من قاعدة عدم الغاء الآخر والحرص على التحاور معه. لكن مواقف الرئيس تبقى الأكثر إثارة، نظراً لموقعه، ونظراً لما يدرجه البعض في سياق سداد الفواتير أو الديون. ثمة من يختصر هذه المواقف والطموحات، بأنه من حق عون أن يفعل ذلك في ظل الواقع القائم لانجاح عهده وتمريره بسلاسة، وذلك على قاعدة "يريد اعطاء الجميع للأخذ منهم جميعاً".