لم يعد الشارع مكاناً آمنا للأطفال، في ظل ما نطالعه يومياً في نشرات الأخبار، وصفحات الشبكات الاجتماعية، وحتى في جلسات الأصدقاء من أخبار عن انتشار حوادث التحرش بالصغار، ليس فقط الشارع، بل في المدرسة والنادي، وأحياناً قد يصل الأمر إلى المنزل!

لذا لزم علينا توعية الأطفال بحدود أجسادهم، وكيفية التعامل مع الغرباء، وحماية أنفسهم، دون أن نسبب لهم الهلع من التعامل مع الآخرين.

الحديث مع الطفل عن خطر التحرش من الأمور المربكة للآباء؛ فهو مهم جداً لسلامتهم من ناحية، ومن ناحية أخرى، يخشون أن يقدموا الأمر بشكل يصيب الطفل بالهلع؛ ما يفقده الثقة تماماً بالآخرين، أو يفقد براءة طفولته. كذلك، يخاف بعض الآباء من تقديم مفاهيم جنسية للأطفال.

متى أبدأ في التحدث مع طفلي عن التحرش الجنسي؟

يُنصح بأن تبدئي الحديث مع الطفل بمجرد أن يكون قادراً على الفهم، أي بعمر الثالثة تقريباً؛ قبل أن يتأثر بالهرمونات، أو الخجل، أو سلوكيات أقرانه، وألا يكون الحديث لمرة واحدة فقط، بل عملية تربوية مستمرة طوال الوقت.

يُنصح أيضاً بتركيز حديثك على سلامة أجسادهم، بدلاً من إخافتهم من الأذى، الذي قد يتعرضون له، حدِّثيهم عن الأمر بوصفه جزءً من سلامتهم الشخصية، تماماً مثلما تنبهينهم بعدم الاقتراب من الموقد المشتعل، أو عبور طريق السيارات وحدهم.

بماذا أخبرهم؟

في البداية، اشرحي للطفل بلغة بسيطة أن هناك أجزاء "خاصة" في جسده، لا يمكن لأحد لمسها، أو رؤيتها، سوى ماما أو بابا عند تنظيفه، والأجزاء الخاصة هي العضو التناسلي، والمؤخرة بالنسبة للذكور، والعضو التناسلي والمؤخرة والثديان بالنسبة للإناث.

ويفضل أن تسمي أعضاء الطفل الحميمة بأسمائها الحقيقية، لكن إن لم تكوني مرتاحة لهذا؛ فعلى الأقل تأكدي من وجود أسماء واضحة لكل جزء، تعرفونها ويعرفها طفلك جيداً، لعدم حدوث أي لبس.

اشرحي لطفلك ما الأشياء المقبولة وغير المقبولة.

فعلى سبيل المثال، من المقبول أن يلمس الأب أو الأم أعضاءه، في أثناء تغيير البامبرز، أو تحميمه، وقد يرى الطبيب أعضاءه للكشف عليه؛ لكن بشرط وجود أحد والديه بصحبته.

لكن من غير المقبول أن يحاول أحدهم لمس أعضائه، أو وضع أيديهم داخل ملابسه، أو رؤية أعضائه، أو الحديث عنها، أو خلع ملابسهم أمامه، أو تقديم صور تحتوي على مشاهد إباحية له؛ فكل هذه الأمور تعد من صور الإيذاء الجنسي.

يستخدم المتحرش عادة عبارة "إن ما يحدث سر بيننا، ولا تخبر أحداً"، لذا أخبري طفلك دائماً أنه لا يوجد سر عن ماما وبابا، علمي طفلك أن الشخص الذي يستخدم كلمة سر، أو يطلب منه إخفاء شيء عن والديه، شخص سيئ النوايا.

احرصي على إقرار مشاعر طفلك دائماً. فعلى سبيل المثال، إذا أخبرك الطفل أنه خائف لا تسخري من مشاعره، وأخبريه أنه لا داعي للخوف.

وشجعي الطفل على التحدث بحرية في أي موضوع يريد مناقشته، واحرصي على اكتساب ثقته، فلا تبالغي في تعنيفه. على سبيل المثال، عندما يعترف بارتكاب الأخطاء.

أيضاً علمي طفلك أن من حقه أن يرفض أي تعامل جسدي غير مريح، فلا تجبريه على تقبيل الأقارب واحتضانهم، إذا لم يكن مرتاحاً لذلك.

احرصي على احترام خصوصية الطفل، فلا تدخلي عليه الحمام. إذا تعود الطفل أن هذا أمر طبيعي فلن يأتي لإخبارك إذا تعرض له في المدرسة.

ولا تسمحي لطفلك بقضاء الوقت في منزل أحد أصدقائه، قبل أن تعرفي والديه جيداً.

ما العلامات التي قد تخبرك أن طفلك تعرض للإيذاء؟

1- التغيرات الطارئة على سلوك طفلك، كأن يشعر بالخوف من الذهاب لمكان اعتاد أن يحبه، أو يصاب بالتوتر عند سماع اسم معين.

2- التعرض للكوابيس، ومشاكل النوم بشكل عام.

3- عدم الانتباه، والتشتت لفترات طويلة.

4- مواجهة اضطرابات مفاجئة، فيما يخص الشهية.

5- يرسم أو يكتب أو تحتوي أحلامه على أي رموز جنسية.

6- تجدي معه ألعاباً، أو نقوداً أو حلوى لا تعرفين مصدرها.

7- ظهور سلوكيات غير معتادة، مثل مص الأصابع أو التبول اللاإرادي.

8- يرفض خلع ملابسه عند الاستحمام، أو تغيير الحفاض.

9- يحاول ممارسة ألعاب جنسية مع الأطفال الآخرين، أو باستخدام الدمى.

10 - غسل اليدين بشكل متكرر، أو الاستحمام بشكل متكرر أكثر من المعتاد.

11- إيذاء الذات، كأن يحدث متعمداً جروحاً أو حروقاً في جسده.

12- الخوف من أي اقتراب جسدي.

13- الألم أثناء التبول أو التبرز.

14- وجود دماء، أو إفرازات غير طبيعية في الملابس الداخلية.

15- الشعور بالحكة، أو وجود رائحة كريهة في أعضائه التناسلية.

لماذا لا يخبرنا الأطفال؟

يصاب الأهل بالصدمة عند معرفة أن أطفالهم تعرضوا للإيذاء الجنسي، ويتساءلون لماذا لم تخبرنا من أول مرة؟

لا تصرحي بمثل هذه التساؤلات لطفلك؛ فقد تتسببين في تعاظم إحساسه بالذنب.

هناك أسباب متعددة تجعل الأطفال يتراجعون عن إخبار ذويهم بتعرضهم للأذى، على سبيل المثال:

1- الخوف ألا يصدقهم أحد.

2- الخوف من تدمير الأسرة، خاصة إن كان المعتدي من الأقارب.

3- الخوف من حدوث شيء سيئ له.

4- قد يهدده المعتدي بإيذاء أحد أفراد عائلته.

5- قد يخبره المعتدي أن ما يحدث أمر طبيعي، ودليل على الحب.

6- الإحساس بالذنب والعار تجاه ما حدث.

ماذا إذا أخبرك الطفل بنفسه عن تعرضه للإيذاء؟

لا بد أن تتعاملي مع هذا الموقف بحكمة وهدوء بالغ، أخبري طفلك بأنكِ فخورة به ﻷنه حكى لك، وتفهمين أن الحديث عما حدث كان صعباً، ويحتاج إلى شجاعة. اعرضي الطفل على الطبيب للتأكد مما حدث، والحصول على تقرير طبي إن أمكن.

صدقي طفلك، حتى إن كان ما يخبرك به عصياً على التصديق.

إذا شعرتِ أنكِ بحاجة لمعرفة مزيد من المعلومات، فاحرصي على توجيه الأسئلة بهدوء، ولا تسألي أسئلة موجهة ﻹجاباته؛ فلا تسأليه أسئلة من نوعية هل لمسك أحد في هذا المكان؟

لا تضغطي على طفلك، أو تطلبي منه تكرار الحكي عدة مرات، ولا تحاولي أن تضعيه في مواجهة مع المعتدي. وشجعي طفلك على التعبير عن مشاعره، ولا تظهري مشاعرك أمام الطفل، مهما كانت صدمتك.

إذا تلقى طفلك العناية الكافية، فبإمكانه أن يتعافى، ويحيا حياة طبيعية ناجحة، فكثير منالمشاهير أفصحوا عن تعرضهم للإيذاء الجنسي أثناء الطفولة؛ ورغم ذلك استطاعوا النجاة والنجاح في حياتهم.

ولا بد أن تؤكدي لطفلك دائماً أن الذنب ليس ذنبه. أكدي له أيضاً أنه ليس مُلاماً لعدم قدرته على إيقاف المعتدي، ولا عدم إخباره لكِ من أول مرة؛ فالإحساس بالذنب ولوم الذات من الأعراض الشائعة عقب التعرض للإيذاء الجنسي، التي يصعب تخطيها.

وكذلك احرصي على عدم التعبير عن غضبك أمام الطفل، ويُمكنك اللجوء لأصدقائك، أو البحث عن دعم نفسي. مع الحرص على ألا يعرف طفلك أنكِ قد أخبرتِ أحداً عما حدث؛ فقد يزيد هذا من إحساسه بالانتهاك.

يعتقد بعض الآباء أن الطفل سيشعر بالتحسن إذا عرف أن المعتدي قد عوقب؛ لكن هذا غالباً يخيف الطفل أكثر، ولا تنسي أنه ربما ما زال يحمل مشاعر إيجابية تجاه المعتدي.

لا تخفي الأمر، إذ يفضِّل بعض الآباء إخفاءه، وعدم اتخاذ موقف تجاه المعتدي، خاصةً إذا كان أحد أفراد الأسرة. لا تنسي أن هذا يزيد الأمور سوءً، وقد يعرض طفلاً آخر للأذى؛ فلا بد من إبلاغ الجهات المعنية لاتخاذ الإجراء المناسب.

(Huffington Post)