في غرفة شّيدت داخل موقف تابع لسفارة إحدى دول الخليج ببيروت، جلس الرقيب أوّل وزميله على السرير يأخذان قسطاً من الراحة. على السرير المحاذي "ينام" عنصر أمنيّ آخر. بدأ زميلا الحراسة يتحدّثان عن همومهما ومتطلّبات الحياة الشاقّة بصوتٍ خافتٍ كي لا يُزعجا العسكري النائم، دون أن يشكّا ولو للحظة بأنّ من يرقد في السرير المقابل لم يكن يغطّ في سُباتٍ عميق، بل يتنصت إلى حديثهما المشوّق والذي أعجبه منه "الشقّ المادي".
أفصح الرقيب أوّل لزميله عن نيّته للقيام في اليوم التالي بتصريف مبلغ من المال قيمته 1100 دولار إلى العملة اللبنانيّة ليدفع ديوناً ومصاريف مترتّبة عليه. ما إن أنهى الصديقان كلامهما وخرجا للتو ّتاركين أغراضهما في الغرفة، حتّى نهض زميلهما من فراشه وسارع إلى تفقّد جيب سترة الرقيب أوّل ولمّا تأكّد من وجود المال فيها، لبسها ولبس فوقها معطفه العسكري وانطلق إلى مكان خدمته في أحد الأبنية المجاورة.
ساعات قليلة مرّت ليكتشف بعدها الرقيب أوّل فقدان جاكيت بدلته العسكريّة مع ما تحويه من مال، في حين كان زميله العسكري الذي غادر الغرفة يطلب السندويشات بطريقة "الديليڤري" ويتلذّذ بها في مركز الخدمة. أنهى العسكري طعامه وطلب من ناطور المبنى إحضار كيس فارغ كبير. لبّى الناطور رغبة عنصر الأمن وغادر، فعمد هو إلى وضع أوراق السندويشات والفاتورة وسترة الرقيب أوّل داخل الكيس ورماه من الشرفة باتجاه إحدى البؤر المهجورة المطلّة على المبنى والمغطّاة بالأشجار والحشيش.
بعد يومين، إنتقل الرقيب أوّل إلى خدمته في نفس المكان الذي طلبت فيه السندويشات، وجلس يتحادث مع الناطور بما حصل معه وعن حزنه الشديد لما حصل، فسأله الأخير إن كان يشكّ بأحد، فأخبره أنّ شكوكه تطال عدّة أشخاص من بينهم العسكري الذي كان يخدم قبله بيومين. عندها أخبره الناطور أنّ العسكري المذكور كان قد طلب منه كيساً كبيراً لكنّه لم يلمحه معه حين غادر كما أنّه على يقين أنّه (أي العسكري) لم يرمه في سطل الزبالة لأنّه لم يراها حين رفع المهملات من الغرفة.
وبمعاينة الغرفة جيّداً، تبيّن أن شبّاك الغرفة يطلّ على بورة قديمة. طلب الرقيب أوّل من الناطور النزول إليها والتأكد من وجود الكيس، وبعد تردّد نظراً لوعورتها إستجاب لطلبه ووجد الكيس فيها، فتم إعلام الضابط المسؤول عن المجموعة فأوعز إليه بعدم لمسه لاجراء المقتضى، فيما جرى الإتّصال بالأجهزة الأمنيّة المختصّة ورجال التحرّي الذين حضروا إلى المكان وفتحتوا تحقيقاً بالحادث وجرى إستجواب الناطور وجميع عناصر الحراسة التابعين للسفارة بمن فيهم المشتبه به الذي نفى معرفته بالكيس المذكور ولا بالأغراض التي بداخله، فيما أكّد الناطور أنّ الكيس المظبوط هو نفسه الذي سلّمه للعسكري وهو كان اشترى فيه أغراضاً من منطقة صبرا ولا يمكن أن يجهله.
إنكار الجاني لم يدم طويلاً بعد مواجهته بأوراق السندويشات وفاتورة الـ "ديليڤري" المذيّلة بإسمه والتي كانت داخل الكيس المرميّ ، فاعترف حينها بسرقة المبلغ من الرقيب أوّل ورمي بدلته العسكريّة .
ويشتبه بتوّرط الفاعل في أكثر من عمليّة سرقة مماثلة والإحتيال على عشرات الأشخاص والإستدانة منهم دون تسديد المبالغ لهم، وقد جرى توقيفه بناء لإشارة النيابة العامة الإستئنافيّة في بيروت على أن يتم الإدعاء عليه من قبل القضاء المختصّ.