باتت محافظة إدلب السورية آخر معاقل المعارضة السورية الاستراتيجية في الشمال السوري، ترزح تحت هيمنة الفصائل المتحالفة مع تنظيم القاعدة في إطار هيئة تحرير الشام، وغارات التحالف الدولي وروسيا والنظام ضد الجبهة، في وقت يدفع المدنيون العزل الثمن الباهظ.
ويخشى معارضون "مدنيون" سوريون من أن يؤدي بسط "فصائل القاعدة" لسيطرتها على مناطق المعارضة في إدلب، لتكرار سيناريو "حلب"، أو تحويل المحافظة إلى "رقة" أو "موصل" ثانية، وجعلها فريسة لقوى النظام السوري، وسط مباركة دولية، ودعم التحالف الدولي ضد الإرهاب بقيادة واشنطن.
وتتعرض المدينة لغارات بين فترة وأخرى، تستهدف تلك الفصائل، قتل في أحدها 12 شخصاً من "هيئة تحرير الشام"، بعدما استهدفت مقرهم في سرمين بريف إدلب الأسبوع الماضي، في حين قتل 21 شخصاً وجرح عشرات آخرون في قصف جوي، "يعتقد أنه روسي"، وقع الثلاثاء.
خمسة فصائل "إسلامية" مقاتلة في الشمال السوري أعلنت، 28 كانون الثاني المنصرم، اندماجها مع جبهة "فتح الشام"- النصرة سابقاً- ذراع تنظيم القاعدة في سوريا، تحت اسم "هيئة تحرير الشام".
يقود الهيئة شخصية عسكرية مثيرة للجدل انشقت عن حركة أحرار الشام الإسلامية، هو هاشم الشيخ (أبو جابر)، الذي يضع "مراقبون" حول اسمه أسئلة عديدة؛ لكونه كان سابقاً أحد مريدي الداعية السلفي القريب من المخابرات السورية محمود قول أغاسي (أبو القعقاع) الذي اغتيل في ظروف غامضة.
كما قاتل (أبو جابر)- بحسب صحفية "واشنطن تايمز"- مع تنظيم القاعدة في العراق تحت زعامة أبو مصعب الزرقاوي، بين عامي 2003 و2005، حيث عمل على تأمين خروج المقاتلين من سوريا إلى العراق.
اعتقل (أبو جابر) بعدها وانتهى به المطاف في سجن صيدنايا سيئ الصيت، وحكم عليه بالسجن 8 سنوات، وأطلق سراحه في العام 2011 بموجب من عفو النظام السوري.
كما يتولى مسؤولية قيادة العمل العسكري في الهيئة، أبو محمد الجولاني، زعيم جبهة فتح الشام التابعة للقاعدة، والذي كان من أوائل المشاركين في قتال القوات الأمريكية إبان الاحتلال الأمريكي للعراق، ومسؤولاً عن تأمين الطرق داخل سوريا للمجاهدين الراغبين بالمشاركة في القتال، بحسب صحفية "الإندبندنت" البريطانية.
وتسعى "هيئة تحرير الشام" لبسط نفوذها على كامل أراضي المعارضة السورية في شمال البلاد، حيث تحشد الهيئة جنودها- بحسب "ناشطين"- للسيطرة الكاملة على جبل الزاوية، ومعبر باب الهوى مع تركيا، والريف الغربي من حلب.
والجمعة الماضية، شوهدت حشود عسكرية للهيئة في منطقة باب الهوى القريبة من الحدود مع تركية، وسط أنباء من ناشطين عن نيّة هذه القوات شنّ هجوم على مقرات تابعة لـ "جيش الإسلام " في بلدة بابسقا بريف إدلب.
عبد الرحمن الحاج، الكاتب السوري المعارض والباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، تحدث لـ "الخليج أونلاين" عن مقتل قيادات مهمة لجبهة فتح الشام- النصرة سابقاً- في غارات للتحالف الدولي خلال الشهر الماضي.
وأضاف: "هناك عمليات مخططة منذ أيام أوباما لاستهداف قيادات النصرة في سوريا، وهذا الأمر جزء من اتفاقيات دولية برعاية مجلس الأمن".
وحول وجود "هيئة تحرير الشام" في إدلب ونفوذها، أوضح الحاج أن "مدينة إدلب منقسمة بين الفصائل التابعة لحركة أحرار الشام والهيئة"، مبيناً أن هذا الانقسام غير واضح المعالم في المدينة، ومن ثم فاستهداف التحالف لن يكون دقيقاً".
وعبَّر الحاج عن خشيته من "انضمام عناصر من أحرار الشام إلى الهيئة؛ نتيجة الغارات غير الدقيقة للتحالف على المناطق التي يتداخل فيها عناصرها مع عناصر هيئة تحرير الشام".
والسبت الماضي، شن التحالف الدولي غارة جوية على مقر لهيئة تحرير الشام في مدينة سرمين من إدلب بريفها الشرقي، وهو الاستهداف الأول للهيئة منذ إعلان تأسيسها.
وبحسب وسائل إعلام سورية معارضة، فإن طائرةً مسيرة استهدفت مدرسةً على أطراف مدينة سرمين، والتي يتخذها فصيل "جند الملاحم" المنضوي في "تحرير الشام" مقراً له، وأدت إلى مقتل اثني عشر عنصراً من الهيئة.
كما استهدفت طائرة من دون طيار، يعتقد أنها أمريكية، الشيخ هاني هيكل، المعروف باسم (أبو هاني المصري)، القيادي في هيئة تحرير الشام، عصر السبت، في منطقة سرمدا على الحدود السورية التركية شمالي إدلب، ما أدى لمقتله على الفور.
وفي هذا السياق توقع الحاج أن يصبح مصير "إدلب" شبيهاً بمصير "الرقة"، مبيناً أن غارات التحالف الحالية "تهيئ الأجواء للسكان تمهيداً لعمليات عسكرية تهدف لسيطرة قوات النظام على المحافظة، وتساعد على إحباط معنويات السكان من أن لا فرصة للنجاة".
(الخليج اونلاين)