غياب الراعي الاقليمي والدولي للملف اللبناني، كشف هزالة السلطة السياسية الحاكمة على مدار سنتين ونصف من الفراغ الرئاسي والشلل الحكومي، انتهى الامر بتسوية عكست موازين القوى المحلية والاقليمية، لكن «القصة» لم تنته، فالنقاش «العقيم» حول القانون الانتخابي العتيد، اطلق مجددا «شياطين» الهواجس، تيارالمستقبل  قلق من «شبح» «المثالثة»، ومذعور من رغبات دفينة لدى الرئيس ميشال عون لتعديل اتفاق الطائف وسعيه الى «المؤتمر التاسيسي» بالشراكة مع حليفه الشيعي، وفيما يرغب «الثنائي» الشيعي بالحفاظ على موقع حلفائه في المجلس العتيد، ينتاب الذعر النائب وليد جنبلاط خشية افول «زعامته» على باب تطورات اقليمية ودولية «غير مريحة»... هذه العلاقة المبنية على الشكوك المتبادلة، ستكون عرضة لاختبار جدي حول اولويات السياسة الخارجية بعد ان سدد الفريق المحسوب على محور المقاومة دفعة على الحساب، فيما يتعلق بعلاقات لبنان مع محيطه الاقليمي والعربي، واعطيت الاولوية لاعادة تطبيع العلاقات مع دول الخليج والسعودية، دون اي نتائج عملية حتى الان، ويبدو من المعطيات المتوافرة ان تسديد حصة الفريق الاخر من التسوية قد اقترب في ظل تسارع التطورات الاقليمية والدولية...
اوساط دبلوماسية في بيروت، اكدت لـ«الديار» ان طهران وعدت الرئيس ميشال عون بباقة من التعاون الاقتصادي مع لبنان، لكنها ابلغته من خلال الوفود التي زارته بانها ليست في وارد احراجه بموعد الزيارة، ولديه الحرية الكاملة في اختيار الوقت المناسب الذي لا يتعارض مع مصلحة لبنان، وابلغته صراحة ان ثقتها به تعززت من خلال مواقفه الوطنية المؤيدة للمقاومة وثباته عليها، وليست معنية باي تاويلات تتعلق بموقعها على جدول اعماله الخارجية، ولطمانة الرئيس حول مكانته في الجمهورية الاسلامية، كشف له رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشورى علاء الدين بروجردي عند زيارته في بعبدا، ان ملف الرئاسة اللبنانية كان يطرح دائما من قبل الدول الغربية خلال مراحل التفاوض النووي، وكان السؤال الموحد لدى الجميع» لماذا تتمسكون في طهران «بالجنرال» رئيسا؟ وكانت ايران مصرة دائما على عدم نقاش اي ملف مع «النووي»، لكنها كانت تؤكد على هامش الاجتماعات انه المرشح الطبيعي لهذا الموقع...
هذا الموقف الايراني لم يتغير، لكن المعطى الجديد الذي طرأ على المشهد، هو «إغراء» سوري للسلطات اللبنانية بفتح ملف اللاجئين على مصراعيه، والاستعداد للبحث في كيفية تنظيم عودتهم الى سوريا، وفق آليات معينة يتم التفاهم عليها مع الحكومة اللبنانية، وقد تحدثت اوساط سياسية مقربة من دمشق لـ«الديار» عن انفتاح القيادة السورية على فتح نقاش جدي حول اي آلية يمكن ان تؤدي الى اعادة اللاجئين السوريين في لبنان الى مناطقهم المحررة، او استيعابهم ضمن مناطق «ايواء» عديدة انشأت لهذه الغاية، وهي بمثابة مناطق «انسانيةآمنة»، ولا تحمل اي بعد سياسي كما تطرحه الادارة الاميركية وتركيا او دول الخليج..
ووفقا للمعلومات، فان دمشق لا تريد احراج الرئيس عون في توقيت قيامه بزيارتها، وثمة تقدير كبير لمواقفه العلنية وغير العلنية، وثمة تأكيد على ان الاتصالات معه لم تنقطع، ولكن هناك حاجة ملحة لايجاد آليات سياسية للتواصل بين البلدين وعدم الابقاء على قنوات التواصل الامنية المحدودة، وملف اللاجئين يمكن ان يشكل مدخلا مناسبا لتطوير العلاقات الثنائية، فلماذا التأخير في بت هذا الملف؟ 
وبحسب تلك الاوساط، فان دمشق مستعجلة لايجاد تسويات ثنائية من هذا النوع، لتقديم نموذج ناجح في التعاون لاحراج المجتمع الدولي ومواجهة الدعوات الاميركية المستجدة لايجاد مناطق آمنة في سوريا، وكان وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، واضحا يوم الاثنين الماضي حين دعا السوريين في الدول المجاورة للعودة الى سوريا ، مؤكدًا استعدادها لاستقبالهم وتأمين متطلبات «الحياة»، وكلامه يعد ترجمة علنية للرسائل السورية الى لبنان وكذلك الاردن، لايجاد الحلول المناسبة لهذا الملف.. وهكذا تكون دمشق قد «رمت» «الكرة» في الملعب اللبناني، وهي تنتظر من بيروت ان تخطو خطوة رسمية، فنصف الطريق نحو بناء توافق إقليمي دولي حول هذا المشروع قد قطعت، في ظل الغطاء الروسي للحراك السوري وربط اي حل لملف اللاجئين بموقف الدولة السورية، ويبقى النصف الثاني المتمثل في جلوس الأطراف المعنية حول «الطاولة» للتنسيق والتشاور، والمطلوب من لبنان الخروج عن تحفظاته المبالغ بها، وأن يكف عن «مراعاة» السعودية ودول الخليج... 

 باسيل الى دمشق؟ 

وابلغت الاوساط الدبلوماسية عينها «الديار»، ان زيارة وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل الى دمشق باتت ملحة، وفي اقرب وقت ممكن، وهي كانت مطروحة بقوة منذ فترة الا ان تأجيلها حصل من الجانب اللبناني لاسباب بقيت مجهولة، وتبدو دمشق معنية بان تتم هذه الزيارة قبل انعقاد القمة العربية في آذار المقبل في الاردن، كي يحمل لبنان النجاح في وضع اسس الحل لهذا الملف معه الى القمة، لكن الحسابات اللبنانية تبدو معقدة ودقيقة وثمة حذر من «اغضاب» دول الخليج والسعودية، وثمة رغبة في تقطيع اعمال الجامعة العربية بهدوء على ان تتم الزيارة بعد انفضاض القمة.. لكن ما سيسمعه الرئيس عون في زيارته المفترضة منتصف الجاري الى عمان يجب ان يشجعه على الاقدام في هذا الملف، لان العلاقة بين عمان والرياض شهدت في الأيام القليلة الماضية عودة «للحرارة» المفقودة، بعد ان التزم الاردن باستراتيجية السعودية حول العراق والإرهاب والملف اليمني، وتفهمت الرياض المخاطر الاستراتيجية على الامن الاردني والتي ادت الى فتح قنوات اتصال بين الاردن وسوريا بواسطة روسية، فلماذا لا يطبق هذا الامر على واقع العلاقات السورية - اللبنانية؟ خصوصا ان الرياض لم تخط بعد اي خطوة عملية اتجاه لبنان.

 الحريري و«خيبة الامل» السعودية 

وفي هذا السياق، اكدت اوساط سياسية تدور في «فلك» تيار المستقبل لـ«الديار» ان الرئيس سعد الحريري يشعر بخيبة «أمل» ازاء البرودة السعودية في التعاطي معه كرئيس للحكومة، وهو كان قد عمم  اجواء تفيد بقرب توجهه الى المملكة على رأس وفد حكومي لتسييل «كسر الجليد» الذي كرسه الرئيس ميشال عون خلال زيارته، وقد ابلغ عدد من الوزراء ورجال الاعمال بتحضير ملفاتهم استعدادا لتلك الزيارة، لكن لم يحصل اي شيء حتى الان، ولا يعرف رئيس الحكومة الاسباب الحقيقية لتأخير دعوته، كما لم يتلق اي اجابة حول عدم تعيين سفير اصيل للملكة في لبنان مكان القائم باعمال السفارة وليد البخاري، ولم يات اي من المسؤولين الذي وعد الملك في ارسالهم الى بيروت، ورئيس الحكومة على اطلاع تام على قرار القيادة السعودية بشد «عصب» حلفائها في المنطقة، لمواكبة «عصر» الرئيس الاميركي دونالد ترامب، المملكة عادت الى ضخ الاموال مجددا، تعهدت بتمويل المناطق الامنة في سوريا،وهي وعدت الاردن بتقديم «منحة» مالية، لكن احدا من المسؤولين السعوديين لم يتصل به حتى الان... ثمة قلق في «بيت الوسط» وهمّ رئيس الحكومة ان لا يخوض انتخابات دون «الغطاء السعودي»!
ووفقا لاوساط 8 آذار، فان ملف رفع سقف التواصل مع دمشق سيطرح في الحكومة قريبا، ومع الرئيس عون، ملف زيارات الرئيس الخارجية، ليس معرض انتقاد او تعديل، يزور مصر والاردن منتصف الشهر الجاري، ثم من المقرر ان يزور باريس وبعدها موسكو قبل ان يحط رحاله في طهران، في موعد غير محدد، ليس مطلوباً منه زيارة دمشق، في زمن «السير» بين «النقاط» مع عودة التوتر الاميركي - الايراني - السعودي الى المنطقة، لكن ثمة مصلحة لبنانية عليا تقتضي فتح قنوات التواصل مع سوريا لمعالجة ملف اللاجئين، وبامكان وزير الخارجية والوزراء المعنيين القيام بواجباتهم، ولا يحق لرئيس الحكومة بفرض اجندته الاقليمية، بل عليه الان تسديد حصته من التسوية، دون الحاجة لتوتير الاوضاع الداخلية لان السياسة الخارجية «قنبلة موقوتة» قد تنفجر اذا استمرت «الحسابات الخاطئة»..