لأنّ مهمة حكومته تنطلق في أساس أولوياتها من وجوب تلبية احتياجات المواطن وترتكز في جوهر أهدافها على ضرورة استعادة ثقته بالدولة، جاء اجتماع السراي الكبير أمس ليترجم قولاً وفعلاً الوعد الذي كان قد قطعه الرئيس سعد الحريري أمام اللبنانيين والبرلمان في 28 كانون الأول الماضي حول عزمه وتصميمه على تنفيذ قرار مجلس الوزراء «إلغاء العمل بوثائق الاتصال ما لم تستند إلى استنابة قضائية». فتعهد رئيس الحكومة خلال جلسة نيلها الثقة بوقف «التجاوزات» الحاصلة في هذا الملف، وجد أمس ترجمته العملية في السراي الحكومي مع ترؤس الحريري اجتماعاً أمنياً - عدلياً خلص إلى تنقية لوائح ما يُعرف بـ«وثائق الاتصال» من كل تجاوز وكيدية موروثة من «زمن الوصاية» توصلاً إلى تحرير المواطنين من قيد التعرّض للملاحقة والاعتقال بمجرد «وشاية» مرفوعة من مخبر من هنا أو مدسوس من هناك.

اجتماع السراي الذي عُقد بعد ظهر الأمس برئاسة الحريري وحضور وزراء الداخلية نهاد المشنوق والدفاع يعقوب الصراف والعدل سليم جريصاتي ومدعي عام التمييز القاضي سمير حمود والأمين العام لمجلس الدفاع الأعلى اللواء الركن محمد خير، أقرّ الفصل بين المطلوبين العاديين الذين لا يهددون الأمن القومي، وبين الإرهاربيين الذين تنطبق عليهم مواصفات ومعايير التهديد الأمني والقومي للدولة والبلد. وأوضح الصراف بعد الاجتماع أنه بناءً على قرارات مجلس الدفاع الأعلى تقرر «منع التجاوزات التي كانت حاصلة سابقاً ونزع الوثائق عن الجرائم التي لا تشكل تهديداً للأمن القومي ومنها إطلاق النار العشوائي والمخالفات والجرائم غير الهامة والتي لا تهدد أمن الدولة بشكل عام، بحيث يُصار إلى حذف الأسماء التي تنطبق عليها هذه الشروط من لوائح الاتصال». لافتاً إلى أنّ الآلية التي يتم وضعها في إطار تنفيذ والتزام جميع المؤسسات العسكرية والأمنية بهذا القرار تتضمن كذلك «تبويب فئات الأشخاص الذين سيُمارس بحقهم نوع من الرقابة للتأكد من عدم اقترافهم أي جريمة، أولها جرائم الإرهاب، وثانياً تجّار المخدرات الكبار، وثالثاً العملاء مع العدو الإسرائيلي بعد العام 2000 والذين تعاملوا مع العدو قبل العام 2000 وما زالوا في إسرائيل ولم يحاكموا بعد»، أما في ما يتعلق بعناصر «جيش لحد» الذين عادوا بعد العام 2000 وقضوا محكوميتهم، فأشار وزير الدفاع

إلى أنه سيشملهم قرار نزع أسمائهم عن «لوائح الاتصال» مع التشدد في مراقبتهم في حال معاودتهم الاتصال بالعدو. كما نقل الصرّاف أنّ الحريري كلف المجتمعين «بوضع دراسة خاصة من قبل وزارة العدل والمدعي العام التمييزي لوضع الآلية القانونية والاقتباس من الدول الأخرى في ما خص مكافحة الإرهاب والإتجار في المخدرات لأن هذه التجارة هي أداة مرتبطة بشكل وثيق مع الإرهاب».

ورداً على أسئلة الصحافيين عن الجهة التي ستُعنى بملاحقة الجرائم التي لا تهدد الأمن القومي، أجاب: «الجرائم الصغرى يلاحقها القضاء العادي أو القضاء العسكري، ولكن المشكلة هي في»وثائق الاتصال«التي كانت تشملهم جميعاً، لذلك قررنا فصل هذه الوثائق الملحقة بالجرائم الصغرى عن الوثائق التي تُعنى بالإرهاب والإتجار بالمخدرات على الصعيد الكبير».

المرعبي

وتعقيباً على نتائج اجتماع السراي، شدد الوزير معين المرعبي لـ«المستقبل» على أنّ «إصرار دولة الرئيس الحريري على متابعة هذا الملف لا يندرج فقط في إطار السعي إلى إحقاق الحق والتعاطي الموضوعي والعادل مع هذه القضية الوطنية، ولا يستهدف إبعاد خطر المخبرين الصغار عن حياة الناس وسلامتهم وحريتهم، إنما هو في واقع الأمر يعيد إحياء الأمل لدى آلاف المواطنين المبتعدين عن الدولة بأنها جديرة بثقتهم بما يشجعهم تالياً على العودة إلى كنفها وإلى الاندماج في الحياة الاجتماعية عموماً بعدما كانوا منكفئين لفترة طويلة عن التفاعل مع الدولة ومع محيطهم نتيجة خشيتهم من الملاحقة والاعتقال». وأردف موضحاً: «هذا القرار يرفع ظلماً دام أكثر من عشر سنوات، فنحن في الشمال عانينا معاناةً شديدة طيلة السنوات الماضية بعدما سُجن العديد من شبابنا اللبنانيين وتدمرت حياتهم نتيجة الظلم الذي لحق بهم جراء إدراج أسمائهم على لوائح»وثائق الاتصال«من قبل مخبرين لا علاقة لهم بالمؤسسة العسكرية». وختم بالقول: «بارك الله بجهود الرئيس الحريري وبجهود كل الذين يتابعون هذا الملف لأنهم أعادوا إحياء الأمل عند الشباب، على أمل الوصول إلى العدالة المطلقة في لبنان».