في موازاة تجميع أوراق «القوة» الدولية الذي تشهده ساحات المنطقة، ومحاولة الاطراف الاقليمية الاستفادة لتحقيق مكاسب تحسن من وضعيتها، في مشهد تبدو فيه الصورة على انها انقلاب في التوازنات، على وقع «مقايضات» سياسية بين الجبارين، يحكى عنها من سوريا الى اوكرانيا، دخلت منطقة الشرق الاوسط مرحلة من التصعيد العسكري، من استهداف الفرقاطة السعودية بالقرب من باب المندب الى التجربة الصاروخية الايرانية التي فجرت «رمانة القلوب المليانة» بين واشنطن وطهران.
فورشة ترامب لن تقف عند حدود أمن الولايات المتحدة، وفقا لمصادر مقربة من الادارة الاميركية، والتي ستشمل اعادة نظر شاملة في السياسات كلها، حيث اوشك فريق اميركي متخصص على وضع اللمسات الاخيرة للسياسة الخارجية الجديدة لا سيما في الشرق الاوسط القائمة على شقين: اقتصادي وسياسي يكمل أحدهما الآخر، ذلك ان الادارة الاميركية الجديدة قد تقرر اللجوء الى اجراءات سياسية لكن ايضا اقتصادية لـمعاقبة بعض الدول التي تراها تخل بالقوانين والمواثيق الدولية، الى جانب تفعيل العمل الامني الاستخباراتي وصولا الى العمليات العسكرية، لافتة الى ان هذه الدراسات ستكون جاهزة خلال فترة شهرين، على ان يناقشها الرئيس الاميركي تباعا مع نظرائه الاوروبيين والروس والخليجيين.
رمانة بدا مايك فلن مستشار الامن القومي الاميركي المعروف بمواقفه الحادة ضد ايران، مزهوا في اول اطلالاته الرسمية بتفجيرها، خصوصا عندما انتقد طهران ابعد من تجربتها متحدثا عن تهديدها لاصدقاء الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، من السعودية التي سجل فيها ثماني شركات مختلفة، الى مصر التي اسس فيها شركة لا نشاط لها فيها حتى الساعة، مرورا بالامارات والمغرب والاردن. الدول السبع التي لم يشملها حظر السفر، والتي دفعتها رغبتها بالتحجيم الاميركي لايران الى الصمت تجاه اجراءات واشنطن، بحسب «ديلي نيوز».
غير ان التوتر الاميركي ـ الايراني في حال اتخذ منحى متصاعدا من المتوقع ان يكون له تأثير مباشر على مسار الامور والتطورات في بلدان المنطقة التي تعد ساحات نفوذ للجمهورية الاسلامية من العراق،حيث الحديث عن انتشار اميركي على الارض في الفترة المقبلة، الى سوريا ومناطقها الآمنة، ولبنان الذي تنتظره سلسلة من الاجراءات المعلقة بانتظار الاتفاق مع تل ابيب ونجاح الرياض في استعادة نفوذها،الى اليمن حيث تخوض واشنطن مواجهات مباشرة على الساحل الجنوبي.
فالتهديدات التي بدأت تترجم عقوبات، قد تطال ابعد من طهران وصولا الى اذرعها، اعادت طرح الملف اللبناني على مصراعيه امام الادارة الاميركية، حيث يلعب لوبي لبناني فاعل دورا بارزا في تحديد مسار السياسة الاميركية وضبط ايقاعها، وسط التساؤلات الداخلية عن قدرة لبنان على تحمل اي تداعيات للانفجار الاميركي - الايراني، خصوصا ان تجربة العقوبات المالية والمصرفية التي فرضت العام الماضي بحق بعض قيادات الحزب كادت ان تفجر البلد،رغم انها ادرجت يومها تحت عنوان شدّ الحبال بين الطرفين، وهو ما دفع واشنطن في اللحظة المناسبة الى التراجع بعد اهتزاز الاستقرار الامني.
وفيما لا يزال قرار ترامب منع مواطني 7 دول اسلامية من دخول الولايات المتحدة، يثير ارباكا حول العالم، أوضحت المصادر ان التدبير المذكور اراد منه الرئيس الاميركي جسّ نبض المعنيين به والبناء على ردود فعلهم عليه، كونها قد تساعد في كشف الجهات والدول التي تحرّك التطرف وتغذيه وتدعمه، متوقفة في هذا السياق، عند تحييد لبنان، الذي بني حتى الساعة، بحسب اوساط لبنانية مطلعة، على التقدير الكبير الذي تبلغه الرئيس الاميركي من البنتاغون واجهزته العسكرية عن الدور الايجابي والكبير الذي تلعبه القوى العسكرية والامنية اللبنانية على صعيد مواجهة الارهاب والتعاون القوي والوثيق مع التحالف الدولي القائم، رغم ان بيروت ليست عضوا فيه، مشيرة الى فريق عسكري داخل الادارة يضغط باتجاه اعطاء لبنان فترة سماح لمدة ثلاثة اشهر تكون سانحة لعدم تعريض الاستثمارات الامنية والعسكرية الاميركية في لبنان للخطر، وهو ما دفع بالسفيرة الاميركية الى زيارة بعبدا بشكل عاجل ناقلة رسالة اعجاب وتنويه عقب افشال عملية «الكوستا» الانتحارية.
في هذا الاطار تبدي مصادر مطلعة خشيتها من المنحى التصاعدي الذي قد تسلكه الاحداث بعد زيارة نتانياهو الى العاصمة الاميركية والتي سبقه اليها رئيس جهاز المخابرات الاسرائيلية ومستشار الامن القومي اللذين اجريا سلسلة لقاءات مع قادة عسكريين وتم الاتفاق على مجموعة من النقاط، تخشى المصادر ان تكون القمة المنتظرة ساعة الصفر لانطلاق اجراءاتها التنفيذية، التي تبدأ باعادة احياء ملفات توجهت اصابع الاتهام فيها الى حزب الله، وتفعيل العمل بوضعه على لائحة الارهاب الاميركية، الى جانب مجموعة من الميليشيات الشيعية الحليفة لطهران، مع ما قد يستتبع ذلك من اجراءات تجاه الدولة اللبنانية على ان يليها توسيع للعقوبات على كيانات مرتبطة بالحزب تتخذ طابعا اكثر جدية وايلاما هذه المرة، تشديد قيود السفر على اللبنانيين الى الولايات المتحدة، من ضمن لائحة يجري الاعداد لها حاليا تضم باكستان وفنزويلا وكولومبيا، وصولا الى فرض اجراءات بحق الحكومة اللبنانية، وهو ما يعمل عليه اللوبي الاسرائيلي في واشنطن محاولا الايحاء بأن السلطة اللبنانية بكامل اجهزتها ومؤسساتها باتت خاضعة لحزب الله وتحت هيمنته مع وصول العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية. نقطة تكشف المصادر عن وجود انقسام حولها داخل الادارة الاميركية ذاتها حيث ان ثمة من يعتقد مدعوما، ان مجموعة من مستشاري الرئيس ترامب المشرقيين ان العماد عون يمكنه لعب دور اساسي في تحييد الدولة اللبنانية عن اي صراع ممكن، خصوصا ان اي اجراءات غير محسوبة ستنعكس سلبا على الوضع المسيحي الهش في المنطقة. لذلك ترى تلك المجموعة ان على الولايات المتحدة الضغط حاليا باتجاه ايصال رسائل واضحة الى القيادة اللبنانية بضرورة اجراء الانتخابات اللبنانية في موعدها ولو وفقا لقانون الستين، بما يضمن الحفاظ على الستاتيكو السياسي القائم، خصوصا ان الرياض تعمل على اعادة احياء علاقاتها مع حلفائها في ساحات المنطقة بعدما ابدت استعدادها للانخراط في اي عمليات تؤمن لها مصالحها وتحفظ لها دورها الاقليمي.
وتشير المصادر الى ان سياسة ترامب المتبعة حتى اللحظة ادخلت العالم مرحلة من التصعيد على صعيد العلاقات الدولية، في ظل التطورات الدراماتيكية غير تقليدية المنتظرة، والمتأتية عن ممارسته التي لا تتطابق مع السياق العام الذي اندرجت فيه سياسات اسلافه. يعزز ذلك ان المنحى الاميركي في مقاربة ازمات المنطقة الملتهبة وتحديدا مع ايران، يتجه نحو المواجهة الجدية من خلال التصدي لمشروع طهران في المنطقة وضرب اذرعها، وما زيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو الى واشنطن الا في هذا السياق حيث سيكون ملف لبنان وحزب الله حاضرا من البوابة الايرانية، ويشار الى ان بوادر السياسة الترامبية لا تبشر بتسويات في المدى المنظور، بل الى مزيد من السخونة.
ويكشف زوار العاصمة الاميركية عن تعويل اميركي جدي على زيارة نتانياهو والرسائل المهمة التي ستتمخض عنها، لافتين الى أن اختيار الاخير ليكون من أوائل الزعماء الذين سيلتقيهم ترامب يحمل أكثر من دلالة ورسالة، ابعد من رمزية، أهمها أن إسرائيل من أهم حلفاء الولايات المتحدة حول العالم، وبانه حان الوقت للعمل الجاد كحليفين في مواجهة التحديات والاعداء المشتركين في المنطقة، خصوصا ان معظم أعضاء الكونغرس يرون في تل ابيب حليفا لامركزيا لا بديل عنه، وكذلك الحال في وزارة الدفاع الأميركية البنتاغون.
في هذا الاطار يكشف تقرير استخباراتي غربي عن «بند فرعي» و «صيغة» وضعت في «قانون ميزانية الأمن العسكري الإسرائيلي» تشير إلى نية الجيش الأميركي إستخدام السواحل الاسرائيلية كقاعدة عسكرية له، ما يتطابق مع ما ورد في البند 1259 من قانون موازنة الأمن الأميركي لعام 2017، تحت عنوان «المصادقة على الدعم الأميركي لإسرائيل»، حيث يدور عن دعم مالي لإسرائيل، لقاء استضافة سفن الأسطول البحري الأميركي في السواحل الإسرائيلية، حيث تسري صلاحية هذا البند لمدة خمس سنوات، أي حتى عام 2021. ووفقا لما ورد يتبين ان الجيش الأميركي يسعى لتعزيز دوره على الخط الناشط للجيش الروسي حيث يقع أحد أكبر حقول الغاز المائية في المنطقة. هنا، تشير المعطيات أن بذور الصراع الحالي أو المستقبلي لن تكون عسكرية فقط، بل أن تثبيت القوات البحرية الروسية والأميركية في منطقة ذات ثروات، يعتبر تقاسماً للموارد الإقتصادية وحمايتها، لبنان وثرواته من ضمنها، فضلا عن ان السواحل اللبنانية ستكون الخط الفاصل بين القوتين، وهو ما دفع بمسؤول عسكري بارز زار لبنان منذ فترة الى التنبؤ بأن الاشهر المقبلة ستحمل تطورات سياسية وعسكرية حامية لبنانيا.
مع بدء مفاعيل السياسة الترامبية بالتبلور، تدخل المنطقة ومعها العالم في نفق مظلم، فالرئيس الاميركي مصمم على المضي قدما بتحويل مواقفه الى أفعال. فالى اي مدى يمكن ان تبلغ المواجهة الاميركية ـ الايرانية؟ وكيف ستتجلى الترجمة الميدانية لشعار «أميركا أولا» على الصعيد اللبناني؟