على وقع الخروق الأمنية المتواصلة على جبهات الأزمة السورية الممتدة على مساحتها الشاسعة، دعت وزارة الخارجية الكازاخستانية الى اجتماع على مستوى مندوبي الثلاثي الراعي لمؤتمر «أستانة 1» يعقد في 6 شباط الجاري على مستوى وزراء الخارجية يعاونهم الضباط الكبار المكلفين الملف العسكري السوري لتحديد الآليات الواجب اعتمادها لتعزيز وقف النار، وتحضيرالخطوات الواجب اتخاذها قبل استئناف مسلسل مؤتمرات جنيف.
الدعوة الى هذا اللقاء التي وجّهت بالتنسيق بين الحكومة الكازاخستانية والقيادة الروسية ركزت في البند الأول على البحث في تطبيق وثائق التفاهم المبرَمة وقالت بضرورة وقف الخروق المتمادية على الجبهات السورية المختلفة فوراً والتي من المفترض أن تكون قد احترمت وقف النار المعلن منذ 29 كانون الأول الماضي وما رافقته من ترتيبات ابرزها التعهّد بوقف العمليات العسكرية التي يمكن أن تؤدّي الى التمدّد خارج خطوط التماس المرسومة ضماناً لمحادثات مؤتمر «أستانة 1».
لا يستطيع أيّ طرف يتعاطى الملف السوري من طرفي النزاع وحلفائه المحليين والإقليميين والدوليين النكران سراً أو علناً أنّ اتفاق وقف النار المطلوب لم يُنفّذ بعد على جميع الجبهات التي شملها الإتفاق. فالتقارير التي وضعتها القيادة الروسية إستناداً الى فريق المراقبة في «قاعدة حميميم» وتلك التي أنشأتها أنقرة عقب عملية «درع الفرات» وصولاً الى غرفة «الموك» الأردنية قالت باستمرار هذه الخروق ووزّعت الإتهامات على جميع الأطراف بالتساوي تقريباً، مع الإشارة التي لم يتنكّر لها أحد الى حجم الخروق التي قام بها الجيش النظامي وحلفاؤه لإرتباط بعضها بتوفير مياه الشرب للعاصمة السورية من ينابيع ريفها الغربي وصولاً الى كلّ ما جرى من عمليات عسكرية في ارياف حلب وحمص ومناطق أخرى في اطراف ادلب والصحراء السورية وحيث ما زالت المواجهة قائمة بين طرفَي النزاع باستثناء تلك الجارية عند اطراف مدينة الباب وبعض قرى ريف حلب ومطار «تي . فور» العسكري في ريف حمص الشرقي لوقوعها على تماس مع مسلّحي «داعش» و«النصرة».
وعليه فقد كشفت التقارير الواردة من أنقرة أنّ الإتصالات التمهيدية للقاء 6 شباط رافقها تعهّد موسكو وطهران بتأكيد التزاماتهما السابقة من بوابة رعايتهما لتفاهمات «أستانة 1» وتحضيراً للعودة الى مؤتمر جنيف الذي في حال تحديده سيكون الرابع وسيغوص من خلال عودة الطرف الأميركي اليه في البحث عن الحلول السياسية للأزمة السورية بشروط جديدة لا يمكن البحث فيها قبل فهم الموقف الأميركي بعد تسلّم الإدارة الأميركية الجديدة مهماتها في 20 كانون الثاني الماضي.
وعليه أفادت التقارير الواردة من أنقرة أنّ ما هو منتظر من الإدارة الأميركية كبير وكثير، فالرئيس دونالد ترامب رسم خطوطاً عريضة جديدة لدور بلاده في سوريا والعالم، وقد بدأ الحوار في شأنها مع موسكو تحت عناوين جديدة ابرزها الحرب على الإرهاب والسعي الى انشاء «المناطق الآمنة» في سوريا وهو ما فرض آلية عمل جديدة بعضها مطلوب تحديدها في السرعة القصوى وأُخرى يمكن أن تنتظر لتبيان حجمها وما تحتاجه من استعدادات.
فالحرب على الإرهاب من وجهة نظر واشنطن الجديدة تقول كما فهمها الأتراك إنه يجب أن تنطلق من خطوات متزامنة بين وقف النار وإنشاء «المناطق الآمنة» وتحديد المناطق الواقعة تحت سيطرة الإرهابيين وهو ما يستلزم توحيد اللوائح التي تصنّف المنظمات الموالية للنظام السوري وحلفائه وتلك الإرهابية حيث يقع الخلاف مجدداً.
فأنقرة تقرّ وتعترف أنها لم توحّد نظرتها الى هذا التصنيف الجديد للارهابيين كاملاً ليس مع روسيا فحسب، وهي التي توحّدت من باب القضاء على «داعش» و«النصرة»، لكنّ الخلاف ما زال كبيراً مع واشنطن إن أصرّت على إخراج المنظمات الكردية من لائحة المنظمات الإرهابية وهو ما سيعوق الحلّ الشامل سواءٌ بالنسبة الى وقف النار أو بالنسبة الى إنشاء «المناطق الآمنة».
وفي هذه الأجواء تتنكّر أنقرة لوجود خلاف مع موسكو حول مدينة الباب التي ترغب بضمها الى «المنطقة التركية الآمنة» في اطار السباق المعلن عليها بينها والنظام السوري الذي اقترب بقواته ستة كيلومترات من احد مداخلها الجنوبية وهي تصرّ على أنّ القوات التركية وحلفاءها سيسيطرون على المدينة قبل وصول الجيش السوري الى تخومها.
وبناءً على ما تقدّم تنقل التقارير أنّ أنقرة تراهن بقوة على اللقاء لتؤسس لمرحلة جديدة متقدّمة لوقف النار تطوق فيها موسكو الدور الإيراني في سوريا على أمل أن تقزّم واشنطن الأحلام الكردية في الشمال وعندها فقط يمكن لتركيا أن توصل حربها على الإرهاب بكلّ قدراتها، وإلّا فإنّ العودة الى الوضع السابق الذي كان قائماً قبل التفاهم مع موسكو وطهران واردة وممكنة في أيّ لحظة.