على وقع السجالات والمماحكات الدائرة حول الاستحقاق النيابي الذي ينتظر بإلحاح شفيعاً يدفعه الى الانجاز أسوة بالاستحقاق الرئاسي، يحتفل لبنان عموماً والموارنة خصوصاً بعيد شفيع الطائفة المارونية القديس مارون في حضور رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يحوط به أركان الدولة، إذ سيقام قداس إلهي مركزي اليوم في كنيسة مار مارون في محلّة الجميزة وسط بيروت برئاسة راعي أبرشية بيروت المارونية المطران بولس مطر. ويُنتظر أن يشهد العيد إطلاق مواقف تستلهم معانيه وتبدي الأمل في اندفاع البلاد اكثر فأكثر نحو آفاق الانفراج. وترتدي المناسبة هذه السنة طابعاً جديداً بعودة الرئيس المسيحي الوحيد في الشرق الى ممارسة مهماته. صحيح انّ المناسبة دينية، إلّا أنّه يغلب عليها الطابع الوطني لأسباب عدّة، أبرزها أنّ المارونية بحسب الوصف السياسي باتت مذهباً متعلّقاً بلبنان.
قالت أوساط البطريركية المارونية لـ«الجمهورية» انّه «يترتّب على الموارنة مسؤوليات كبيرة في الفترة المقبلة، إذ إنّ وجود رئيس للجمهورية كان مفتاح الخلاص من الإحباط المسيحي والوطني، لكن هذه هي البداية».

ودعت الموارنة «في هذه المناسبة الجليلة» الى «مراجعة ونقد ذاتيّ أولاً، من ثمّ وضع خطّة عمل مستقبلية لكي لا تتكرّر الهفوات والأخطاء الماضية»، واكدت أنّ «أحداً لم يعد في استطاعته تخطّي المسيحيين بعد الآن، كما أنّ المسيحيين لا يريدون تخطّي أحد، بل إنّ همهم إعادة الشراكة الوطنية».

وقالت إنّ «الموارنة ناضلوا طوال 1500 عام من أجل النهوض بلبنان، فلا يستطيع أحد رميهم خارج وطنهم لكي لا يفقد الوطن ميزته. من هنا فإنّ الخوف الحالي من المستقبل، وإن كان موجوداً، فليس إلّا نزهة إذا ما قُورن بالإضطهادات السابقة التي عانوها».

ووصفت هذه الأوساط المرحلة الحالية بأنها «مرحلة إعادة الأمل للمسيحيين واللبنانيين، خصوصاً بعد انتخاب رئيس الجمهورية وتوقيع «إتفاق معراب» وعودة مؤسسات الدولة الى العمل».

ومن أجل استكمال العملية، دعت الأوساط البطريركية نفسها الى تحقيق الأمور الآتية:

ـ أولاً، توسيع أطر «اتفاق معراب» ليضمّ الأفرقاء المسيحيين كافة، والتخلّص نهائياً من رواسب الحرب، وعندها يصبح الخلاف السياسي مشروعاً، لأنّ الموارنة لم يكونوا يوماً حزباً واحداً.

ـ ثانياً، عودة المسيحيين الى كل مؤسسات الدولة، سواء كانت إدارية او أمنية، وعدم الاكتفاء بالتهافت على الوظائف الأساسية.

ـ ثالثاً، الحفاظ على الجغرافيا المسيحية والامتداد، خصوصاً في قرى الأطراف، ووقف النزيف الديموغرافي من خلال تخفيض نسبة هجرة الشباب المسيحي.

ـ رابعاً، الإصرار على وضع قانون انتخاب عادل، لأنّ مجلس النواب هو أساس تكوين السلطة.

ـ خامساً، وضع خطة مستقبلية تشمل كل فعاليات المجتمع الدينية والسياسية من أجل الحفاظ على الوجود المسيحي ودعم ركائز الدولة.

قانون الإنتخاب

إنتخابياً، وفي ظل ضغط المهل الانتخابية التي تقترب من استحقاقها، ينقسم الوسط السياسي بين فريقين: الاول، متفائل بإمكان التوصّل الى قانون انتخاب في موعد أقصاه نهاية الشهر الحالي. والثاني، يذهب الى حد توقّع عدم التوصل الى مثل هذا القانون وعدم حصول الانتخابات، وتالياً عدم التمديد للمجلس النيابي مجدداً، ما يضع البلاد أمام خيارات صعبة.

وكشفت مصادر معنية لـ«الجمهورية» أنّ المشروع الذي عاد إلى طاولة البحث هو مشروع حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، وانّ المشاورات تتركز على توليفه بصيغة يقبلها الجميع، خصوصاً انّ تيار «المستقبل» وعد بالبحث فيه، فيما اقترح البعض ان يصبح عدد الدوائر الانتخابية 14 دائرة او 15 بدلاً من 13 التي ينص عليها.

وإذ سأل البعض عن أنه في حال اتفقت جميع القوى على قانون للانتخاب واعترض عليه رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط، هل تجرى الانتخابات؟

فجاء جواب القوى الفاعلة متناقضاً، فبعضها قال أن تُجرى من دون الوقوف عند الاعتراض الجنبلاطي، فيما البعض الآخر تخوّف من تعطيل الاستحقاق الانتخابي، واقترح أن يتركز البحث في تأمين ما يطمئن جنلاط وغيره من أصحاب الهواجس، علماً انّ البعض قال انّ جنبلاط يؤيّد مشروع حكومة ميقاتي الذي يجعل من الشوف وعالية دائرة واحدة، ولكنه يعترض على النسبية.

وقالت مصادر معنيّة بالاستحقاق النيابي لـ«الجمهورية» انّ موقف تيار «المستقبل»، الذي أبدى من حيث المبدأ الرغبة في إدخال بعض التعديلات على المشروع، سيتبلور خلال ايام. وتفاءلت هذه المصادر بقول الرئيس سعد الحريري اخيراً: «أصبحنا على مسافة مئة متر من قانون الانتخاب».

وقالت انّ هذا الموقف يَستبطن رغبة جديّة لدى الحريري للوصول الى القانون العتيد. واشارت الى ان لا مصلحة للحريري ولا لرئيس الجمهورية في عدم إقرار مثل هذا القانون الذي يناديان به يومياً.

مشاورات

وفيما كانت الموازنة، التي أُثقلت بمليارات السلسلة وبالضرائب الممولة لها، نجم جلسة مجلس الوزراء التي انعقدت في بعبدا أمس، مرّ «نَيزك» قانون الانتخاب من هناك، خصوصاً في اللقاء الثنائي الذي جمع عون مع وزير الداخلية نهاد المشنوق.

وعلمت «الجمهورية» انّ المشنوق تطرّق، خلال الاجتماع، الى المهل القانونية التي اصبحت ضاغطة، مشيراً الى انّ واجبه كوزير داخلية التحرّك وفق القانون، خصوصاً لجهة دعوة الهيئات الناخبة قبل 21 شباط، وطرح تعيين هيئة الاشراف على الانتخابات في أسرع وقت على طاولة مجلس الوزراء. فأكّد له عون انه سيناقش هذا الامر مع رئيس الحكومة للوصول الى تفاهم حول هذا الشأن.

وعلمت «الجمهورية» انّ الحريري بقيَ في بعبدا بعد جلسة مجلس الوزراء، وعقد اجتماعا مطوّلاً مع رئيس الجمهورية، تناولا فيه كل القضايا العالقة.

وقالت مصادر اطّلعت على مضمون الاجتماع، انهما «إتفقا على الحاجة للتوصّل الى قانون انتخاب جديد وتشجيع المساعي المبذولة لهذه الغاية، لأنّ العودة الى قانون الستين، والأصحّ «قانون الدوحة»، غير مقبولة لدى الجميع وهذا ما يشجّع على التوصّل الى قانون جديد.

ولاحقاً، كشف المشنوق امام سفراء الاتحاد الاوروبي، الذين زاروه في وزارة الداخلية برئاسة سفيرة الاتحاد الاوروبي في لبنان كريستينا لاسن، انّ عون والحريري «قالا للوزراء في جلسة مجلس الوزراء انّ قانون الانتخاب الجديد سيبصر النور قبل نهاية شباط».

إلى ذلك، وفي حديث إلى قناة «أو.تي.في»، أوضح المشنوق دعوته رئيس الجمهورية الى مراجعة مواقفه في شأن قانون الانتخاب، فقال: «قلت هذا الكلام من باب الحرص على مقام رئاسة الجمهورية وعلى الرئيس عون شخصياً، إذ تربطني به علاقة شخصية قديمة، وحِرص على نجاحه في رئاسة الجمهورية، ولا يجب ترجمة كلامي وكأنني في موقع المواجهة.

قلتُ كلاماً عن بداية جوّ دولي يولد، لا يعني أنّ هذا هو رأيي، بل هذه وقائع يجب أن نراها ونعالجها». وأضاف: «أولاً نحن الى جانب فخامة الرئيس ولست مواجهاً له، لا يجب أن يضعني أحد في هذا المكان، فالرئيس عون جزء من توافق تام وليس جزءاً من أيّ خلاف بين اللبنانيين، ويبدو أنّ تطور الحوار في موضوع الانتخابات يأخذ منحى سلبياً، ولا أريد للرئيس ان تصيبه أيّ من شظايا هذا الحوار، وذلك من باب الحرص على المقام أولاً، وعلى الرئيس شخصياً ثانياً».

وشدّد على أنه لا يقصد بتعبير «العقل الإلغائي» «الثنائي المسيحي، بل قوى سياسية أخرى لن أسمّيها الآن، وهي تناقِش وحاضرة على الطاولة»، مؤكّداً أنّ «مقام رئاسة الجمهورية هو فوق كل الخلافات، وفوق كل النزاعات وفوق جميع اللبنانيين، لأنّ الحرص على رئاسة الجمهورية هو الضمان الاخير لهذا الاستقرار الذي نعيشه».

السبهان

وفي هذه الاجواء يتابع وزير الدولة السعودي لشؤون دول الخليج ثامر السبهان جولته على القيادات اللبنانية، في حين سجّل مراقبون ملاحظات عدة على هامش زيارته لبيروت، فلاحظوا أنها جاءت مغايرة لنمط زيارته السابقة، وذلك أولاً عبر شمولية اللقاءات التي عقدها، بحيث انها لم تقتصر على الجانب الرسمي، بل شملت فتح المملكة العربية السعودية باب الصداقات مجدداً عبر لقاءات معلنة وأُخرى ظلت بعيدة من الاضواء.

واعتبر هؤلاء انّ جولات السبهان شكّلت رسائل في اتجاهات متعددة:

أولاً- انّ المملكة العربية السعودية موجودة في لبنان ولها حضورها من خلال علاقاتها مع الشرعية ومؤسساتها الدستورية. وبالتالي، هي لن تسمح لأيّ كان بقَطع طريقها الى مثل هذه العلاقات والتفرّد بها.

ثانياً- المملكة تملك هامشاً واسعاً من الصداقات السياسية وحرية حركة غير مكبّلة بالاعتبارات اللبنانية الداخلية، وفي هذا الاطار هي ترفض تغليب فريق على آخر وترفض ان تؤمّن الغطاء السياسي والمعنوي لأيّ أحاديات أو ثنائيات حزبية إسلامية ومسيحية.

ثالثاًـ انّ المملكة تحترم خصوصية التركيبة اللبنانية وتنوّعها، وهي تأخذ في الاعتبار رأي الكنيسة المارونية والمستقلّين ودورهم في الحفاظ على الشراكة المسيحية ـ الاسلامية.

وشكّلت زيارة السبهان رسائل طمأنة الى حزب الكتائب ومستقلي 14 آذار، وبَدا انّ بلاده غير معنية بمواقف بعض المحسوبين عليها في سعيهم للتفرّد بتمثيل طوائفهم وبيئاتهم وقطع الطريق على منافسيهم. وقد انطوى طول امد الزيارة على إشارة سعودية واضحة الى انّ لبنان بات في رأس سلّم أولوياتها، مع حديث عن زيارات أخرى لمسؤولين سعوديين في المدى المنظور.

واكدت مصادر بعض من اجتمع بهم السبهان لـ«الجمهورية» أنّ «المملكة تقف الى جانب الاعتدال على الساحة الاسلامية، وتؤيّد كل خطوة تجمع المسلمين تحت سقف الاعتدال، وهي تحترم حق حلفائها في خياراتهم التحالفية لكنها غير ملزمة بتبنّي سياسة التموضعات السياسية والحزبية.

كذلك، إنّ المملكة تقف الى جانب المسيحيين العاملين على خط تعزيز الشراكة المسيحية ـ الاسلامية التي تعزّز الاعتدال، وهي متمسكة بأفضل العلاقات مع جميع حلفائها بلا استثناء.

وكان السبهان زار أمس الرئيس أمين الجميّل ورئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل في دارته في سن الفيل، وجرى في خلال اللقاء بحث في الاوضاع العامة والمستجدّات.

وأمل رئيس «الكتائب» أن «تؤدي العلاقات الجيدة مع الخليج الى نتائج ايجابية، وإعادة توجّه العرب الى لبنان بهدف السياحة». وأبدى ارتياحه الى عودة الزيارات المتبادلة مع دول الخليج وعودة المياه الى مجاريها، وشدّد على ضرورة ألّا يكون لبنان طرفاً في الصراع الاقليمي، وان يكون مساحة حوار وسلام وحرية.

سعيد

ومساء، أولمَ منسّق الامانة العامة لقوى 14 اذار النائب السابق الدكتور فارس سعيد على شرف السبهان في دارته في الرابية، في حضور سياسي وديني.

الموازنة

والى الموازنة وهمّها، بأرقامها وعجزها وحساباتها، عاد مجلس الوزراء، لكن هذه المرة بروحية التفاهم على تسوية الملفات الخلافية وتحت عباءة القرار السياسي المكتمل.

واقتصرت الجلسة الاولى من جلسات مناقشة الموازنة على عرض مستفيض قدّمه وزير المال علي حسن خليل، شارحاً فذلكته ومقترحاً خطة لـ5 سنوات للإصلاح المالي والضريبي وتحديد السياسة المالية العامة. وبهذا العرض أنهى مجلس الوزراء جلسته، على أن يبدأ الغوص بالتفاصيل في الجلسات التالية.

وتمّ الإتفاق على عقد جلستين متتاليتين الأسبوع المقبل لمجلس الوزراء، الاربعاء والخميس، لمتابعة مناقشة الموازنة، إحداها في السراي الحكومي والأخرى في بعبدا.علماً أنّ المجلس أقرّ سريعاً جدول الأعمال المؤلف من 17 بنداً.