8 أيام مرّت وسكّان المبنى الملاصق لسنتر المتحف المهدّد بالانهيار، على حالهم، مشرّدين، يوزّعون منامتهم ليلةً عند إخوتهم، ليلةً عند أقارب لهم. «ستَحْلينا حدا يسألنا شو عايزين»، «ع الأرض يا حكم»، «شو ذنبنا بهالبرد بلا سقف؟»... صرخة الأهالي تتفاعل تزامناً مع ارتفاع منسوب القلق في نفوسهم من أن تطول مدّة «الـ10 أيام» التي على أساسها أخلوا منازلهم لترميم المبنى. فيصرخون: «حتى الآن لا ترميم ولا بلّوط، ونخشى من التمديد!».«ضهَرنا بالتياب اللي علينا». 4 كلمات تختصر الواقع المأسوي الذي تتخبّط فيه عائلات المبنى المتصدّع في محيط المتحف، بعدما أخلوا منازلهم ليل الأحد المنصرم على غفلة، من دون أن يتسنّى لهم إخراج حاجياتهم اليومية وأغراضَهم الخاصة.
خرجوا في تلك الليلة خوفاً على أرواحهم وخشيةً من أن يقع السقف عليهم. للوهلة الأولى استبشرَ الأهالي خيراً من وعود المعنيين، وتهافُت وسائل الإعلام لتغطية الخبر، رغم أنّ القرار كان واضحاً بإخلاء المبنى «10 أيام قابلة للتجديد».
ولكنْ ما أشعلَ غضبَ الأهالي وضاعفَ مخاوفَهم من التمديد، مرور 9 أيام من أصل 10 من دون أيّ تغيير يُذكر. فتروي إحدى المتضرّرات لـ«الجمهورية»: «نهاية الأسبوع إجوا ركّبوا سقالات وهونيك وجّ الضيف إلى متى؟».
وتتابع بنبرة غاضبة: «أصحاب الملك لم ينظروا إلينا، ولم يسألنا أحد أين ننام، أو كيف نعيش! «إستكتروا علينا تلفون»... وما يزيد الطين بلّة أن لا أحد يُعلمنا بتفاصيل ما ينتظرنا، ويُرشدنا إلى ما يمكن أن يحصل». وتسأل: «كم يمكن للمرء أن يحلّ ضيفاً عند أقاربه؟ لا شكّ في أنه سيتحوّل عبئاً عليهم في نهاية المطاف».
المقصود «تهشيلنا»؟
لا تقتصر معاناة تلك العائلات على السكن فقط، إنّما جزئيات حياتهم انقلبَت رأساً على عقب، فتقول تلك السيّدة المسِنّة: «لسنا مجبَرين أن نشتري معاطفَ وكنزات، وغيرها من حاجيات، كمن يعيد تأسيس حياته من الصفر، طُلب منّا أن نخرج بسرعة، ولم نعِ في تلك اللحظة ما قد نحتاج إليه، لذا نُطالب أقلّه ببدل سكن، لنيسّر أمورنا، لسنا مجبرين على أن نشتري معاطف وكنزات في عزّ هذا البرد».
وما يثير غضبَ تلك السيّدة والعائلات المتضررة، أنّ البلدية سبقَ ووجّهت إنذاراً إلى مالكي المبنى إثر كشفِها على المباني القديمة بعد انهيار مبنى فسّوح.
«كقاطنين في المبنى أعرَبنا لأصحاب الملك عن نيتِنا التعاون لتحسينه، ولكن كان الردّ واضحاً من خلال وكيل المبنى: «إذا مِش عاجبكم وخايفين ترِكوا الشقة! وكأنّ هناك رغبة باطنية لدى أصحاب الملك في «تهشيلنا»، «فِكرو نِترك المبنى من دون أيّ تعويض»، لذا نتخوّف من المماطلة وأن نبقى أشهراً على هذا المنوال».
وكيل أصحاب الملك
حيال تَفاقمِ نقمة أهالي المبنى واتّساع مخاوفهم، أكّد المحامي طارق فران وكيل مالكي المبنى أنه في صَدد متابعة مجريات القضية. وأوضَح لـ«الجمهورية»: «بدأنا أعمالَ التدعيم بالتنسيق مع البلدية، وضَعنا سككَ الحديد نزولاً عند طلبها لرفع الخطر وفسحِ المجال أمام المارّة بعدما كانت قد قُطعت الطريق، ونحن على تنسيق مع البلدية في انتظار قرار من قاضي الأمور المستعجلة، وعلى أساس التقرير سنُحدّد خطة العمل».
وأضاف: «العمل يحتاج إلى تعاون تقني وفنّي من دون التسرّع، وعلمت أنّ البلدية تعاونَت مع شركة ط. ع. للبدء في التدعيم ونحن (كجهة مالكة) سنتعاون مع الشركة نفسِها التي عيَّنتها البلدية».
أمّا عن المهلة الزمنية التي قد تستغرقها المسألة، فأجاب: «غداً الاثنين (اليوم) من المفترض أن يصدر التقرير الخاص في توصيف حال المبنى وخطة تدعيمه، أتفهّم تذمُّر الأهالي، ومن حقّهم معرفة مدّة الترميم، ولكنّ دراسة مبنى بكامله عادةً تستلزم شهراً، شهراً ونصف... نعمل ما في وسعنا، وأعجز عن تحديد مهلة زمنية محدّدة».
عيتاني يوضح
رفعَت «الجمهورية» مخاوف السكّان ومطالبَهم إلى رئيس بلدية بيروت المهندس جمال عيتاني الذي أكّد أنّ البلدية «في صَدد اتّخاذ قرار مستعجل للتخفيف الضرر عن الأهالي، أقلّه لتوفير مسكن بديل لهم».
وطمأنَ في حديث لـ«الجمهورية»: «تبلّغتُ بما حدث وأنا في الخارج، ما إن عدتُ حتى اطّلعتُ على تفاصيل المشكلة التي تكمن في العامودين باتّجاه الشرفات، لا بدّ من تدعيمهما من دون الحاجة لتهديم المبنى»، منوِّهاً بسلوك الأهالي و»سرعة تجاوبهم في إخلاء المبنى، فذلك يعكس وعيَهم».
وتابع: «في أوّل جلسة للمجلس البلدي، بعد نحو 10 أيام، سنتّخذ قراراً بمساعدة الأهالي من خلال صرفِ مبلغ محدّد من المال كتعويض يمكّنهم من السكن لمدّة شهر ونصف الشهر أو أكثر ريثما تنتهي الأعمال في المبنى ونتأكّد من أنه صالح للسكن، وهذا ما سبق وحدثَ مع سكّان أحد مباني المصيطبة».
وردّاً على تذمّر الأهالي من وجود سكك بلا عمّال، قال: «يقوم المهندسون بواجباتهم ليتمّ إصلاح المبنى بالطريقة المناسبة، وصباح الغد (اليوم) سأتأكّد من أنّ العمل يسير بأسرع ما يمكن».
لا شكّ في أنّ الأهالي يتطلعون إلى أيّ مساعدة تُثلج صدورَهم، على طريقة «الحجرة بتِسند خابية»، وأنّ «الكِحل أحلى من العمى»، وإلى حين صرفِ التعويضات اللازمة يبقى أملهم في بدء أعمال الترميم والانتهاء منها، في أقرب وقتٍ ممكن ليعودوا إلى سقفهم الأول.