فالحريري يشعر أنّ روحية التفاهم مع عون بدأت تهتز، وأنّ ما اتفق عليه قبل الانتخابات الرئاسية لم يعد قائماً، وأنّ الأمور تسير من اطمئنان الى «تحالف رباعي» أساسه عون والحريري و»القوات اللبنانية» والنائب وليد جنبلاط، اصطدم بعقبة قانون الانتخاب التي لا تُعدّ تفصيلاً في مسار بل اساساً لبناء روحية التفاهم ونتائجه.
واذا كان من المعروف أنّ المداولات الحريرية ـ العونية التي سبقت انتخاب عون، قد تناولت التعيينات والنفط وتسيير عمل الحكومة، وبعض المواقف العربية للرئيس عون التي ترجمت زيارة اولى له الى السعودية، فإنّ نتائج هذا التفاهم لم تترجم انتخابياً.
فبالاضافة الى ما حُكي عن تفاهم على التمديد للمجلس النيابي لمدة سنة بناءً على طلب الحريري، تبيّن أنّ هذا الامر خارج النقاش عند عون، كذلك تبيّن أنّ أيّ نقاش جدي حول قانون الانتخاب لم يحصل، وأنّ كلّ طرف كان ينام على ورقة مطوية.
فـ«المستقبل» راهن تحت ضغط الوقت والمهل على السير بقانون الستين، فيما يرفض عون هذا القانون، وهو يستعمل اليوم صلاحيات رئاسية مشكوك بتطابقها مع «اتفاق الطائف»، لتعطيل إجراء الانتخابات حسب الستين، ويضغط على «المستقبل» لكي يتمّ إنتاج قانون جديد، لن يكون في مطلق الحال مرضياً أو قادراً على الجمع بين ما يريده «المستقبل» وما يريده جنبلاط، وما يطلبه ثنائي «القوات»ـ «التيار الوطني الحر»، المتسلّح بتحالف «التيار» مع «حزب الله» والمستظل بقوّته.
هذا المنحى الذي يسلكه عون يسير بالحريري نحو خيار من اثنين: إما القبول بقانون انتخاب سيقزّم كتلة «المستقبل»، وسيُحدث شرخاً مع جنبلاط يصعب ترميمه، وإما المواجهة المبكرة مع رئيس الجمهورية التي ستعني بداية مواجهة لست سنوات، كذلك ستعني أنّ كلّ ما حكي عن تعاون سلس بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية ذهب أدراج الرياح، وبالتالي ستصبح المكاسب التي سوّق لها الحريري لانتخاب عون عرضة للتشكيك، فحماية «الطائف» التي وضعت في الواجهة كأحد أهم الاسباب وراء القبول بانتخاب عون، ستصبح من الماضي، كما أنّ سلامة عمل الحكومة وإنتاجيّتها، ستتهدّد أيضاً، بل ربما سيدخل الجميع في مواجهة حول استمرار عمل الحكومة، أو استقالتها في حال أصرّ رئيس الجمهورية على عدم توقيع مرسوم الهيئات الناخبة، وبالتالي الوصول الى الفراغ النيابي.
وتصف اوساط مطّلعة ما قاله الحريري في الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء من كلام تطميني حول العلاقة مع رئيس الجمهورية بأنه مجرد استباق لمرحلة حسم الخيارات، سواءٌ في المواجهة أو في القبول، فالاختبار بات قريباً جداً، اي تاريخ 21 شباط الجاري، الذي يفترض فيه صدور مرسوم دعوة الهيئات الناخبة ممهوراً بتواقيع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووزير الداخلية، وإذا لم يوقِّع عون، فإنّ الحريري يكون قد دخل فعلاً في المخاطرة الكبرى التي تحدّث عنها أثناء ترشيحه العماد عون من «بيت الوسط».
وتضيف هذه الاوساط أنّ الفترة الزمنية المتبقّية للاتفاق على قانون الانتخاب باتت قصيرة، والعقد مستعصية وابرزها عقدة جنبلاط، إذ لم يعد امام الجميع إلّا العودة الى قانون الستين معدّلاً، وهذا يمكن أن يتضمّن نقل بعض المقاعد واضافة «الكوتا» النسائية، والاتفاق على بطاقة الاقتراع الموحّدة، لكن هل سترضي هذه التعديلات الشكليّة عون و«القوات اللبنانية»، اللذين يرفضان العودة الى قانون الستين؟ وهل يتراجع رئيس الجمهورية عن تهديده بعدم توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة ويقبل بالستين معدّلاً؟
الجميع ينتظر الخطاب الفصل للامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، الذي طالب بعد انتخاب عون بالنسبية الكاملة، والذي سيدير إبرة البوصلة الى المكان الذي يريده الحزب، علماً أنّ عون لم يكن له أن يذهب الى هذا السقف من دون التشاور مع «حزب الله»، الذي يترك لعبة الشدّ والجذب تأخذ مداها، فيما المرجح أن تكون أولى نتائج النزاع الذي بدأ على الصلاحيات، بدايةً للبحث الفعلي في تعديل «اتفاق الطائف»، ولكن هذه المرة بمبارَكة وبغطاء مسيحي يمثّله رئيس الجمهورية.