يفترض ان تشكل زيارة وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان لبيروت جرعة دعم اضافية لمسيرة التسوية الداخلية التي تكمل اليوم الايام المئة الاولى منها منذ انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية في 31 تشرين الاول 2016، وسط تنامي المخاوف على اهتزازها بفعل التعقيدات التي تواجهها نتيجة أزمة قانون الانتخاب . ذلك ان القرارات التي نقلها الوزير السعودي لجهة ترجمة بعض النتائج الايجابية للزيارة التي قام بها الرئيس عون للمملكة العربية السعودية جاءت لتثبت الخط الانفتاحي الذي دشنته الزيارة من جهة ولتشكل ضمنا دفعاً سعودياً نحو توافق داخلي على تجاوز هذه الازمة وان تكن النتائج العلنية لمحادثات الموفد السعودي لم تأت على ذكر أي ملف سياسي داخلي.
لكن المعطيات المتوافرة عن ازمة قانون الانتخاب لم تتبدل من حيث استمرار المناخ السلبي مهيمناً على مجمل التحركات والاتصالات الجارية بما يصعب معه توقع حلحلة سعى الى تعميم الانطباعات عنها بعض أركان الحكم والقيادات . وكان ابرز الايحاءات بايجابيات محتملة في هذا الملف جاء على لسان رئيس الوزراء سعد الحريري لدى استقباله مساء أمس أعضاء المجلس الاعلى لطائفة الروم الكاثوليك اذ علمت "النهار" أنه أكد لهم "اننا اصبحنا في المئة متر الاخيرة من الاتفاق على قانون انتخاب جديد". ولم يكن الكلام العلني للحريري امام الوفد اقل دلالة اذ اكد انه متفق مع رئيس الجمهورية على أنه "لن يكون هناك انقسام بعد اليوم على مستوى الحكم وانه على اتصال يومي مع رئيس الجمهورية في مختلف القضايا والمشاكل التي يواجهها لبنان".
واكتسب كلام الحريري بعداً مهدئاً عقب اللقاء الذي جمعه ورئيس حزب "القوات اللبنانية " سمير جعجع ليل الاثنين في "بيت الوسط" حيث خاضاً طويلاً في ملف قانون الانتخاب وخصوصاً لجهة بلورة بديل من المشروع المختلط الاول للجنة الرباعية الذي اثار رفضاً واسعاً واتفقا على "وجوب الوصول في أسرع وقت الى مشروع قانون جديد للانتخابات يحظى بتوافق الكتل السياسية ويأخذ في الاعتبار هواجس جميع الاطراف". واذ علم ان التواصل سيستمر بوتيرة كثيفة بين الجانبين للتنسيق في دقائق الامور، خصوصاً انه يبدو ان ثمة عملاً يجري في الظل لاحياء صيغة جديدة لمشروع مختلط، فان وفاة والدة رئيس حزب "القوات" السيدة ماري حبيب جعجع ستملي التريث أياماً قليلة ريثما تنتهي التعزية لمعاودة لاتصالات والمشاورات الخاصة بملف قانون الانتخاب . ويبدو ان لقاء "بيت الوسط" بين الحريري وجعجع أعاد احياء الدفع بقوة نحو نسخة جديدة مختلطة ستظهر معالمها بعد عودة وزير الخارجية جبران باسيل الى بيروت ومعاودة الاتصالات بين اطراف اللجنة الرباعية المنوط بها البحث في المشاريع الانتخابية. وتفيد المعلومات المتوافرة ان اتفاقا ساد لقاء الحريري وجعجع على اقرار قانون جديد بما يشكل جامعاً مشتركاً قوياً بين "المستقبل" و"القوات" ودفعاً مماثلاً لعلاقة كل منهما برئيس الجمهورية وملاقاته في مواقفه المشددة على حتمية التوصل الى قانون جديد . كما ان الفريقين لم يغفلا أهمية معالجة هواجس الحزب التقدمي الاشتراكي التي يريان امكان معالجتها من خلال قانون مختلط مرن يلحظ الحاجة الى استجابة كل التطلعات بما فيها وحدة المعايير في التوزيع بين الاكثري والنسبي من دون التسبب باثارة مشكلة جوهرية كالتي يعبر عنها الحزب التقدمي الاشتراكي. وقال مصدر سياسي بارز لـ"النهار" إن أي معطى ايجابي حقيقي لم يسجل بعد في حلحلة العقد وان المساعي الجارية للتوصل الى اختراق يتيح احياء البحث في مشروع توافقي لم تتجاوز حدود التهدئة الظرفية في انتظار ما تحمله الايام القليلة المقبلة التي ستتسم بحرارة استثنائية كلما اقترب موعد دعوة الهيئات الناخبة في 21 شباط الجاري.
موقف المشنوق
والواقع ان موقفاً لافتاً اتخذه أمس وزير الداخلية نهاد المشنوق بدا بمثابة رجع صدى لتداعيات أثارتها مواقف الرئيس عون الاخيرة اذ رأى المشنوق ان الرئيس عون "مكتمل الزعامة وليس مضطراً الى اتخاذ مواقف لكسب الشعبية"، وتمنى عليه تالياً "مراجعة مواقفه حيال النقاش الدائر حول قانون الانتخاب انطلاقاً من موقعه بان يكون رئيس كل الخيارات اللبنانية وحرصاً على ألا يتحول مقام الرئاسة وكلام الرئيس الى مسألة خلافية".
لكن رئيس الجمهورية بدا في المقابل على يقينه انه سيكون للبنان قانون انتخابي جديد يؤمن تمثيلاً عادلاً لجميع اللبنانيين، وأن "لا خوف من النقاش الذي يرافق البحث في القانون العتيد لان الانتخابات ستجرى في النهاية وسيتابع لبنان مسيرة النهوض التي بدأها قبل ثلاثة أشهر".
القرارات السعودية
في غضون ذلك، نقل الوزير السعودي الى الرئيس عون ثلاثة قرارات من المملكة تتعلق باستكمال نتائج المحادثات التي اجراها مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز وهي تعيين سفير جديد للمملكة في لبنان وزيادة رحلات شركة الطيران السعودية الى بيروت وتشجيع عودة الرعايا السعوديين الى لبنان. وعلمت "النهار" ان السفير السعودي الجديد الذي يجري التكتم على اسمه سيصل الى لبنان خلال الاسبوعين المقبلين. كما علم ان موضوع المساعدات العسكرية السعودية للجيش اللبناني ستوضع موضع البحث العملي قريبا من خلال طلب ترتيب لقاء لكل من وزيري الخارجية والدفاع جبران باسيل ويعقوب الصراف مع ولي ولي العهد وزير الدفاع السعودي الامير محمد بن سلمان للبحث في حاجات الجيش والآلية المناسبة لتقديم المساعدات اليه من غير ان يعرف ما اذا موضوع الهبة السعودية السابقة المجمدة قد طوي نهائيا.