توازياً مع ملف قانون الانتخابات وهو الابرز على الساحة الداخلية، سلّط الضوء مجدداً على ملف مالي أساسي ينتظر الاقرار منذ اكثر من عشر سنوات، "الموازنة". فإقرار هذا القانون يعتبر أساساً جوهرياً للعودة الى الانضباط المالي والحد من العجز في الموازنة الذي من المتوقع ان يقارب 7800 مليار ليرة في 2017، اي ما يشكل أكثر من %31 من إجمالي النفقات مع نحو %9.5 من الناتج المحلي، اضافة الى الحد من تنامي الدين العام.
التزم وزير المال علي حسن خليل المهل القانونية التي حدّدها قانون المحاسبة العمومية، فأحال موازنة 2017 على مجلس الوزراء وأصبحت بعض أرقامها معروفة للعلن، هذه الموازنة تتوقع عجزاً يقارب الـ 6 آلاف مليار ليرة وخدمة الدين عند 7 آلاف مليار فيما قد يصل إجمالي النفقات للعام المالي الى 24 ألف و700 مليار ليرة مع احتساب تكلفة سلسلة الرتب والرواتب ونحو 7 آلاف مليار ليرة لتسديد خدمة الفوائد، كذلك توقع مشروع موازنة 2017 نمواً إقتصادياً عند 2.6% مع نسب تضخم قرب 1.8%. وكانت مؤسسات دولية قد رفعت توقعاتها لهذا النمو الى 3.5% نتيجة التطورات السياسية التي شهدتها البلاد في نهاية عام 2016.
أما في ما يتعلق بالايرادات التي لاحظها مشروع موازنة 2017، لم تحدد الارقام بشكلها النهائي بعد، لأن البحث مستمر في كيفية توفير المزيد من التمويل لخزينة الدولة، فالايرادات المبدئية المتوقعة ضمن مشروع موازنة 2017 لا تتعدى 16800 مليار ليرة، ولكن يمكن لهذه الارقام ان تتبدل بشكل كبير خلال مناقشة الموازنة، مع إمكان فرض المزيد من الاجراءات الضريبية لتوفير إيرادات إضافية للخزينة. في العام 2016، دقّ الوزير خليل ناقوس الخطر، حين حذّر من تراجع مستمر للإيرادات وإرتفاع مقلق للانفاق.
الوضع المالي في لبنان في أزمة فعلية، والحديث عن إجراءات تصحيحيّة سطحيّة لم يعد ينفع، فالمطلوب تحقيق إجراءات هيكلية في صميم المالية العامة. أما غياب الموازنة منذ أكثر من 10 سنوات فقد رفع الدين العام من 38.5 مليار دولار في العام 2005 إلى ما يقارب 75 مليار دولار في نهاية 2016 ونحو 80 ملياراً متوقعة في نهاية 2017 رغم ان مشروع موازنة العام يتوقع الدين عند 106 آلاف مليار ليرة. وهذا الارتفاع سُجل نتيجة غياب الموازنات والصرف على أساس القاعدة الإثني عشرية والاستمرار في فتح الاعتمادات من خارج الموازنة. فمنذ العام 2004، والموازنة العامة تسجل عجزاً مُقلقاً يتخطى الـ 4 مليارات دولار كمعدل سنوي، نتيجة الزيادة المستمرة للإنفاق عشوائياً وغياب عملية الترشيد المطلوبة لضبط هذا الانفاق. وعدم إقرار الموازنة منذ 2005، شكّل أبرز الثغر في أداء المالية العامة، ومثّل تحدياً جدياً للحكومة في عملها لإرساء القواعد القانونية للمالية العامة.
وبالعودة الى كل الموازنة منذ العام 2008، يبدو جلياً أن بند الأجور والتعويضات والتقاعد يستحوذ على الجزء الاكبر من باب النفقات العامة. فهذا البند مثلاً، ارتفع ما يقارب الـ 2.65 ملياري دولار في موازنة 2008 الى نحو 4.72 مليارات في موازنة 2015، مما شكّل نحو نصف إيرادات الدولة لعام 2015، هذا الواقع يستدعي التدخل السريع لوقف النمو الكارثي لهذه النفقات عبر إعادة البحث في السياسة التوظيفية في القطاع العام. من هنا طالب وزير المال بإتخاذ قرار مصيري في مجلس الوزراء لوقف التوظيف الى حين إعادة هيكلة القطاع، وملء الشواغر بالعديد الموجود، ومن ثم وضع خطة شاملة تحدد السياسة التوظيفية التي يجب إتباعها. وأيضاً من النفقات الكبيرة التي تتحملها خزينة الدولة، خدمة الدين العام التي يتخطى حجمها 5 مليارات دولار في 2016 مقارنة بـ 3.54 مليارات في 2008، مع التنامي المستمر للدين العام. والتحذير الذي أطلقه وزير المال حيال تراجع حجم الايرادات لم يأت من لا شي، فالارقام التي أوردتها تقارير وزارته خير دليل على هذا الامر الذي يُعتبر نتيجة فعلية لإنكماش النشاط الاقتصادي في لبنان. فالنمو لم يتخط 2% خلال الاعوام الثلاثة الماضية، مما أدى الى تراجع كبير في الايرادات التي توفرها الضرائب الأساسية وعلى رأسها الضريبة على القيمة المُضافة والضريبة على الأرباح.
ومنذ أن قدم الوزير خليل مشروع موازنة 2017 الى مجلس الوزراء، وبدا الحديث جدياً عن إمكان اتخاذ إجراءات ضريبيّة تساهم في زيادة الايرادات وبخاصة بعد إلحاق مشروع سلسلة الرتب والرواتب بهذه الموازنة. وضمن الاجراءات الضريبية المقترحة، والتي قد تساهم في توفير إيرادات إضافية بقيمة 2400 مليار ليرة: (الاجراءات المقترحة على سبيل التعداد لا للحصر).
- تعديلات على قانون ضريبة الاملاك المبنية.
- فرض رسم طابع مالي على إستثمار المياه الجوفية.
- فرض رسم إستهلاك على إستيراد المازوت بمعدل 4%.
- رسم سير إضافي.
- رفع معدل رسم الطابع المالي النسبي من 3 في الألف الى 4 في الألف.
- رفع رسم الطابع المالي على السجل العدلي من 2000 ليرة الى 4000 ليرة.
- رفع رسم الطابع المالي على الفواتير والايصالات التجارية من 100 الى 250 ليرة.
- رفع رسم الطابع المالي على فواتير الهاتف.
- مضاعفة الرسوم التي يستوفيها كتّاب العدول لصالح خزينة الدولة.
- فرض ضريبة بمعدل 15% على أرباح التفرّغ على العقارات والتي تعود الى اشخاص طبيعيين ومعنويين.
- الغاء المعدل المخفض للضريبة على توزيعات ارباح بعض الشركات.
- رفع معدل الضريبة على القيمة المضافة من 10% الى 11%
- فرض رسم على عقود البيع العقاري بنسبة 2%.
- فرض غرامة على إشغال الاملاك العمومية البحرية والبرية والاملاك التي تقع على خط السكك الحديد وتحدد قيمتها بما يعادل 3 اضعاف قيمة الرسوم المتوجبة على الاشغال المماثلة المرخص لها.
- رفع الرسوم على إستهلاك المشروبات الروحية المستوردة.
- فرض رسوم على خروج المسافرين جواً وبحراً وبراً.
- رفع معدل الضريبة على شركات الأموال الى 17%.
- فرض ضريبة على رسم إستخراج البحص والرمل.
- فرض نسبة من القيمة التخمينيّة في ما يتعلق برخص بناء أو إعادة بناء أو إضافة بناء في جميع المناطق.
- فرض رسم نسبي على جوائز اليانصيب.
- فرض رسم مقطوع على السلع المستوردة من الخارج ضمن مستوعبات.
ولكن بعض هذه الاجراءات قد يؤدي الى لجم النشاط الاقتصادي، كما قد تساهم في تعزيز التهرّب الضريبي. وتنصّ النظرية الإقتصادية على أنه خلال الفترات الاقتصادية غير المستقرة، لا يتوجّب على الحكومات فرض ضرائب ورسوم جديدة لأنّ في ذلك ضرراً على النشاط الاقتصادي الذي يتأثر بمبدأ العرض والطلب، ولكن بمفعول التضخّم الذي سيظهر كنتيجة للإجراءات المالية والضريبيّة وليس نتيجة للنمو الاقتصادي الآتي من خطة إستثماريّة تحفيزيّة، ومن هنا، تطرح حلول بديلة للعديد من هذه الاجراءات، تبدأ بمكافحة الهدر والفساد وإقرار قوانين إصلاحية إقتصادية ومالية.