إن حديث ترامب المُتشدِّد حول إيران يُكسِبه أصدقاءً في العالم العربي، لكنَّه كذلك يحمل مخاطر كبيرة بصراعٍ مع خصمٍ للولايات المتحدة هو الآن أقوى من أي وقتٍ مضى منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية قبل ما يُقارب 40 عاماً.
فمع إنذارها الأسبوع الماضي بتوجيه"تحذير رسمي" لإيران، أظهرت إدارة ترامب اختلاف كبيرا مع سياسات الرئيس السابق باراك أوباما، والذي طغى تركيزه على التوصُّل إلى اتفاقٍ نووي مع إيران على المخاوف الاميركية التاريخية من توسُّع نفوذ طهران، وأذِن بفترةٍ نادرة من الانفراج بين الجانبين.
ويتوقَّع الكثيرون في المنطقة الآن أن تعود توتُّرات حقبة جورج بوش الابن، حينما خاض عملاء الولايات المتحدة وإيران حرباً من وراء الستار في العراق، وتصاعدت التوتُّرات بين السُنَّة والشيعة في أنحاء المنطقة، وخاضت حليفة الولايات المتحدة إسرائيل حرباً وحشية مع حليف إيران في لبنان حزب الله، حسب تقرير لصحيفة واشنطن بوست الأميركيًة.
إلّا أنَّ الولايات المتحدة ستُواجه الآن إيران أقوى كثيراً من تلك التي واجهها جورج بوش، إذ استغلَّت طهران السنوات الست الأخيرة من الفوضى في العالم العربي لتعزيز انتشارها وقدراتها العسكرية باطِّراد، وفقا للتقرير.
تدمير الاقتصاد العالمي؟
وقال الباحث نيكولاس هيراس بمركز الأمن الأميركي الجديد: "في سبيل مواجهة إيران أو التصدِّي لها بصورةٍ أكثر عنفاً، ربما تجد نفسك في صراعٍ أوسع نطاقاً وأكثر تدميراً للاقتصاد العالمي ممَّا قد يكون الكثير من حلفائنا أو الرأي العام الأميركي على استعدادٍ لتحمِّله".
وقد قُيِّدت مساعي إيران إلى إنتاج سلاحٍ نووي، (وهو ما أنكرته طهران دوماً)، من خلال الاتفاق النووي في 2015. لكنَّها في غضون ذلك طوَّرت صواريخ قادرةً على ضرب قواعد الولايات المتحدة وحلفائها في أنحاء الشرق الاوسط، وكوَّنت شبكةً من الحلفاء جعلت منها اللاعب الإقليمي الأكثر قوة في المنطقة.
وتقف إيران الآن عند قمة مجال نفوذٍ يتَّخذ شكل القوس، يمتد من طهران إلى البحر المتوسط، من حدود الناتو (عند تركيا) إلى حدود إسرائيل، وعلى امتداد الطرف الجنوبي من شبه الجزيرة العربية.
وتسيطر على عشرات الآلاف من الموالين في الميليشيات الحليفة، والجيوش الوكيلة التي تقاتل على الجبهات في سوريا، والعراق، واليمن باستخدام العربات المُصفَّحة، والدبابات، والأسلحة الثقيلة.
وقد انضم إليهم آلافٌ من أعضاء قوات الحرس الثوري الإيراني، الجناح العسكري الأعلى شأناً في إيران، والذين اكتسبوا خبراتٍ ميدانية مُعتَبَرة خلال تلك العملية.
وللمرة الأولى في التاريخ، أشار معهد دراسات الحرب في تقريرٍ له الأسبوع الماضي أنَّ إيران قد طوَّرت قدرتها على نشر القوات العسكرية التقليدية على بُعد مئات الأميال خارج حدودها.
وقال المعهد: "هذه القدرة، والتي يمتلكها عدد صغير جداً من الدول في العالم، ستُغيِّر بشكلٍ جوهري الحسابات الاستراتيجية وتوازن القوى في الشرق الأوسط".
حلفاء أميركا سعداء
ويُشجِّع حلفاء أميركا من العرب السُنَّة، الذين يُحمِّلون تردُّد إدارة أوباما المسؤولية في توسُّع قدرات إيران، نهجاً أكثر صداميةً من جانب الولايات المتحدة.
وتضاءل القلق التي ربما ساورهم حيال خطاب ترامب المعادي للمسلمين مقابل حماسهم لاحتمال تصديه لإيران.
وقال الدبلوماسي السعودي السابق، عبد الله الشمري، مُتحدِّثاً من العاصمة السعودية الرياض: "إنَّنا سعداء ومتحمِّسون للغاية بشأن الرئيس ترامب. نتوقَّع منه أن يتعامل مع الإيرانيين على نفس قدر التهديد الذي يُمثِّلونه بإنتاجهم الصواريخ وتدخُّلهم في شؤون الدول الأخرى".
ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح ما تنوي إدارة ترامب تحديداً القيام به تجاه وضعٍ أصبح بالفعل راسخاً في المنطقة.
إذ يقول مُحلِّلون إنَّ تواجد إيران أصبح متغلغلاً في أنحاء المنطقة لدرجة أنَّه من الصعب التفكير في أنَّ أية إدارة أميركية بإمكانها إعادتها إلى وضعها السابق دون زعزعة استقرار الحلفاء، وتعريض الأميركيين للخطر، وتقويض الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، والإخلال بالتوازن الإقليمي الجديد الذي برز خلال انسحاب إدارة أوباما من المنطقة.
لن أكون لطيفا معهم
ولم تُعطِ إدارة ترامب أية إشارة على أنَّها تنوي إلغاء الاتفاق النووي. وبدلاً من ذلك، يقول مسؤولون أميركيون إنَّ الهدف هو احتواء الأنشطة التي تقع خارج مجال الاتفاق، مثل برنامج الصواريخ الباليستية، وما أسماه أحد المسؤولين "الأنشطة المُزعزِعة للاستقرار" التي يقوم بها الحرس الثوري ووكلائه.
وحتى الآن، اقتصر تحرُّك الولايات المتحدة على الرد على تجربة إيران لاختبار صاروخٍ باليستي الأسبوع الماضي، وهجوم المتمرِّدين الحوثيين في اليمن على سفينة تابعة للبحرية الملكية السعودية في البحر الأحمر.
إذ فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوباتٍ، الجمعة 3 فبراير/شباط 2017 ، ضد شخصياتٍ وشركاتٍ يُزعَم تورُّطهم في برنامج الصواريخ، وأرسلت وزارة الدفاع "البنتاغون" المُدمِّرة "يو إس إس كول" إلى ساحل اليمن، بما يُوحي بأنَّ تسليح إيران للحوثيين قد يكون هدفاً مُبكِّراً للتحركات الأميركية.
وبخلاف ذلك، لم تعطِ إدارة ترامب مؤشِّراتٍ على ما تنويه، فيما عدا توضحيها بأنَّها قررت أن تكون مختلفةً عن أوباما.
وكتب ترامب في تغريدةٍ له، الجمعة 3 فبراير/شباط 2017 على تويتر، قائلاً: "إيران تلعب بالنار، إنَّهم لا يُقدِّرون كم كان الرئيس أوباما "لطيفاً" معهم. لكنِّي لن أكون كذلك!".
وقدَّمت إيران رداً خافتاً على هذا التحدّي، وذلك من خلال تغريد وزير الخارجية الإيراني قائلاً إنَّ إيران "لا تعبأ" بالتهديدات الصادرة من واشنطن. وأضاف: "لن نبادر بالحرب أبداً".
احتمالات المواجهة
وقال مُحلِّلون إنَّ إيران ربما تستنتج جيداً أنَّه ليس من مصلحتها الانخراط في مواجهةٍ مع إدارةٍ أميركية جديدة عُرِف عنها بالفعل أنَّه يصعب التنبؤ بتصرفاتها.
لكن أولئك المُطَّلِعين على سلوك إيران في المنطقة قالوا إنَّهم لا يعتقدون أنَّها ستتنازل عن مكاسبها بسهولةٍ.
وتوقَع العضو الشيعي في البرلمان العراقي، موفَّق الربيعي، والذي عمل لسنواتٍ طويلة على تجسير الهوة بين إيران وأميركا في العراق، أنَّ "الإيرانيين لن يتقبَّلوا أية محاولةٍ لإجبارهم على التراجع دون مواجهة".
وقال إنَّ "العراق، وإيران، والولايات المتحدة يمثلون معاً معادلةٌ متوازنةٌ بصعوبةٍ، ولا ينبغي أن يأتي ترامب ويزعزعها. عليه الاضطلاع بذلك بصورةٍ حسَّاسةٍ للغاية".
العراق
وقد يشهد العراق، الذي جمعت الحرب فيه ضد داعش الولايات المتحدة بصورةٍ واضحة في تحالفٍ ضمني مع إيران، أوضح التداعيات التي قد تنتج عن علاقاتٍ أكثر عدائية بين طهران وواشنطن.
وتُعَتبَر الميليشيات المدعومة من إيران جزءاً لا يتجزَّأ من الجهد العراقي الشامل لإعادة انتزاع الأراضي من المُتشدّدين، وهو الجهد الذي تدعمه أيضاً الولايات المتحدة.
ففي معركة الموصل، يعمل مئات من المستشارين الأميركيين إلى جانب القوات العراقية التي تتقدَّم من الشرق، من بين قرابة 6000 من القوات الأميركية المُنتَشِرة حالياً في العراق. ويتقدَّم في الوقت نفسه آلافٌ من مقاتلي الميليشيات المدعومة من إيران للمدينة من الغرب، من بين قوةٍ من عشرات الآلاف تخضع في معظمها لإيران، رغم أنَّها لا تخضع بشكل حصري لها وحدها.
وإحدى المجموعات المدعومة من إيران وتقاتل حول الموصل هي كتائب حزب الله، التي فجَّرت كذلك القوات الأميركية بالعبوات الناسفة على جوانب الطرق، وأطلقت قذائف الهاون على القواعد الأميركية خلال ذروة التوتُّر الأميركي الإيراني قبل عقدٍ من الزمن.
وقال المتحدِّث باسم كتئاب حزب الله، جعفر الحسيني، إنَّ المجموعة لن تتردَّد في مهاجمة القوات الأميركية إذا ما حاولت الولايات المتحدة إضعاف دور إيران في العراق.
وأضاف: "نعتبر أميركا عدونا الأول، ومصدر كل الشرور على الأرض. والمصالح الأميركية في العراق تحت أنظارنا وفي مرمى نيراننا. إذا ما تصرَّفوا بحماقةٍ، ستُمحى مصالحهم... بإمكاننا استهداف قواعدهم متى شئنا".
إسقاط الأسد
ومن الصعب كذلك التفكير في الطريقة التي قد تحد بها الولايات المتحدة من النفوذ الواسع الذي اكتسبته إيران خلال الحرب في سوريا.
فقد قاتلت إيران وروسيا معاً لضمان بقاء نظام الرئيس بشار الأسد، وهما الآن تسعيان بالتحالف مع تركيا إلى تسويةٍ تستثني دور الولايات المتحدة. وفيما عدا الأكراد في شمال شرقي البلاد، تُرِكت الولايات المتحدة في سوريا مع قليلٍ من الأصدقاء، وقليلٍ من النفوذ.
وتسيطر روسيا على الأجواء في سوريا، وتتمتَّع تركيا بنفوذٍ على المعارضة، لكنَّ إيران تهيمن على الأرض، وذلك من خلال شبكتها الواسعة من الميليشيات الشيعية التي جُلِبَت من لبنان، والعراق، وأفغانستان، وباكستان.
فقد وفَّرت القوة البشرية لجبهات القتال بدءاً من الريف الشمالي في حلب، بالقرب من الحدود التركية، وصولاً إلى مرتفعات الجولان عند الحدود مع إسرائيل في الجنوب.
وقال مصطفى العاني، وهو مديرٌ في مركز الخليج للأبحاث ومقره دبي، إنَّ وعود ترامب بالحد من نفوذ إيران تتناقض مع رغبته المُعلنة في تحقيق تعاونٍ أوثق مع روسيا في سوريا، وكذلك في دعم الأسد، لأنَّ إيران متحالفةٌ مع كلٍ من الأسد وروسيا.
وأضاف: "لن يكون قادراً على احتواء إيران إذا ما كان سيدعم الأسد. لا يمكنه تحقيق الهدفين في الوقت نفسه". ورأى إنَّ الحل يتمثَّل في الإطاحة بالأسد، لأنَّ "الأسد هو الرجل الذي ترسَّخ في الحكم من خلال الدعم الإيراني. والتدخُّل الإيراني فقط هو ما أنقذه".
ولا يرى العاني أي سببٍ يمنع ترامب من احتواء نفوذ إيران بسهولةٍ.
فيقول: "إنَّ القول بإنَّ إيران قويةٌ هو مجرد خرافة. السبب الوحيد في كوْنها قويةً هو ضعف الولايات المتحدة. إيران مُتمدِّدةٌ أكثر مما في مقدورها. لن يستغرق الأمر الكثير من الوقت لاحتوائها. المنطقة الآن تُواجه رياح التغيير المُضطَّرِبة. ولن تكون سهلة".
لكن حتى أولئك الذين يحتفون بالتحوُّل في السياسة الأميركية لا يبدون متأكِّدين للغاية من ذلك.
فقد قالت أحد التعليقات في صحيفة الشرق الأوسط السعودية إنَّ "طهران اليوم تُجابه من قِبَل ولاياتٍ متحدةٍ صارمةٍ، ومُصمِّمةٍ، وقويةٍ، وحاسمةٍ، وهو ما لم يكن عليه الأمر دوماً مع إدارة أوباما المتساهلة والمُتردِّدة.
Huffington Post