يوماً بعد آخر، يُثبت رئيس الجمهورية العماد ميشال عون خيبة المراهنين على تغيير سياسته بعد انتخابه رئيساً للدولة، وتفاهمه مع القوات اللبنانية وتيار المستقبل. ففي مقابلاته وخطاباته، يؤكد عون تمسّكه بخياراته التي لطالما عبّر عنها في السنوات العشر الأخيرة. في قراره بضرورة التوصل إلى قانون جديد للانتخابات النيابية، ذهب ــ عملياً ــ إلى أبعد مما كان يتصوّر الآخرون. أما موقفه مما يحدث في الإقليم، وخاصة في سوريا، ومن سلاح المقاومة، فلم يتأثّر البتة بما كان يُعتقد أنه سيمليه عليه موقعه الرسمي.

وبعد أسبوعين على حديثه عن أن سوريا من دون نظام الرئيس بشار الأسد ستكون «ليبيا ثانية»، وتأكيده أن الأسد لا يزال «القوة الوحيدة حالياً التي بإمكانها فرض النظام»، وضع عون أمس سلاح المقاومة خارج النقاش، بتشديده على أنه «طالما هناك أرض محتلة من إسرائيل، وطالما الجيش ليس قوياً كفاية ليحارب إسرائيل، فنحن نشعر بضرورة وجود سلاح المقاومة ليكمل سلاح الجيش». وفي حديث إلى قناة «CBC» المصرية عشية زيارته مصر، أوضح رئيس الجمهورية أن مقاتلي «حزب الله هم سكان الجنوب وهم من اللبنانيين الذين احتلت أرضهم ولا يزال قسم منها محتلاً»، مؤكداً أن «سلاح حزب الله ليس مناقضاً للدولة وهو جزء أساسي من عدة الدفاع عن لبنان».

 

وتكتسب مفاعيل كلام عون أهمية إضافية، كونها تزامنت مع دعوة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى اعتراف الولايات المتحدة بأن حزب الله ــ مدعوماً من إيران ــ يحارب تنظيم داعش. وتابع لافروف: «إذا كانت أولوية الرئيس الأميركي دونالد ترامب محاربة الإرهاب، فمن الضروري الاعتراف بأن الجيش السوري هو من يحارب الإرهاب بالدرجة الأولى بمساندة القوات الجوية الروسية، وكذلك فصائل أخرى تدعمها إيران، بما فيها حزب الله، ولذلك سيكون من الضرورى تحديد الأولويات». وعن مخاوف العدو الإسرائيلي من حصول حزب الله على أسلحة روسية من سوريا، قال الوزير لافروف إن بلاده تريد أن تحصل من إسرائيل على دليل حول مزاعمها بهذا الشأن. وأضاف: «نقول في كل مرة، نحن نرفض بشكل قاطع انتهاك شروط الاتفاقات التي لا تسمح للبلد المستورد (للسلاح الروسي) بأن يسلم أسلحتنا لأي جهة أخرى من دون موافقتنا». واستغرب رئيس الدبلوماسية الروسية منع إيران من المشاركة في الحرب ضد الإرهاب، واصفاً ذلك بأنه «غير براغماتي».
وكما قبل أسبوعين، كذلك أمس، كتم تيار المستقبل ورئيسه سعد الحريري الغضب من مواقف رئيس الجمهورية، مفضّلين توجيه الهجوم العلني (على لسان النائب عقاب صقر) صوب حزب الله، رداً على دعوته إلى اعتماد النظام النسبي في قانون الانتخابات، وتحذيره من خطورة الوضع في حال عدم التوصل إلى قانون جديد للانتخابات. أمّا بعيداً عن وسائل الإعلام، فلا «يبلع» مواقف عون. مسؤولون فيه يعبّرون عن سخطهم مما يقوله رئيس الجمهورية، ويصل بعضهم إلى حد إعلان الندم على انتخابه رئيساً. ويخشى المستقبليون وجود تفاهم بين عون وحزب الله على قانون الانتخاب، يؤدي إلى فرض النسبية، في تكرار لتجربة التعطيل الرئاسية التي أدّت إلى وصول «الجنرال» إلى بعبدا.

باسيل: إما مساواة وإما علمنة شاملة

وفي هذا الإطار، أكّد رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل أن «هذا الأسبوع حاسم كي يضع كل الافرقاء خياراتهم (بشأن قانون الانتخاب) السياسية على الطاولة، لأنه بعد أسبوع سنصبح أمام المهل القاتلة في موضوع قانون الانتخاب وعندها تصبح المسؤولية في يد رئيس الجمهورية ميشال عون». وتابع باسيل: «بعد 21 شباط، أرى الأمور بين اتجاهين: إما اتفاق الرئيس عون ورئيس الحكومة سعد الحريري على وضع الأمر عند مجلس الوزراء الذي يعقد جلسات متلاحقة، وإما أن يدعو رئيس الجمهورية الى حوار ثلاثي أو رباعي أو خماسي جامع متواصل». وقال باسيل: «إما المساواة الطائفية وإما العلمنة الشاملة التي يمكننا اعتمادها كخيار سياسي واضح، لا نعود فيها لا للعدد ولا للنسبة ولا للديموغرافيا. نحن جاهزون لكل طرح، حتى مجلس شيوخ يحافظ على المكونات الأساسية للبلد وينتخب بحسب القانون الأرثوذكسي، فليكن، وهنا تطبق المناصفة بمجلس الشيوخ ومجلس النواب، واحد رئيسه مسلم والآخر رئيسه مسيحي، وتتوزع الصلاحيات بين المجلسين بالطريقة المناسبة، واحد على أساس طائفي والآخر على أساس علماني».