على رغم ان موضوع العلاقات مع ايران كان من ابرز المواضيع في حملات الرئيس الاميركي دونالد ترامب خصوصا من باب الاتفاق النووي الذي يراه مجحفا للولايات المتحدة، فان التصعيد مع ايران في الايام الاخيرة بدا بالنسبة الى مراقبين ديبلوماسيين مهربا يستطيع الرئيس الاميركي ان يذهب بعيدا فيه من دون ردود فعل بما يحيد الانتباه نوعا ما عن الصدمة التي تلقاها بطعن القضاء الاميركي بقراره حظر دخول مواطني سبع دول اسلامية الى الولايات المتحدة. ذريعة التصعيد مع طهران وفرتها تجربة اطلاق ايران صواريخ بالستية ما عد خرقا لقرارات الامم المتحدة واستدعى عقوبات اضافية عليها، وهو الامر الذي لا يثير غضبا في اي اتجاه في الولايات المتحدة من الديموقراطيين او الجمهوريين.
لكن القرارات في اتجاه طهران بدت وان كانت متواصلة مع فكر الرئيس الاميركي واتجاهات ادارته التي تتطلع الى التشدد في منع طهران من توسيع نفوذها في المنطقة بمثابة حفظ ماء الوجه على اكثر من مستوى. فمن جهة فان اصرار القضاء الاميركي على الطعن في قرار الرئيس الاميركي حول الهجرة وحتى رفض محكمة الاستئناف طلب وزارة العدل النظر مجددا في الموضوع يعد ضربة قوية في وجه الرئيس الذي لم يمض سوى اسابيع على تسلمه الرئاسة ورغب في ان يوجه رسالة قوية حول قدرته على التزام وعوده ايا تكن مجحفة وغير منطقية فتم صده على اكثر من مستوى لا سيما الشعبي والقضائي بحيث ان كسر قرار لرئيس اميركي في مطلع عهده امر بالغ الخطورة والاثر وكمن دخل في باب زجاجي وحطم نفسه.
ومسألة وقوف عدد كبير من الاميركيين ضد الرئيس في مطلع ولايته امر مثير للاهتمام لجهة اطلاقه اشارات قوية على النية في التصدي وعدم الاستسلام لقراراته متى كانت في غير محلها تحت طائل تعريض الاستقرار الاميركي للخطر وفق ما بدا من التظاهرات والاجراءات التي اتخذت منددة بقراره وداحضة له والتي لقيت دعما كبيرا في انحاء العالم ولاقت الموقف الشعبي الاميركي بترحاب في مقابل التنديد بمواقف الرئيس ترامب. ولعل ادارة الرئيس شعرت بثقل وطأة قراره والخطوة الخاطئة التي ارتكبها كانطلاقة فحاول ارضاء قطاع وول ستريت بتحرير القطاع المصرفي علما ان لقراره تبعات ومحاذير حتى خارجية في الوقت الذي اعلن رئيس مجلس النواب الاميركي بول رايان انه قد يكون على الكونغرس الاميركي التعايش مع الاتفاق النووي الايراني باعتباره اتفاقا متعددا وليس اتفاقا ثنائيا بين الولايات المتحدة وايران فيما يستمر مستشارو ترامب في القول ان الاتفاق النووي قد يلغى بالكامل.
الامر الذي يظهر وفقا للمراقبين الديبلوماسيين وكأنما الحزب الجمهوري الذي يدعم ترامب وهو عضو فيه مبدئيا يحاول ان يدخل بعض المياه الى نبيذ الرئيس الاميركي في ما خص موقفه من الاتفاق في ضوء الادراك ان العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على طهران قد لا تكون فاعلة او مؤثرة وحدها ما لم ترفد بموقف مماثل من الحلفاء الاوروبيين. وهذا يمكن ان يكون صعبا ان استهل ترامب ولايته باستهداف الاوروبيين وانتقادهم واثارة قلقهم مما يعتزم اتخاذه من خطوات بحيث لن يضمن فاعلية لاجراءاته من دون تعاونهم. وتبعا لذلك تم تسريب ان ترامب سيشارك في اجتماعات مجموعة السبع في ايار المقبل كما تم الاعلان عن التراجع عن اقامة سجون للمخابرات الاميركية في الخارج، في ما يبدو خطوات استيعابية لاول واقوى ضربة وجهت الى الرئيس الاميركي بنقض قراره فرض حظر سفر مواطني 7 دول اسلامية الى اميركا.
البعض يعيد توازن بعض القرارات نسبيا في الايام الاخيرة الى بدء عمل اعضاء بارزين في الادارة الاميركية كوزيري الخارجية والدفاع بعد المصادقة على تعيينهما في الكونغرس مما يخفف ربما من نزعة استئثار ترامب بمواقف في السياسة الخارجية حيث لا يتمتع بأي معرفة او اطلاع ويمكن ان يثير ازمات عدة عبر تغريداته الارتجالية التي لا تتوقف. لكن ثمة نقاط تقدم قد يكون من ابرزها تأكيد التزامه مجموعة حلف شمال الاطلسي وحضور اجتماع مجموعة السبع في ايطاليا بعد اشهر والإقرار بمنظمة الامم المتحدة التي سبق ان انتقدها لعدم فاعليتها في حين ان واشنطن هي التي بادرت الى طرح موضوع استخدام ايران الصواريخ المتوسطة المدى التي يمكن ان تحمل صواريخ نووية امام مجلس الامن. وهذا يعني او يترجم انتظاما معينا يضاف الى التزام ادارة ترامب تحالفات اميركا في المنطقة ان لجهة دول الخليج او اسرائيل في مقابل توعد ايران اقله وفق ما ترجمت سياسته في الاسبوعين الاولين من ولايته من دون ان يعني ذلك ان باب المفاجآت لن يكون مفتوحا على نحو شبه يومي مع رئيس يسعى الى ان يكون محور الاهتمام والانظار سلبا او ايجابا.
في اي حال ليس خافيا ان كسر القضاء الاميركي لقرار الرئيس ترامب حول الهجرة ترك ردود فعل مريحة ليس لجهة ابراز القدرة على التصدي لقرار الرئيس الاميركي كرمز من حيث كونه رئيس اكبر الدول واهمها في العالم بل ان فيه اهم الدروس القيمة من حيث قدرة القضاء على الحكم في قضية والزام رئيس اكبر دولة به اضافة الى ما يتضمنه من تشجيع على اعتماد المقاربات نفسها بالنسبة الى سائر الدول حيث يغزو الزعماء الشعبويون المجتمعات عبر تبني سخط الناس نقمتهم ويأخذون الامور الى قرارات واجراءات يفتقد اصحابها الى المنطق وبعد الرؤية السياسية الصحيحة.