على رغم إصرار القوى السياسية على إنعاش «اللجنة الرباعية» وإبقاء مطبخها جاهزاً لنقاش الصيغ والافكار الانتخابية، الّا انّ ذلك لا يعني انّ في إمكان هذه اللجنة تحقيق معجزة وبلورة صيغة انتخابية ترضي جميع الاطراف، في ظل الانقسام الحاد في التوجهات والرؤى، بين القوى الاساسية المشاركة في إعداد طبخة القانون الانتخابي، وكذلك من هم خارج هذا المطبخ.
اذا كانت الرباعية تتأهب لاجتماع جديد لمقاربة الافكار والصيغ الجديدة، فإنّ الاجواء السابقة له لا تشجّع على الاعتقاد بإمكان تحقيق خرق قريب، خصوصاً انّ ما يتم تسريبه عمداً من افكار وصيغ يشكّل فتيلاً لاشتباك سياسي على ما جرى مع صيغة الوزير جبران باسيل، او مع الصيغة الاخيرة التي تقوم على مختلط جديد بـ 75 نائباً ينتخبون وفق النظام الاكثري و53 نائباً ينتخبون وفق النظام النسبي.

يأتي ذلك، بينما يتمّ إخضاع الصيغة المختلطة الجديدة للنقاش لدى المستويات السياسية، فيما يعكف الخبراء الانتخابيون الممثلون لأطراف الرباعية على محاولة ابتداع المخارج وإسقاط الارقام والمقاعد في هذا الاتجاه او ذاك.

وقالت مصادر مواكبة انّ استفسارات عدة يطرحها بعض المراجع حول الصيغ الجديدة ومدى مَلاءتها مع الواقع اللبناني ومع المعايير القانونية والدستورية.

وتلاحظ المراجع انّ هذه الصيغ تنطوي على تمييز واضح بين اللبنانيين، بين فئة تترشّح وتنتخب على اساس الاكثري وفئة على اساس النسبي، واكثر من ذلك مفصّلة على قياس بعض القوى والاحزاب، بما يتعارض مع المادة 7 من الدستور التي تقول انّ كل اللبنانيين سواء لدى القانون ويتمتعون بالسواء بالحقوق المدنية والسياسية ويتحمّلون الفرائض والواجبات العامة دونما فرق بينهم.

وقال مرجع سياسي لـ«الجمهورية» انّ الاساس هو الوصول الى قانون انتخاب لا تشوبه شائبة او خلل، الغاية منه حماية الصيغة اللبنانية وتمثيل عادل لكل المكونات، لكنّ الواضح انّ بعض الصيغ لا تراعي مبدأ العدالة، فصيغة الـ75 بـ53، إذا تمّ اعتمادها، ستَولّد سابقة عجيبة لا يتأتى منها سوى الخلل، اذ انها تنتج نوعين من النواب: نائب اكثري يمثّل القضاء الذي يترشح على اساسه، ونائب نسبي يمثّل الأمة جمعاء كونه منتخباً على اساس النسبية من الشريحة الواسعة من اللبنانيين.

في ظل هذا الواقع، يبقى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على اصراره بالدفع في اتجاه انتاج قانون جديد للانتخاب بديل للستين، وإنّ أجواءه تَشي بتصلّب اكبر لديه في هذا الاتجاه. وآخر ما نقل في هذا المجال انه ماض الى النهاية في رفض الستين وإجراء الانتخابات النيابية على اساسه، مُبقياً كرة تدارك الفراغ النيابي المحتمل في ملعب الجميع.

يتقاطع كلام عون مع ما نقل عن رئيس مجلس النواب نبيه بري ضرورة تلافي كل ما يمكن ان يوقع البلد في المحظور، فالفرصة ما زالت متاحة للوصول الى القانون الانتخابي المثالي، ويجب ان يكون معلوماً ان الفراغ ممنوع، والتمديد محظور، والستين انتهى، وهذا ما يجب ان يشكّل حافزاً للجميع للدفع في هذا الاتجاه والبحث عن سفينة النجاة التي تقود البلد في الاتجاه المعاكس لرياح الفراغ الذي إن وقع ـ لا سمح الله ـ لن يكون في مصلحة البلد او مصلحة احد على الاطلاق.

جبهة إعتراضية

وفيما يكثّف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط الذي فاز بالتزكية برئاسة الحزب، مروحة اتصالاته ولقاءاته، علمت «الجمهورية» انّ حديثاً يدور في بعض الاوساط السياسية عن محاولة بناء جبهة اعتراضي، تضمّ المتضررين من أحزاب وقوى سياسية وشخصيات ومستقلين، من المنحى الالغائي او الاقصائي او التحجيمي الذي تمارسه بعض «الثنائيات».

وقالت اوساط المعترضين على المنحى الالغائي لـ«الجمهورية»: «ما تَكشّف لنا من الطروحات الانتخابية والصيغ التقسيمية للدوائر والتصنيفات العشوائية للمقاعد، انّ هناك نيات مبيّتة سلفاً لمناطق وقوى عدة من بعض من يحاولون القفز فوق المنحى التفاهمي بين اللبنانيين والذي أدى الى إنهاء الفراغ الرئاسي بانتخاب رئيس للجمهورية، وكذلك فوق التفاهم الذي أدى الى تأليف حكومة يفترض انها تضمّ كل الاطراف.

وما يبعث على الاستغراب والريبة هو توجّه بعض «الثنائيات» التي بدأت تشعر بشيء من الانتفاخ، وتسعى الى فرض قانون انتخابي أعرج، أقلّ ما يقال فيه إنه قانون فئوي، مناطقي، يمثّل قوى سياسية محددة فقط.

وهو أمر لا يدفعنا الى رفع الصوت والوقوف في وجهه منطلقين من ثابتة أساسية، وهي انّ أحداً لا يستطيع ان يلغي احداً في لبنان. هذا ليس شعاراً نتمسّك به بل هو حق لنا، لأنّ ما يطرحه البعض يمسّ بجوهر مستقبل البلد، وثباته وامن المواطنين وحقوقهم وجوهر المواطنية.

واذا كان جنبلاط اوّل من وقف في مواجهة هذا المنحى ورفع سقفاً لن ينزل تحته في محاولة منه لتصويب المسار، اكدت الاوساط نفسها لـ«الجمهورية» انّ جنبلاط «وكل المستهدفين بالالغاء او التحجيم في هذا الاتجاه، والعلامة الشديدة الايجابية اننا لسنا وحدنا، فالثنائي الشيعي رافض تماماً لأيّ صيغ إلغائية، وهناك قوى مسيحية حزبية خارج اطار الثنائية ترفض ما يطرح، وهناك قوى مسيحية وسطية غير حزبية لها حضورها ودورها وتاريخها ترفض ما يطرح.

الكل على يقين انّ ما يجري ليس محاولة الغاء بل هو انقلاب حقيقي، يُراد منه القاء القبض على الواقع الداخلي، والامساك من خلال الانتخابات بمجلس النواب، وكذلك الامساك بالحكومة.

وبالتالي، الامساك منذ الآن برئاسة الجمهورية المقبلة. هذا هو الهدف الحقيقي، لذلك أقلّ الواجب والمسؤولية ان تقوم في وجهه اعتراضات ومحاولات جدية لمنعه من تحقيق اهدافه الالغائية والاستئثارية».

حراك متعدد

وشهدت الساعات الـ24 حراكاً مكثفاً في اتجاهات مختلفة، فزار المعاون السياسي للأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله الحاج حسين حسين خليل ومسؤول وحدة الإرتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا، الوزير طلال ارسلان وكان الملف الانتخابي بنداً اساساً في المباحثات.

وزار وفد «اللقاء الديموقرطي» الذي ضمّ النواب اكرم شهيّب، وائل ابو فاعور وهنري حلو وامين السر العام في الحزب الاشتراكي ظافر ناصر عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب علي فياض و«حزب الله» في مجلس النواب.

وأكّد ناصر لـ«الجمهورية» أنّ «اللقاء إيجابي ويأتي ضمن سلسلة التواصل مع القوى السياسية، وعرضنا كل الأمور المتعلّقة بقانون الإنتخاب، وموقف «حزب الله» أعلنه مراراً وتكراراً بأنه مع قانون يتوافق عليه اللبنانيين وموقف الإشتراكي ليس ضدّ النسبية، لكن للنسبية متطلبات ويجب أن تكون ضمن سلّة إصلاحات كما طرحها كمال جنبلاط».

وزار وفد «اللقاء» رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية الذي اعلن انه «مع ايّ قانون عادل يضمن حقوق الجميع ولكن ليس مع قانون معقّد مثل الذي تمّ تقديمه لكي يُفصّل على قياس أشخاص، هذا قانون لا المواطن سيفهمه ولا السياسيون ولا احد يفهمه الّا المعقّدون الذين وضعوه». واكد انّ حقوق المسيحيين ستُصان «عندما يكونون آمنين في الجبل وليس حين يكونون في موضع استفزاز في المناطق التي يشكلون أقلية فيها».

شهيّب

وقال شهيّب لـ«الجمهورية»: «المعركة التي تخاض حاليا سيكون لها أفق حتماً. يهمنا ان نربح قانوناً عادلاً لا يلغي او يستثني او يظلم احداً. إن كانوا يريدون الوصول الى قانون وطني فالطائف موجود فهو حدّد كل المسار، لذلك فلنذهب الى الطائف.

هناك ضمانات سياسية وطنية موجودة وحريصة على مسار ثبات المؤسسات، وعلى السلم الاهلي وحماية الدستور. ونحن حريصون على الوفاق القائم في الجبل ولا يهمّنا نائب بالزايد او بالناقص، نحن نريد استقرار الجبل والوطن وثبات المؤسسات.

باسيل يردّ

وردّ الوزير جبران باسيل على موقف فرنجية من قانون الانتخاب بأن ما يقترحونه معقد، وقال: «أنا أتفهم أن يكون هناك من لا يفهم بالأرقام، فليجدوا أحداً من بينهم يفهم بها من أجل أن يفسّر لهم الاقتراحات التي نقدّمها».

عون

وفيما يكرّر عضو اللجنة الرباعية النائب علي فياض انّ النقاش بنّاء، مُشدداً على اهمية استمرار عمل اللجنة، قال النائب آلان عون
لـ«الجمهورية»: البحث ما زال جارياً لإنتاج قانون انتخابي جديد، لأنه لم يعد امام كل القوى السياسية الّا هذا الخيار، ولا نعتقد انها تريد الذهاب الى مأزق حقيقي في ظل استحالة اجراء الانتخابات على اساس القانون الحالي وتصميم رئيس الجحمهورية على مواجهة هذه الفرضية.

لذلك، ما يجري اليوم هو انّ المساعي تحاول ان تستنفد كل الصيغ والافكار للوصول الى القانون الجديد، مع الاشارة الى اننا في سباق مع الوقت ونحن بحاجة الى ان يضع الجميع جهودهم لتذليل كل العقبات.

واكد ان ليس «الهدف إلغاء احد، ولا احد لديه النية في هذا الاتجاه، او يضع في فكره اي نيّة إلغائية. نحن مع تكريس التعددية قدر الامكان، لكن حتى الآن لن نستطيع الوصول الى صيغة مثالية تؤمّن التعددية الطائفية والسياسية بشكل كامل، الّا من خلال اعتماد النسبية. ولكن في حال تعذّر النسبية نتيجة رفض فريق أساسي لها في البلد، نحن مع الافكار التي تؤمن هذه التعددية إنما ليس بذات القدر الذي تؤمنه النسبية».

«الكتائب» ونادر الحريري

وفي إطار جولاته «الانتخابية» على القيادات والمسؤولين السياسيين، زار وفد كتائبيّ أمس تيار «المستقبل» في السراي الحكومي، والتقى نادر الحريري. وعلمت «الجمهورية» انّ الزيارة استهلّت بخلوة بين مستشار رئيس حزب الكتائب ميشال خوري والحريري، تمّ خلالها استكمال البحث في العلاقة بين الكتائب و«المستقبل» التي سبق أن طرحت في لقاءات ثنائية عدة بين الجانبين اخيراً بعيداً من الاضواء. بعد ذلك انضمّ الى الاجتماع الوزير السابق آلان حكيم ومستشار رئيس الحزب البير كوستانيان، وتركّز البحث على قانون الانتخاب.

وأطلع الحريري الوفد على آخر صيغة يتمّ البحث فيها، وتقوم على انتخاب ٧٥ نائباً على الأساس الأكثري في الأقضية و٥٣ على الاساس النسبي.

وفي معلومات لـ«الجمهورية» انّ البحث في اللقاء الكتائبي - القواتي في معراب امس الاول انقسم الى قسمين: الاول تمحور حول العلاقة الثنائية في ضوء السجالات الاعلامية التي شهدتها وسائل التواصل الاجتماعي بين محازبي الطرفين وأنصارهما في الفترة الاخيرة، والثاني حول قانون الانتخاب.

ولم يتخطّ الامر إطار عرض كل من الجانبين لموقفه بحيث تظهّرت نقاط الالتقاء والتباين ولم تبلغ الامور بينهما حدود طرح صيغ توفيقية عملية لحلّ الاشكالات الحزبية او للخروج بتصَوّر واحد لقانون الانتخاب.

ففي حين تمسّك رئيس «القوات» سمير جعجع بالقانون المشترك مُعتبراً انّ الايام المقبلة كفيلة بإخراج صيغة جديدة تكون أكثر قبولاً، شَدّد وفد الكتائب على انّ ما يهمّ الحزب ليس الشكل والتسمية وإنما الاساس، بمعنى انّ الحزب ليس ضد ايّ من الانظمة الانتخابية الاكثرية او النسبية او المختلطة ولكنه ضد ان تتمّ صياغة ايّ من هذه القوانين على خلفيات حزبية وفئوية استئثارية او إلغائية.

وأبدى الجانبان حرصهما، رغم التباينات، على إبقاء خطوط التواصل مفتوحة لاستكمال البحث.

«القوات»

وقالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية»: «لا مفرّ من قانون جديد، خصوصاً أنّ معظم القوى تدفع بهذا الاتجاه، فيما أثبت المختلط أنه الصيغة الأنسب بدليل أنّ معظم الاقتراحات تتركز على هذا الجانب، ونأمل أن يُصار إلى إقرار قانون جديد في الأيام المقبلة تلافياً لأزمة وطنية لا نعتقد انّ أحداً يريدها لأنّ تداعياتها ستكون سلبية على الجميع».

ووصفت المصادر الكلام عن أنّ «القوات» و«التيار الوطني الحر» يعملان على تفصيل قانون انتخاب على قياسهما بـ«أنه لا يمتّ إلى الواقع بصِلة وينمّ عن عدائية وتحريض واتهامات ملفّقة ومرفوضة ضد هذه الثنائية التي كل هدفها إعادة تصحيح البعد التمثيلي المنصوص عليه في الطائف، والذي لم يطبّق بفِعل الوصاية السورية، وأكدت أنّ «القوات» و«التيار» يحصدان أكبر عدد من المقاعد وفق أيّ قانون، ولكنّ هدفهما إقرار قانون تمثيلي يعيد تصحيح التمثيل بالقانون لا التحالفات، و«القوات» و«التيار» ليسا بحاجة للتلاعب بأيّ قانون من أجل إثبات حضورهما الشعبي على غرار القوانين الانتخابية السورية التي كانت تُفصّل على قياس البعض خلافاً للإرادة الشعبية التمثيلية.

والانتخابات ستتمّ وعلى أساس قانون جديد، والمسار الذي انطلق رئاسياً سيُستكمل نيابياً، والمعركة الفعلية بعد إعادة تصحيح التمثيل ستكون في مواجهة الفساد وتثبيت مشروع الدولة».