كما في السياسة والأحزاب الوطنية منها والإسلامية، تحكمها قاعدة "درء المفاسد وجلب المصالح" أيضاً توجد نفس القاعدة في الإسلام، القائم على نفس القاعدة،إلاَّ أنَّ ثمَّة فرق، وهو أنَّ في الفكر الإسلامي يراعي مفهوم "الأولويَّة، عند وقوع "التزاحم" فيما لو دار الأمر بينهما، أيَّهما أولى بالتقديم؟ هذا من حيث المفهوم النظري، أما في المصداق لا يوجد فرقٌ بين الأحزاب الدينية والسياسية، فالوجهة الإسلامية النظرية تبنَّت بأنَّ درء المفسدة أولى من جلب المصلحة، وهذا ينطلق من الحرص على المصلحة العامة، بينما في منطق الأحزاب الإسلامية وغيرها من الأحزاب القومية والوطنية في بلادنا فهي مبنيَّة على مصالحها ومصالح زعمائها، تحت شعار الدفاع عن الفقراء والشعب، فعندما تختلف تلك الأحزاب على مغنمها وغنائمها، يستحضرون جميعاً شعارات الدفاع عن الشعب "المعتَّر والمقهور والمظلوم"، والحفاظ على الحريات والديمقراطيات وحقوق المواطن وحقوق الأقليات، وتراهم عندما يتفقون تسقط تلقائياً تلك الشعارات" الدسمة" بينما تبقى أغلبية الشعب المؤدلجة والمؤجِّرة لعقلها في راحةٍ من أمرها رغم فقرها وتعاستها، "المهم كرامة الشعب محفوظة".
إقرأ أيضًا: العينُ بالعين، والجِنُّ بالجِنِّ، والآتي أعظم..!
لا ندري إذا كان الوعي نعمةً أم نقمة..؟ فيما نراه من أنَّ الشعب عندما ينام تستيقظ السلطة والأحزاب، وعندما يستيقظ الشعب تنام السلطة والأحزاب، فعلاً تذكرنا بقانون "المُغيط" الذي يحكى عنه بأنه عندما وصل إلى علم "الخليفة" من أنَّ الفيلسوف "الفارابي" قد إخترع آلة موسيقية جديدة وغريبة، فأرسل الخليفة في طلبه على وجه السرعة، لكي يسمع صوت هذه الآلة بعد أن أعجبه منظرها، وما إن إبتدأ الفارابي حتى بدأ الخليفة يتمايل من الطرب،وإستدعى "للتوِّ" الراقصات فحضرن وبدأ "الفقش والهز".
وبينما الكل في نشوة الطرب إنتقل الفارابي في العزف من مقامٍ إلى مقامٍ، لأنَّ في العزف مقامات تختلف بعضها عن بعض، فهي مقامات "عجمية، نهونديَّة، وعندما إنتقل الفارابي من مقام "العجم" إلى مقام "النهوند" فأجهش "الخليفة" بالبكاء والندب، حينها توقفت الراقصات عن الرقص والتمايل وربما التحايل، فصرخ الخليفة في وجه الفارابي قائلاً له: "ما هذه الآلة الغريبة" فأجابه"إنها القانون يا مولاي" يفرحك ويحزنك في نفس المجال والمكان والزمان.
عند أغلبية هذه الجماهير والشعوب التي توصل "الراكبون" على كراسيِّهم، التي تشبه آلة الفارابي، فيبدأ الراكبون والراكبات، تُشرِّع مقامات، تارةً تضحكها، وتشرح لها صدرها، وتبقيها إلى ما يشاء خالقها، ولم يتركوا "للمركوبين" سوى مقامات، الخوف على الدين والطائفة والحزب والمذهب، فقوانينهم قوانين "مُغيطيَّة" تارةً "تزم" حتى لا تغطي ما يرتكبونه وأزلامهم وأقاربهم وأصهرتهم، وطوراً "تمط، وتغط" لأنهم يملكون علوم الغيب، وإدراك نظرية المؤامرة العالمية، لأنهم يعلمون "السر وما أخفى" بل وخفايا الصدور والأنفس، فهنيئاً لهذا الشعب "الشعب" المدعوس والمركوب والمنحوس والمعفوس والمهروس بقانون المغيط الإسلامي والسياسي، وليطأطأ الرأس خشية وخفية حتى لا يقطع "الخليفة" رأسه ويصبح فزَّاعةً لعصافير الشوك والتين و"لقندول" وخرط القتاد.
إقرأ أيضًا: فَرَمَان ديني...؟
نعم وتحت هذه الرحمة والشفقة منهم أي من الذين يديرون شؤونه ومصالحه وقضيته بإسم القانون الذين أقسموا أمام الله والشعب بأنهم يحترمونه ويطبقونه... فاصبروا ورابطوا وانتظروا من يريد أن يسنَّ لكم قانوناً فولاذياً، لا يشبه "المغيطة" كي لا ينط ولا يزم ولا يمط ولا يغط، دفع عنكم الدعس والركوب والنحس والعفس والهرس،إنه على كل شيء قدير.