فجأة تنصلت القوى السياسية من ملف الفساد في كازينو لبنان، إما مباشرة وإما عبر رفع الغطاء عن الفاسدين. لكن ما خفيَ كان أعظم.
قرار فتح المعركة جاء بضوء أخضر من رئيس الجمهورية ميشال عون، مدفوعاً بعنوانين عريضين.
الأول هو عدم رغبته في الدخول في لعبة الكازينو، فالمدير العام للكازينو عادةً ما يكون من حصة رئيس الجمهورية. ويمكن تفهّم هذه الرغبة إنطلاقاً من أن حجم الفساد في الكازينو وصل إلى حد لا يمكن التغاضي عنه. بالتالي، ليس من المفيد لعون المشاركة في تغطية الفساد عبر تعيين مدير عام جديد يخلف المدير العام الحالي، حميد كريدي، المحسوب على رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان. وملف الكازينو عموماً، ليس "دسماً" كملف الكهرباء والنفط والمياه، لذلك لا يستحق أن يسكت عنه رئيس الجمهورية. بل على العكس، يصلح ليكون دعامة لمشروع مكافحة الفساد الذي رفعه عون عقب انتخابه رئيساً.
أما العنوان الثاني فهو اتفاق الأحزاب النافذة في الكازينو على الإطاحة بكريدي وبعض أعضاء مجلس الإدارة. وتُعتبر حركة أمل من أبرز المعترضين على كريدي، وترتكز قوتها الاعتراضية، على نفوذ رئيس مجلس النواب نبيه بري في شركة إنترا، وهي من أكبر المساهمين في الكازينو، إلى جانب مصرف لبنان. كما أن العمال الحركيين في الكازينو، يشكّلون ثقلاً كبيراً في نقابة العاملين.
بدوره، قرر كريدي الإدعاء على المؤسسة اللبنانية للإرسال LBC بتهم "التشهير والافتراء والأخبار الكاذبة والقدح والذم"، الإثنين 6 شباط، بعد عرض المؤسسة تقارير عن الفساد والهدر في الكازينو. واعتبر كريدي أن ما ورد في التقارير "أقاويل مضللة، قد دحضها القضاء اللبناني بموجب قرارات مبرمة صادرة خلال سنتي 2011 و2016". وترافق رد كريدي مع تكليف المدعي العام التمييزي القاضي سمير حمود، قسم المباحث الجنائية المركزية اجراء تحقيق في شأن ملف شركة كازينو لبنان ومتابعة هذه الاجراءات معه شخصياً. طالباً الحصول على نسخ من التقارير التلفزيونية التي تحدثت عن ملفات الفساد، بالإضافة إلى نسخة من التقرير المتعلق بالتدقيق في قيود سجلات المحاسبة في الكازينو.
سقوط كريدي في مصيدة مكافحة الفساد لم يكن صعباً. فالغطاء الذي منحه إياه سليمان طيلة عهده بات معطّلاً في عهد التحاصص السياسي الذي أفضى الى انتخاب عون وتشكيل حكومة سعد الحريري. لكن إسقاط كريدي في هذا الوقت تحديداً يصلح ليكون نقطة بداية لاتهام كل من شارك وغطّى سابقاً. فما كان يحصل في الكازينو طيلة هذه السنوات لم يأتِ من فراغ. وكل الأحزاب التي رفعت شعار الاصلاح في وجه كريدي وإدارته، كانت تعلم بالصفقات، ولم تحرك الملف قضائياً. حتى أن الحكومة اللبنانية مشاركة في غض الطرف عن تلك التجاوزات، رغم رفع وزير السياحة الأسبق فادي عبود الصوت أمام مجلس الوزراء برئاسة نجيب ميقاتي، وأمام سليمان بوصفه رئيساً للجمهورية. لكن النتيجة كانت سلبية، لأن "هناك من كان يحمي كريدي"، وفق ما يقوله عبود في حديث لـ"المدن".
الفساد وتجاهله من قبل السلطة السياسية حوّل مخالفات الكازينو، وفق عبود، إلى "مخالفات قانونية وأخلاقية"، إلى جانب المخالفات المالية. فمن ناحية قانونية، "لا يحق لأي شخص اللعب في الكازينو ما لم يكن مدخوله مئة ضعف الحد الدنى للأجور"، وهو ما لا يُطبق اليوم. وهذا التساهل أدى إلى مخالفة، وهي "تحويل الكازينو إلى مكان للمدمنين من ذوي المداخيل المنخفضة". فهؤلاء يقعون في دوامة الديون وصولاً إلى الإفلاس جراء الخسارة في الكازينو.
ويرى عبود أن عدم تطبيق القانون بهدف عدم خسارة المداخيل الآتية من فئات اقتصادية، "يغطي فشل الإدارة في التسويق للكازينو وجذب أصحاب الأموال". فضلاً عن أن غياب مرافق مثل مرفأ ليخوت أصحاب الأموال، قرب الكازينو، وطائرة هليكوبتر تُسهّل إنتقال أصحاب الأموال من المطار إلى الكازينو، يسهم، من وجهة نظر عبود، في تحويل وجهة أصحاب الأموال من كازينو لبنان الى كازينوهات أخرى، أبرزها كازينو قبرص التركية.
وتجدر الإشارة إلى أن هناك معلومات غير مؤكدة، عن ضلوع أحد النافذين في الكازينو، بحثّ أصحاب الأموال من زبائن كازينو لبنان، على التوجه إلى قبرص، لقاء "سمسرة" مالية. وكل ذلك تحت غطاء النصيحة التي تقول إن أسعار الكازينو القبرصي وخدماته أفضل من اللبناني.
أمام هذا الواقع، يُفضّل عبود سحب يد مصرف لبنان وشركة إنترا من المساهمة في الكازينو، وفتح المجال أمام المنافسة بدل الاحتكار. لعلّ المنافسة تُصلح حال الكازينو وتخفف الفساد.
تخلّي عون عن حصته في الكازينو، حتى الآن، عبر عدم تعيين مدير عام يخلف كريدي، وشنّه هجوماً على الفساد باسم الإصلاح، يلقي أمامه مسؤولية إكمال الإصلاح حتى خواتيمه. لكن هذا القرار يضع معركة الإصلاح وجهاً لوجه مع نفوذ بري في شركة إنترا. ما يفتح ملفات جديدة قد يكون هذا الإصلاح والتغيير بالغنى عن معاركها.
عليه، فإن أقرب سيناريو إلى الواقع، هو وقوف القضية عند إسقاط كريدي عن عرش الكازينو. أما الإصلاح الحقيقي، فلن يتم لأنه سيصطدم بمنتفعين كُثر، وبفاسدين لم يحن موعد التضحية بهم.
خضر حسان