"بدك تقتليني، أنا رح ريحك" كلمات قالها علي.ع.، لوالدته التي قصدت الصيدلية لشراء دواء له، قبل ان يتوجه الى السيارة ليجلب بندقية صيد، وجهَها اليها، مطلقاً خرطوشة، أصابتها في وجهها، فأرداها قتيلة على الفور. وسط الطريق سقطت فاطمة (أم قاسم) غارقة بدمائها، لم يأبه فلذة كبدها لما فعله، بل طلب من الجميع الابتعاد عنه، وعندما حاول العنصر في قوى الأمن حسن.ص. توقيفه أطلق النار عليه، فأصيب الآخر اصابة بالغة في بطنه.
خلاف قبل القتل
بعد ظهر الثلثاء، وقعت الفاجعة لكن الخلافات بين ابن التاسعة عشر عاماً ووالدته ابتدأت منذ الصباح، "عندما كان علي يبحث عن بندقية الصيد في المنزل" بحسب ما قاله قريبه حسن لـ"النهار" والذي أضاف: "أصرت أم قاسم على أنها لا تعلم مكانها، احتدم الخلاف بينهما، كان الشاب في حالة نفسية سيئة لاسيما وانه لم يأخذ دواءه الخاص بالأمراض العصبية لمدة ثلاثة ايام، وعندما قصدت الوالدة واياه الصيدلية في بلدة الشهابية لشرائه وقعت الكارثة، والى الآن لا نعلم كيف وجد سلاح الصيد".
ابن بلدة الشهابية "لم يكن يعاني من أمراض عصبية قبل وفاة والده منذ عام ونصف، ربما تأثره الشديد بفقدانه، ادى الى اختلال عقله، فهو صغير عائلته المؤلفة من خمس شقيقات وشقيق، المدلل من قبل الجميع"، قال حسن قبل ان يشرح" منذ نحو عام رمى علي بنفسه داخل الاراضي الفلسطينية المحتلة من منطقة مارون الراس، اوقفته قوات الاحتلال، وبعدما تثبتت من اختلال وضعه النفسي اعادته الى لبنان عبر قوات اليونيفل في الناقورة، ادخلته والدته الى حجر صحي، مكث بضعة اشهر قبل ان يخرج منذ فترة بعد تأكيد الطبيب المتابع لحالته ان الدواء كفيل بضبط حالته".
"كان علي في حالة عادية، فرحاً قبل الحادث بأيام، يعمل على بناء منزل له في كفردونين حيث تسكن العائلة، كما كان يحب والدته التي عانت من مرض الكلى، وكان هو من يأخذها الى المستشفى، وما حصل لا يمكن لاحد ان يتوقعه، لا بل علمنا انه لم يكن يعي ما فعله الا عندما وصل الى المخفر حيث سأل لماذا انا هنا، وبعدما تم اطلاعه بدأ بالبكاء"، وكانت قوى الامن الداخلي اوقفت علي وفتحت تحقيقاً في الحادث وقد أفادت مصادرها لـ"النهار" ان" التحقيق لا يزال سارياً وعلى ما يبدو يعاني الجاني من امراض عصبية".
"مجرد من الاحاسيس"
"المريض النفسي يعيش في عالم آخر، مجرد من الاحاسيس والعاطفة، لا يقدر معنى القتل، ليس لديه مفهوم الندم، الامر الذي يوصله الى القتل، فهو يضع الجميع في في مرتبة واحدة، لا يميّز بين القريب والغريب، ولا بين الخير والشر " بحسب اختصاصية علم النفس العيادي والمعالجة النفسية الدكتورة ريما دروبي التي اضافت "عدم اخذ الدواء ليس السبب لما أقدم عليه الشاب، فقد يرتكب جريمة وان واظب عليه، كونه يعيش في عالم خاص بعيداً عن العالم الخارجي، يرى خلاله نفسه اجزاء وكذلك الآخرين". لكن لماذا بكي عندما علم بما حصل وهل ندم على فعلته؟ أجابت "دموعه من دون إحساس، وليس لديه شعور الندم كما الاشخاص الطبيعيين، وسيبقى خطراً على المجتمع، ووضعه في المصح ضرورة لحماية الآخرين".
استبدال العقوبة
لكن هل يُعفى فاقد الاهلية من العقوبة اذا ارتكب جريمة؟ عن ذلك أجاب المحامي صالح المقدم قائلاً "اذا كان مرتكب الجريمة فاقداً الوعي، او مجنوناً او معتوهاً فإن القانون اللبناني قد أعفاه من العقوبة وأبدلها بالحكم عليه بمأوى احترازي او مصحّ عقلي إلى حين معالجته صحياً او نفسياً. واذا كان المتّهم يعاني من مشاكل عقلية فيعطى للمدافعين عنه الحقّ في اثبات عدم وعيه وإدراكه عند ارتكابه الجرم، ويعطى للطرف الآخر حق اثبات ونفي الحالة المرضية والطعن بها".
يقول المقدم "تتألف الجريمة من عنصرين، مادي ومعنوي، فإذا غاب أحدهما اعتبر الفعل غير جرمي". وأضاف ان "العنصر المادي هو الفعل الجرمي، اما العنصر المعنوي فهو وجود نية او ارادة لارتكاب الفعل. واعتبر المشرع ان فاقد الأهلية الذي يتصرّف بدون وعي وإدراك، لا يمكن محاكمته بنفس الطريقة التي يحاسب بها شخص طبيعي. فبحسب المادة 210 من قانون العقوبات اللبناني لا يحكم على أحد بعقوبة ما لم يكن قد أقدم على الفعل عن وعي وإرادة. وكذلك بحسب المواد ٢٣١ وما يليها من ذات القانون يعفى من العقاب من كان في حالة جنون أفقدته الوعي او الارادة".