الإسلامُ بما يكتنزُ من قرآنٍ كريمٍ وسُنّةٍ نيويةٍ وشريعةٍ ربانيةٍ وموروثٍ ثقافي أصبح يَصْعُب تسويقُها في ظلِّ رداءة أداء دعاتِها وخرِّجِيها، حيث رسلُها ليسوا على مستوى حمل أمانة تلك الرسالة السماوية السامية، والتي في أدبياتها الخلاصُ والرحمةُ للبشرية،فعندما فهمَه الصحابةُ والتابعون والأئمةُ الأربعةُ وعلماءُ وفقهاءُ النهضةِ أشاعوا خيرَه حتى وصلوا إلى أسوار فيينا ومشارف فرنسا وقلب أوروبا، فأزالوا الغشاوةَ عن البصرَ والبصيرة والأفئدة قبل فتح البلاد،ورأَتْ فيهم الأممُ رحمةً للعالمينَ، حيث كانوا القدوةَ والأُسْوةَ الحسنةَ جامِعِينَ بين قولِهم الحسن وعملِهم الصالح حتى دانَ كسرى وقيصر لحكمِهم، فبنوا دولاً وحضارةً وشيَّدوا صروحَ العلمَ والمعرفة والطب في زمن كانت أوروبا تعيش ظلمات الجهل والتخلّف في كافة مفاهيمِه، فكانوا يأمرون بمعروف العدالة الاجتماعية وينهَون عن منكر الجهل والظلم برؤيةٍ وسطيةٍ لا إفراطَ ولا تفريط.
فالإسلام اليومَ يئنُّ من وطأة ضربات تفرُّق المسلمين واختلافهم عليه فكراً وفقهاً وعقيدةً وتفسيراً حتى وصل الخلافُ على مكان وجود الله وهل هو جالسٌ على عرشه أم بدون وفي كل أو بلا مكان..؟ إضافةً إلى المعاهد الدينية التي تدرس المناهج الإلغائية والتي أنتجت لنا حركات التكفير الإرهابية كداعش والنصرة والقاعدة وأخواتهم.
فمُسلِمُو العصرِ حَجَبُوا مبادئَ الإسلامِ وقيمِه السمحةِ عن الأمم الأخرى عندما ساءَت أخلاقُهم واكتفوا بالشعارات وبظاهر العبادات منفصلين عن فقه المعاملات،حتى تعامل الكل معنا بحذر وتحفُّظ وعندما تقضي الضرورةُ والحاجة،لعل ذلك مرتبطٌ بجمود المناهج والمدرِّس والدّارِس.
إقرأ أيضًا: المسلمون والغرب
فالمُختَلِف الاخر اختلطَ الأمرُ عليه، فهل يسمع للمسلم الشيعي الجعفري أو الزيدي أو الإباضي أو المسلم السني الوهابي أو الصوفي أو الإخواني او التحريري أو الأزهري أو المحايد أو الذي ما زال على الفطرة وعلى دين آبائه؟ وهو الذي يرى ويسمع بعضَ القنواتِ الإسلاميةِ الذي تتقن لغةَ اللعنِ بالاخر وتجهد في حشد الأدلة على تكفيره وتضليله وتبديعه وتجييش الرأي العام ضده للوصول إلى سفك دمه سواء القنوات المحسوبة على التيارات الإسلامية الشيعية أوالسنّية.
فتلك الصراعات العبثية غير المنضبطة والممنهجة والمهذَّبَة قد هزَّت بُنْيَانَ الإسلامِ وأضرَّتْ بواقع المسلمين في الشرق والغرب والجيل الذي لم يولد.
فهناك أزمة حقيقة تكمن في اضمحلال شخصية رجل الدين المسلم وفقر معلوماته وسوء أسلوبه الذي يفتقد للحكمة والموعظة الحسنة والكلمة الطيبة، إضافةً إلى ضعف السلطة الدينية وغياب الرقابة والمساءَلة.
فنحن إمَّا أمامَ صورة رجل دين مسلم رسمي قانونيٍّ متكبِّرٍ متعالٍ على الناس وإما في هيئة زاهدٍ يتعالى عليه مجتمعُهُ وإما فظّاً غليظَ القلبِ واللقاء، فالأمة تتطلع إلى وجود شخصيات دينية تقرأ الإسلام بعقل العصر، وتجذبُ الناسَ بسحر الابتسامة وأناقة الكلمة والمثقلة بالمعرفة والتخصصات الدينية وعلوم الحياة بلمسة فقهِ الواقع.
والحل يكون من خلال مبادرة المرجعية الدينية في الأزهر الشريف والنجف الأشرف في تنظيم الخلافات وتحويلها مادةً لللإثراء المعرفي وليس باباً للتقاتل بين الإخوة في الدين والمذهب والبلد الواحد.