فتح مسار العلاقة بين حزب الله والتيار الوطني الحر، بعد توقيع وثيقة التفاهم (شباط 2006)، مرحلة جديدة في الرؤية اللبنانية لكيفية صوغ التحالفات. وفتح شهية كثير من القوى كي تكون مكان الرئيس ميشال عون. أكسبت هذه العلاقة طرفيها قوة وصدقية لدى الجمهور ولدى الأطراف الأخرى. حتى وصل الأمر بالقوى المختلفة إلى اعتبار حزب الله بمثابة "مصباح علاء الدين". فلولاه لما حقق عون ما استطاع تحقيقه وكلله بالتربع على عرش الجمهورية.
إذا كان تيار المستقبل يعتبر أنه لا يمكن أن ينسى "طعنة" رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع له في القانون الأرثوذكسي، فإن لدى جعجع أسباباً كي لا ينسى كيف تصرّف المستقبل معه طوال سنوات من التحالف بينهما، وكان يتمنى ولو لمرّة واحدة أن يتصرف المستقبل معه ولو بنسبة قليلة كما يتصرّف حزب الله مع عون. بالتأكيد، فإن جعجع لن ينسى "التخلّي" المستقبلي عنه منذ ما بعد السابع من أيار في أكثر من محطة، سواء في آليات الترشيح للانتخابات النيابية، أم في كيفية توزيع الوزارات والحقائب، أو حتى في الزيارة الشهيرة إلى دمشق وما سبقها وتلاها من خطوات اتخذها الرئيس سعد الحريري، من دون علم القوات وبعيداً من التنسيق معها، وصولاً إلى طرح ترشيح النائب سليمان فرنجية، ما دفع بجعجع إلى إتخاذ خطوة مضادة بتبنّي ترشيح عون، للرد على الحريري وطريقة إدارته الملفات السياسية.
لم يكن تبنّي جعجع ترشيح عون وانتخابه، إلا خطوة على طريق طرح نفسه مرشحّاُ لمرحلة ما بعد عهد عون، على قاعدة التفاهم والتوافق مع التيار الوطني الحر. وهذا أحد الأهداف الأساسية التي يعمل عليها رئيس القوات، الممتعض من طريقة تعاطي المستقبل غير الجدية مع ترشيحه.
يضع جعجع مساراً جديداً لنفسه. لا يتحدث عن المشاكل مع إيران، ولا يمانع فتح علاقات مع طهران، وحتى قبول المساعدات منها، بخلاف المواقف التي كان يتخذها في السابق.
ويهمّ جعجع لفتح أبواب العلاقة مع حزب الله. هو يعرف أن رئاسة الجمهورية لا تمر إلا من حارة حريك، في ظل المعادلات الحالية، إذ يستحيل انتخاب أي رئيس في ظل فيتو من حزب الله. كما يشير إلى الإلتقاء الأساسي بينه وبين الحزب حول كيفية بناء الدولة والمؤسسات ومكافحة الفساد.
لا تزال هناك العديد من القضايا العالقة بين الحزب والقوات، وهي لا تأتي في إطار الشروط، بل المسألة مسألة وقت وترتيبات، تتعلق بمواقف علنية قد تكون مطلوبة من جعجع، من بينها مواقف حول إغتيال الرئيس رشيد كرامي، والموقف من إسرائيل، والتقارب مع آل فرنجية. والواضح أن جعجع أعلن العداء ضد الكيان الصهيوني، ولم تكن زيارة الوزير ملحم رياشي إلى بنشعي ولقاء النائب سليمان فرنجية، إلا خطوة في درب الألف الميل.
وإذا كان الاهتمام الآن ينصب على قانون الانتخابات النيابية وخوضها، إلا أن لدى جعجع أفكاراً أكثر بعداً وتوسّعاً. وهي قد تأتي في سياق طرح أفكار للنقاش أو ندوات سواء في لبنان أم خارجه، عن أهمية تخفيف الإحتقان السني الشيعي، والإيراني السعودي في المنطقة، بالإضافة إلى الاهتمام ببعض "اللوبيات" اللبنانية القريبة من القوات في أميركا للعمل على التخفيف من حدة القرارات التي قد يتخذها الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضد حزب الله والمرتبطين به. وهذه أيضاً قد تكون سلفاً على الحساب.
رغم ذلك، فإن رئيس القوات مازال يؤكد أنه محافظ على الثوابت السياسية، ولم ولن يتخلى عنها. وبعدما كان حزب الله يتهم جعجع منذ أسابيع قليلة، على لسان أمينه العام السيد حسن نصرالله، بأنه يريد مدّ يده على الوزارات وأخذ حجم أكبر من حجمه، اليوم ثمة من يعتبر أن لهجة الحزب تتغير. بالتالي، يدرج البعض تهدئة الحزب تجاه القوات في سياق الاستمرار في تحصين الحزب نفسه داخلياً، خوفاً من أي تطورات سلبية في المرحلة المقبلة قد تنعكس في لبنان. لذلك، هو يبدي استعداداً للتواصل وبناء العلاقة مع القوات، في ظل التصعيد الأميركي المرتقب. الأمور لم تنضج بعد. لكنها على الطريق.