بدا لبنان، أمس، كأنه يسابق التحولات الجارية في المنطقة، في ضوء القرارات غير المسبوقة التي تتخذها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
ومع هذا السباق، تزاحمت كل الملفات: الموازنة، قانون الانتخاب، مجلس إدارة جديد لتلفزيون لبنان، النفايات، وملف النازحين الذي تحول معه لبنان وكأنه مخيم والكلام لرئيس مجلس الوزراء سعد الحريري إلخ..
وفي بحر أسبوعين أو يزيد، يتحرك المسؤولون والمعنيون واللجان، بالتزامن مع زيارتين سيقوم بهما الرئيس ميشال عون لكل من مصر والأردن «في إطار إعادة التواصل مع الدول العربية للبحث في العلاقات الثنائية وما يهم لبنان وهذه الدول»، بتعبير الرئيس عون نفسه امام مجلس الوزراء.
وفي هذه الأجواء، أجرى وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان، وفي اليوم الثالث لزيارته إلى لبنان، محادثات شملت كلا من الرئيس أمين الجميل ورئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل، وتناول العشاء إلى مائدة النائب السابق الدكتور فارس سعيد بمشاركة مطارنة موارنة ونواب وشخصيات، في مقدمهم النائبان بطرس حرب ودوري شمعون والمطارنة بولس بولس، ويوسف بشارة وميشال عون، وكان ينوي زيارة رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الا ان وفاة والدته حالت دون زيارته في معراب واستعاض عن الزيارة باتصال هاتفي.
وكشفت معلومات «اللواء» استناداً إلى مطلعين على أجواء اللقاءين، ان الوزير السبهان أكّد الالتزام بكل الحلفاء، وأن المملكة العربية السعودية غير ملزمة بأية تحالفات داخلية، لكنها تشجّع الاعتدال وتدعم الساعين إليه، مع حرص كامل على العلاقة مع جميع الأطراف.
وأشارت هذه المعلومات إلى ان الزائر السعودي أكّد على أهمية الشراكة المسيحية – الإسلامية في لبنان، وهو أصرّ على لقاء الكتائب والمستقلين المسيحيين في 14 آذار مع المطارنة الموارنة لنقل رسالة واضحة تتعلق بأهمية دورهم في نسج تحالفات عابرة للطوائف وكسر التعصب والحفاظ على الاعتدال.
وأكدت المعلومات ان المملكة على مسافة واحدة من الحلفاء، وهي على علاقة جيدة مع تيّار «المستقبل» بوصفه تياراً اسلامياً معتدلاً في وجه التطرف.
ولفت السبهان نظر من التقاهم إلى ان المملكة تعتبر ان المنطقة مقبلة على متغيرات، وأن على لبنان ان يكون جاهزاً للحفاظ على استقراره وتعزيز سيادته، معرباً عن استعداد المملكة للبحث في صيغة جديدة في حال احتاج لبنان إلى ما يساعده في بسط سلطة الدولة على كافة أراضيها بقواها الذاتية الشرعية.
وأشار النائب الجميل بعد اللقاء الذي تخلله مأدبة غداء، انه يجب على لبنان ان لا يكون طرفاً في الصراع الإقليمي، ويجب الاستمرار في الانفتاح وأن يكون لبنان مساحة حوار وسلام وحرية، متمنياً ان تؤدي هذه العلاقة المستجدة إلى نتائج إيجابية.
وكانت مهمة الوزير السبهان حضرت في كلام كل من الرئيسين عون والحريري في مجلس الوزراء.
وكشف الرئيس عون ان المواضيع التي طرحت خلال زيارته إلى المملكة ومع خادم الحرمين الشريفين نفذت أو هي في طور التنفيذ، واصفاً المملكة بأنها هي «الدولة الأولى الداعمة للاعتدال»، وأن سفيراً جديداً تمّ تعيينه وسيكشف لاحقاً عن اسمه.
وأكّد الرئيس الحريري ان الخطر الذي كان قائماً سيُزال، وستتضاعف رحلات الطيران إلى لبنان، وطلب من وزير الاقتصاد رائد خوري دراسة الاتفاقيات القائمة مع المملكة لتطويرها وتفعيلها، مشيراً إلى أن العمل جار لإنشاء لجنة عليا مشتركة مع المملكة، كما هي الحال مع مصر وقطر وغيرها من الدول.
مجلس الوزراء
إضافة إلى هذا الشق السياسي والدبلوماسي والذي استهل به الرئيس عون جلسة مجلس الوزراء والتي لم تتعد الساعتين، حضرت موازنة العام 2017، من خلال مداخلة قدمها وزير المال علي حسن خليل، تناول فيها ارقام واعتمادات الموازنة في شرح للفذلكة التي اعتمدت عليها.
ووصف أحد الوزراء عرض الوزير خليل «بالجيد»، فيما كشف الوزير مروان حمادة أن تعقيباً كان للرئيس عون، اثر في الوزراء عندما قال: «نحن بلد فقير».
وبعدما استمع المجلس إلى عرض الوزير خليل تمّ الاتفاق على إعطاء مهلة للوزراء لدرس الموازنة بتأن.
وكشف وزير بارز لموقع «اللواء» الالكتروني، أن الموازنة يمكن أن تقر خلال شهر، متحدثاً عن ايجابية على هذا الصعيد.
واتفق على جلسة لمجلس الوزراء الأربعاء للموازنة ربما تمتد لليوم التالي لانجازها وإحالتها إلى مجلس النواب.
وفي موضوع النازحين السوريين الذي أثاره الرئيس عون في مداخلته، أكّد وزير الدولة لشؤون النازحين معين المرعبي لـ«اللواء» أن الرئيس سعد الحريري حريص على وضع مخطط توجيهي للبنى التحتية للبلد ومنح الأولوية للمناطق التي لا تملك هذه البنى، ولديها كثافة سكانية ويتواجد فيها النازحون، الأمر الذي يساعدنا على التوجه نحو المانحين بهدف تمويلها من دون أي تخبط عشوائي.
وقال «مهمتنا تجميع المشاريع المطروحة ودرسها ووضعها ضمن خطة شاملة لتنفيذ الموضوع ووضع اولوية»، مؤكداً أن الرئيس الحريري صاحب الفكرة في الأمر».
قانون الانتخاب
وخارج جدول الأعمال، طرح وزراء «القوات اللبنانية»، وتحديداً نائب رئيس الحكومة وزير الصحة غسّان حاصباني بدعم من الوزير ميشال فرعون إمكان عقد جلسات متتالية لمجلس الوزراء لمناقشة وإنجاز قانون الانتخاب، فاستجاب الرئيس عون للطلب وأقر المبدأ.
وكان موضوع الانتخابات طرحه وزير الداخلية نهاد المشنوق مع الرئيس عون، قبيل الجلسة، لا سيما لجهة تشكيل هيئة الاشراف على الانتخابات من زاوية كيفية سلوك الموضوع الانتخابي.
وأفادت مصادر وزارية لـ«اللواء» أن الوزير المشنوق لم يطلب من الرئيس عون خلال لقائه به قبيل الجلسة عرض موضوع تعيين هيئة الاشراف على الانتخابات في مجلس الوزراء، لكنه كان يرغب (اي الوزير المشنوق) معرفة كيف سيسلك الموضوع الانتخابي، ونفت المصادر ان يكون الرئيس عون أبلغ المشنوق ان طرح هذا الملف يستدعي توافقاً بينه وبين الرئيس الحريري، مذكرة أن الرئيس يُدرك الأصول الدستورية لجهة أن اي موضوع يطرح من خارج جدول الأعمال يحتاج الى توافق بين رئيسي الجمهورية والحكومة.
اما كلام المشنوق في موضوع الانتخاب، والذي سبق أن أعلنه في حديثه لتلفزيون «العربي»، فجاء عرضياً لجهة التأكيد على إنجاز قانون انتخابي جديد، من دون أن يبحث الملف بالتفصيل.
وأكد الوزير المشنوق أن الرئيسين عون والحريري قالا للوزراء خلال الجلسة، أن قانوناً جديداً للانتخابات سيبصر النور في نهاية شهر شباط، وهذا ما أبلغه لوفد موسع من سفراء وبعثات دول الاتحاد الأوروبي، جاءه مستطلعاً الموقف، مؤكداً أمامه ايضاً أن «لا خيار الا من خلال اجراء الانتخابات التي بها يكتمل المسار الدستوري وتتعزز الديمقراطية في لبنان».
ولاحقاً، أكّد المشنوق في مقابلة مع محطة O.T.V الناطقة بلسان «التيار الوطني الحر»، حرصه على الحفاظ على مقام رئاسة الجمهورية، لأن تبقى فوق كل الصراعات، لأنها الضمانة الأخيرة للاستقرار الذي نعيشه، مشيراً إلى انه من الخطأ وضعه في موقع المواجهة مع الرئيس عون.
خالد قباني
وفي سياق انتخابي، زار وفد من «اللقاء الديمقراطي» الرئيس تمام سلام في إطار شرح موقفه من أي مشروع يتضمن النسبية، فيما أكّد الخبير القانوني والدستوري الوزير السابق الدكتور خالد قباني في مقابلة مع «اللواء»، أن «الحل لأي أزمة أو مشكلة تطرح على الصعيد السياسي والوطني هو بتطبيق الدستور الذي يُشكّل حماية لمؤسسات الدولة ومصالح الشعب اللبناني، لافتاً الى ان الدستور اعطى صلاحيات لرئيس الجمهورية يغنيه عن اللجوء الى اي حل من الحلول خارج إطار الدستور كالفراغ أو الاستفتاء، منبهاً ان الفراغ امر خطير، فلا حياة لأي دولة ديمقراطية برلمانية من دون وجود مجلس النواب، وهذه مسألة لا يمكن المساس بها على الإطلاق.
ورداً على سؤال حول ما إذا كانت هناك إمكانية الوصول إلى فراغ في السلطة التشريعية مع انتهاء ولاية المجلس النيابي، اعتبر قباني الذي شارك في مناقشات اتفاق الطائف واعداد دستور الجمهورية الثانية، انه في حياة الدول ليس هناك شيء اسمه فراغ، لأن دستور الدولة ينظم الحياة السياسية، ولا يمكن أن يترك أي مجال للفراغ، لأن المبدأ الذي تعمل بموجبه السلطات الدستورية هو مبدأ استمرارية العمل، ولا يمكن تصور وجود فراغ أو تعطيل في اعمال الدول او في أعمال السلطات الدستورية.