كان واضحاً أنّ مهمة البحث في مجموعة القوانين البديلة لقانون الستين صعبة، لا بل مستحيلة، فقد عبرت سنوات عدة، وتحديداً منذ العام 2005، بحثاً عنه بلا جدوى. فحجم المطامع وتناقض المصالح إبان فترة انقسام اللبنانيين بين فريقَي 8 آذار و14 منه وجد الجميع ما يبرّر لهم الفشل في توليد القانون الجديد.
وفي وقت لاحق لم تحُل الحاجة الى قانون بديل دون تمسّك البعض بكلّ ما يراه مناسباً، وخصوصاً في شكل الدوائر الإنتخابية وحجمها والنظام الذي يمكن اعتماده الأكثري أم النسبي وما بينهما جملة مشاريع مختلطة تحاكي مصالح اصحابها والتحالفات التي لم ترقَ الى مرتبة التحالفات الوطنية الكبرى، فبقي الجميع في خنادق متقابلة يتبادلون الدراسات والإحصائيات التي يمكن وضعها في صيغة «غب الطلب» في ظلّ وجود مكاتب تتقن فنّ الإحصائيات والدراسات التي يمكن التلاعب بها والوصول بالنتائج التي يريدها مموّل أيّ عملية إحصاء بكلّ سهولة.
وإذ يدّعي بعض أصحاب هذه المؤسسات الإحصائية قدرتهم على توجيه الدراسات، فإنّ البرامج الإلكترونية وصلت في تطوّرها الى مرحلة متقدمة يمكن من خلالها قيادة هذه الإحصائيات الى حيث يريدون بإرادة مموّلي أيّ دراسة.
ولذلك فهم يعترفون بأنّ بعضاً من الدراسات الجدية المبنية على قواعد صلبة وغير موجّهة شعبياً ومناطقياً بقيت طيّ الكتمان، إما بطلب مموّليها او بطلب بعض مراكز الدراسات التي اصدرت مثيلات متناقضة في فترات متقاربة لا يفصل بينها أيّ حدث او تطوّر مهم يمكن أن يؤدّي الى أيّ انقلابات في الرأي العام اللبناني وبالتالي في نتائجها.
وهنا يبرز الإعتراف الإضافي بأنّ نتائج بعض الدراسات قادت الى قرار بحجبها عن الرأي العام أيّاً كان الثمن، ولذلك بقي بعض شرائح المجتمع غافلاً عن كثير من الحقائق التي قادت اليها.
فأقل ما قيل في البعض منها ونتائجها، إنها لو نُشِرت لسقطت عروش وهامات سياسية وحزبية كبيرة وتبدّلت الموازين. لكن بعض الصبر والتأجيل الذي مورس بإتقان سمح للمصابين المتضرّرين منها، ولمرحلة محدّدة، بتغيير اساليب العمل واللجوء الى إعلان «حال طوارئ» تجسّدت بتغيير حاد في المواقف تجاه الرأي العام بهدف إستعادة المواقع لديه فتحوّلت عندها هذه الإحصائيات مرشداً سياسياً وشعبوياً سمح بقراءة مواقع الضعف لدى الرأي العام وحدّد وسائل المعالجة فانتقل البعض من موقع الى آخر وتنازل عن كثير من الثوابت في متعرّجات السياسة اللبنانية الداخلية لمحاكاة نتائج هذه الإحصائيات والتجاوب معها.
قد يعتقد البعض أنّ هذا الجدل لا علاقة له بقوانين الإنتخاب الجاري البحث عنها، لكنّ الواقع يقول العكس فقد أدّت قراءة توجّهات الرأي العام في الأشهر الماضية الى تعديلات في بعض المواقف والتوجّهات ففقست «أوراق تفاهمات» ومواثيق لم تكن في الحسبان ولا نتيجة واقع سياسي طبيعي، وكلّ ذلك من أجل تلميع الصورة وقيادة الرأي العام الى مكان آخر تحت شعارات جديدة برّاقة ليس من الصعب اكتشاف زيفها.
عند هذا المفترق وضِع مشروع القانون المختلط الجديد الذي تقدّم به الوزير جبران باسيل على طاولة البحث في اللجنة الرباعية في لحظة فشلت فيها اللجنة من مقاربة القانون المختلط الذي تحدثت عنه صيغتان واحدة لثلاثي «القوات» و«المستقبل» و«الإشتراكي»، وثانية لرئيس مجلس النواب نبيه بري فطرح ثالثة ما بينهما قالت بمعادلة الـ 66،33 % من لوائح الشطب على الأكثري والـ 33،33 % وفق النسبي. وانطلق مسلسلُ التعديلات في الدوائر والنسب الى أن قادت المناقشات المدروسة في شكله ونسبه الى تعديلات متعدّدة اوصلته الى صيغة الـ 65 %.
وترافق ذلك مع حملة إعلامية أضاءت على مكامن الخلل بنحو مريع أدّت الى سحقه وتطييره على قاعدة فقدانه لكلّ معايير المنافسة الشريفة، كذلك بالنسبة الى اعتماد تقسيمات راعت ظروف البعض وقضت على آمال البعض الآخر في العودة الى ساحة النجمة وهو ما أدّى الى نعيه أخيراً.
ومن دون الدخول في كثير من التفاصيل فقد ظهر أنّ اللجنة الرباعية دفنت المختلط الجديد وهي باشرت البحث عن بديل من لائحة قوانين متشابكة لا تحظى بالحدّ الأدنى من التوافق المفقود منذ سنوات عدة، وهو ما أدّى الى دفن قانون «الـ 65» ليوضع على قبره حجر كبير الى جانب الحجر الموضوع على قبر الـ 60.
إلّا أنّ ما يأمله البعض أن يتجدّد زمن العجائب فيتدحرج الحجر عن قبر الستين ليُصار الى «عملية تجميل» سريعة، فالخبرات في هذا المجال واسعة والقدرات المتوافرة موضوعة في تصرّف الساعين الى هذا الهدف.. فلننتظر.