لم تعد هوليود تنتج الروائع السينمائية. وعدا عن بعض الافلام الرومانسية، يندر وجود أعمال تثير الاهتمام وتحفز على الجلوس أمام الشاشة. لكن الفيلم الاخير الذي بدأت عروضه التجارية قبل أقل من أسبوعين والذي ينتمي الى فئة الخيال العلمي-السياسي يستحق بالفعل ان يتوج كواحد من أهم إبداعات الفن السابع، منذ إختراع السينما قبل قرنين أو أكثر.
الفيلم الذي نال منذ بداية عرضه في دور السينما الاميركية نجاحاً جماهيرياً غير مسبوق، تحول الان الى حدث عالمي مذهل. لا سيما بعد ان أتاحت وسائل الاتصال الحديثة عرضه في مختلف انحاء الكرة الارضية، في وقت واحد مع عروضه الاميركية. وسرعان ما بات عنوان الحديث في أي لقاء، في البيت او المكتب او المصنع او الشارع، متخطيا بشكل مثير حواجز اللغة والثقافة والحضارة.
لا حوار في العالم بأسره، ولا سؤال الا عما يفعله بطل ذلك الفيلم ، الاشقر الشعر ذي التسريحة الفريدة، والذي لا يتسم بصفات البطولة والفروسية لكنه يتمتع بجرأة استثنائية تلامس الجنون، وبقدرة عجيبة على هز أركان الهيكل، وتهديد سكانه بهدم أسسه وجدرانه القديمة، وإقفال بواباته الحديدية في وجه الرواد والزوار ، وبناء ستار إسمنتي مرتفع يمنع عبور المتسللين ويردهم على أعقابهم او يلقي بهم في غياهب الموت.
بعض الجمهور الذي ليس لديه خبرة في هذا النوع من السينما، بات يصنف الفيلم في فئة الكوميديا السوداء التي تتخطى الخيال، والتي تنكر وجود مثل هذا البطل ، وحصول مثل هذه الوقائع الافتراضية، وتعتبر ان جدية الاداء ودقته المتناهية وتعامل السيناريو مع قضايا جوهرية، ومواقع التصوير الشديدة الواقعية، تحول دون ان يغرق المشاهد في الضحك المتواصل خلال العرض المتواصل.
لكن ثمة من يعتقد ان الفيلم عبارة عن تعويذة أميركية يجري تقديمها بطريقة غريبة. لا يريد المخرج ولا الكاتب ولا البطل، تسلية الجمهور والترفيه عنه، او مداعبة حواسه ، لا سيما السادسة منها، بل تسليط الاضواء والالوان الى يوم يمكن ان تحل فيه لعنة قوية على أميركا، فينتشر فيها الخراب، ويشيع بين مواطنيها القتال، ويعودون الى يوم سابق لقيام الدولة ورسم حدود الولاية وتشكل المدينة.. الى ما قبل العمران الحديث.
التطرف في ردود الفعل، بلغ حد الاعتقاد ان تلك اللعنة قد حلت بالفعل على أميركا، وها هو الفيلم يعرض حقائق ووقائع ومعطيات وأرقام، ويصير أشبه بفيلم وثائقي، لا علاقة له لا بالخيال ولا بالكوميديا، يقدم صورة نموذجية حية، عن الولايات المتحدة التي بغت على العالم أجمع طوال قرن كامل، وها هي اليوم تدفع الثمن، وتتعرض لعقاب إلهي جلبه دعاء متكرر لمؤمنين من مختلف الاديان والاعراق والقوميات.
الفيلم باهر حقاً. والجدل مثير فعلا. والعروض مرشحة للاستمرار على مدار الساعة، خصوصا وأن الاقبال لا ينقطع. ثمة مشاهدون تسمروا بالفعل أمام الشاشات، لمتابعة ذلك العمل الخارق الذي تتوالى فيه المفاجآت واللقطات الحية، وتثير ثناء شديداً وتصفيقاً حاداً من جهة، ودهشة قوية وإحتجاجاً واسعاً من جهة أخرى. لكن الجانبين يعبران عن التأثر بذلك الانتاج المميز.
في خارج أميركا ، ربما أكثر من داخلها. الانبهار يبدو أكبر. قلة من المتابعين للسينما الاميركية والمعجبين بها، فهمت خلفية الفيلم ومشاهده الغريبة ودوافعه المعروفة، وأدركت على الفور كيف تحول توقيع البطل على أوامر تنفيذية الى عرض عسكري، وكيف صارت تلك الاوامر بمثابة أسلحة دمار شامل.الغالبية ما زالت تراقب، تترقب الخطوة التالية للبطل، التي ستهز العالم من اقصاه الى أقصاه. وهي واثقة من ان المشاهد الاولى التي مست سبع دول وثلاث قارات ، ليست سوى مقدمة ترويجية لما هو أعظم وأخطر.. اي عندما يصل البطل الى أقصى الشرق، الى الصين، ليشعل الحرب التي خطط لها والتي لن تبقى بعدها دور سينما قائمة على وجه الارض.