قد تتشابه قصة "هلا.ب" المأساوية مع أحداث سيناريو درامي، وقد تكون قصّتها برهاناً على مقولة "يا ما في السجن مظاليم".
إبنة الخمسين التي دخلت سجن النساء في بعبدا لفترة سنة ونصف بتهمة قتل أخيها الصغير (لم تُثبت عليها حتى اللحظة مئة في المئة) ، تواجه اليوم القضاء اللبناني رغم خروجها للتو من السجن بعد إنقضاء مدة توقيفها كحقّ عام للدولة، وذلك لعدم قدرتها على إثبات براءتها. فجميع بصماتها واضحة المعالم على ذلك المسدس اللعين الذي خرجت منه رصاصة وإستقرت في قلب "محمد" ليحترق قلبها وتدخل السجن بجريمة تؤكّد أنها لم تفعلها.
بعد هذه الحادثة الفظيعة التي وقعت داخل منزل العائلة في برج حمود (في العام 2014) دخلت "هلا" بحالة نفسية متدهورة أرغمتها على تلقّي العلاج المستمر داخل مستشفى "دير الصليب"، فكانت إقامتها موزّعة بين سجن النساء وبين دير الصليب.
أصبحت حياتها عبارة عن علاجات نفسية ومن أمراض جسدية مُزّمنة، أما الوقت الباقي من حياتها تمضيه في محكمة الجنايات ببعبدا حيث تحضر كل فترة لسماع إفادتها حول جريمة قتل شقيقها.
موقع "التحرّي" التقى بـ"هلا" التي كانت حاضرة منذ يومين في محكمة بعبدا لسماع أقوالها لكن الأمر لم يتم لغياب وكيلها، فقدمت بطلب لدى رئيس المحكمة القاضي عبد الرحيم حمود طالبة منه تأجيل الجلسة لفترة أطول كونها ستخضع لعلمية طارئة في قدمها بارزة له التقارير والمستندات الطبيّة.
كانت تجلس بصمت خارج القاعة على غير عادة المتهمين في قضايا ما، رأسها في الأرض تترقب المناداة على إسمها كي تدخل، وعن سبب عدم جلوسها بالداخل قالت بصوت فيه غصّة "أخجل من الجلوس بين المتهمين والشهود، سأنتظر حتى يأتي دوري كون قضيتي ستبقى لأخر الجلسة، حينها تكون القاعة قد فرغت".
في سن الـ48 وبعد أن أمضت نصف حياتها بلا زواج وبلا تأليف أسرة من أجل التفرّغ لتربية شقيقها الأصغر "محمد"، وبعد أن عملت وتعبت لأجله كما لأجل إخوتها، دخلت "هلا" السجن بسببه.
ادمن "محمد" لسنوات طويلة على المخدرات فأصبح أسيراً للسمّ الأبيض، حاولت "هلا" مساعدته للعلاج والتخلّص من آفته، في ذات المكان الذي تتعالج به نفسياً اليوم حاولت إدخاله لمعالجته. فشلت ولم تصل إلى أي نتيجة، كان يناديها بـ"ماما" طوال حياته فهي من كانت تؤمن له الطعام واللبس وكل ما كان يريد، لكن "عشرة السوء" كما تقول أدخلته في نفق الإدمان القاتل.
حاولت "هلا" حجب المال عنه كي لا يشتري بها مواد مخدّرة، حاولت إستخدام كل الطرق لردعه وفشلت، كونه وصل إلى مرحلة متقدّمة من الإدمان إلى جانب رفضه أساساً العلاج فدخل بمرحلة الإكتئاب المزمن والحالات العصبية المتزايدة، إلى أن قرر في ذلك اليوم المشؤوم وضع حداً لحياته.
إستحصل "محمد" على مسدس من شخص ما وبطريقة ما بحسب ما تقول شقيقته، وقرر التخلّص من حياته بعدما وقع بشجار مع إخوته كونه يريد شراء مخدرات ولا يريدون إعطائه أي مبلغ، فهدد بقتل نفسه هنا تدخلت "هلا" محاولة ردعه عن فعلته، وبين مشادة ومحاولات منها لسحب المسدس منه خرجت الرصاصة القاتلة وأردته على الفور.
نهاية حياة محمد "القدرية" أنهت حياة شقيقته التي كان يعتبرها "أماً" له وسنداً. القضاء آخذ مجراه مطبّقاً عليها قانون "الحق العام" فبصماتها واضحة على المسدس ولو لم تكن نيتها قتله كما أكّدت في جميع إفادتها.
دخلت السجن لفترة 18 شهر ثم خرجت منه منذ فترة قصيرة، لكن هذا لا يعني أنها لن تعود إليه مجدداً في حال أصدر القضاء مجدداً قراراً بتوقيفها كون الأبحاث الجنائية والتحقيقات وإفادة الشهود والطب الشرعي لم ترتبط عناصرهم جمعاء في إثبات الآدلة والبراهين. فماذا سيكون مصير "هلا.ب"؟
التحري