مع بدء العد العكسي لحلول موعد دعوة الهيئات الناخبة في 18 شباط الجاري، تكثفت الاتصالات والمشاورات المعلنة والبعيدة من الأضواء في مسعى جديد للوصول الى صيغة جديدة ترضي الجميع خلال عشرة أيام، وسط تصميم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على رفض التمديد للمجلس النيابي أو إجراء الانتخابات على أساس قانون الستين، وتأكيد رئيس مجلس النواب نبيه بري عدم السير بقانون لا يحظى بالتوافق، ودعوة رئيس الحكومة سعد الحريري الى عدم اليأس من التوصّل الى قانون انتخاب جديد.
تبدأ اللجنة الرباعية اجتماعات متلاحقة قريباً لمناقشة أفكار جديدة لصوغ قانون انتخاب جديد، وذلك بعد تجاوز ما سُمّي مشروع الوزير جبران باسيل المختلط.

وكان هذا التوجّه قد تقرّر في الاجتماع الاخير للجنة الذي رافقه اعتراض الثنائي الشيعي على صيغة باسيل، بحيث انّ بري أبدى اعتراضاً مبدئياً على هذه الصيغة مؤكداً انه لا يرضى بأن يتمّ التعاطي مع المسيحيين كطائفة والمسلمين كمذاهب.

وبينما كاد النقاش أن يصل الى حائط مسدود، طُرحَت أفكار أخرى كثيرة في محاولة لإيجاد حل. وقال احد اعضاء اللجنة لـ«الجمهورية»: «انّ هذه الافكار لاقت استحسان المشاركين مبدئياً، واتُّفق على بلورتها واستكمال النقاش فيها في اجتماعات تقنية وسياسية لن يؤثر فيها غياب باسيل الذي سيحلّ مكانه النائب آلان عون».

وأضاف: «على رغم الخلافات التي حصلت بين المشاركين فإنها لم تعكّر مسار النقاش الهادىء الذي أظهر فيه الجميع الحرص على الاستمرار في الاجتماعات للتوصّل الى قانون جديد».

وأكّد انّ الاجتماعات ستكون متلاحقة في الايام المقبلة، لافتاً الى انّ مشروع حكومة الرئيس نجيب ميقاتي ما زال على طاولة البحث على رغم ملاحظات ضئيلة لتيار «المستقبل» عليه واعتراض «اللقاء الديموقراطي» على النسبية من حيث المبدأ».

وإذ تكتّم عضو اللجنة الرباعية على طبيعة هذه الافكار الجديدة التي يُعمل على بلورتها توخياً للنجاح في بلورة قانون انتخابي، جزم بأنّ هذه الأفكار «مختلفة تماماً عن مشروع باسيل، وهي جديرة بالبحث وقد يكون رفضها صعباً، إذ اننا نحاول من خلالها ان تكون المعايير واحدة ودقيقة».

عون

وكان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، أكّد مجدداً أمس انّ إقرار قانون إنتخابي قائم على أساس النسبية «يشكّل باباً للاصلاح ويؤدي الى تأمين العدالة بين الاكثرية والاقلية»، لافتاً الى انّ الجدال الكلامي لا يوصِل الى نتيجة لأنّ الأزمة السياسية مُرفقة بأزمة اقتصادية.

وبالتالي، فإنّ التأجيل من شأنه مضاعفة حجم الأزمة بينما المطلوب هو إيجاد حل فعلي». وقال: «سنسير في نضالنا حتى الوصول الى تمثيل شعبي صحيح، والى حُكمٍ متجرّد من المصالح الشخصية».

بري

الى ذلك أكد بري، خلال «لقاء الاربعاء» النيابي، أنّ الإتصالات والنقاشات مستمرة للاتفاق على قانون جديد للانتخاب، ولفت الى أنّ هناك «أفكاراً جديدة هي الآن قيد النقاش». وأعلن: «ما زلنا في مرحلة جَوجلة هذه الأفكار، ولم نصل بعد الى حائط مسدود»، مؤكّداً «وجوب الاعتماد على معيار واحد، ولن أسير بأيّ قانون لا يحظى بالتوافق».

الحريري

في هذا الوقت، لم يكن مجلس الوزراء في منأى عن الاجواء المرافقة لمناقشة قانون الانتخاب، وإن اقتصر الامر داخل الجلسة على كلمة للحريري جاءت مُثقلة بالرسائل. الّا انّ كلام معظم الوزراء خارج الجلسة صَبّ في توقّع عودة الامور الى المربّع الاول. في حين عكس كلام عضوَي اللجنة الرباعية الوزيرين علي حسن خليل وجبران باسيل أجواء تفاؤل باستكمال النقاش واقتراب التوصّل الى قانون انتخابي جديد.

واعتبر الحريري انّ التباين في وجهات النظر لا يعني الوصول الى الطريق المسدود، وأكد «انّ ورش العمل السياسية يجب ان تستمر، وانّ الوقوف على آراء جميع الأطراف والقوى مسؤولية الجميع، خصوصاً مسؤولية القوى المشاركة في الحكومة».

وقال: «الجميع ينادي بدفن قانون الستين، وهو قانون معمول به منذ أكثر من نصف قرن، وكل الدعوات تتركز على إنتاج قانون جديد، وهو قانون مرشّح لأن يعيش ايضاً عشرات السنين. لذلك يجب الّا نيأس من التوصّل الى قانون جديد، ويجب ان نملك القدرة على التضحية لبلوغ قانون لا يثير المخاوف لدى أي مكوّن من المكونات السياسية والطائفية».

واعلن أنه «على خط واحد» مع رئيس الجمهورية، مطمئناً «الغيارى الذين يراهنون على تخريب العلاقة بين أهل الحكم بأنّ شيئاً من ذلك لن يحصل، وانّ التفاهم على حماية الاستقرار السياسي راسخ ومتين وأقوى من ان تهزّه دعوات النافخين في رماد الماضي».

أبو فاعور

ولوحظ انه أثناء انعقاد مجلس الوزراء، حضرَ الوزير السابق وائل ابو فاعور موفداً من النائب وليد جنبلاط بعد أقل من 24 ساعة على زيارة «اللقاء الديموقراطي» للحريري. وحمل ابو فاعور الى الحريري رسالة مفادها انّ جنبلاط وأعضاء كتلته النيابية غير معنيين بأي قانون يجري نقاشه خارج النظام الاكثري او اتفاق الطائف.

وعلمت «الجمهورية» انّ زيارة ابو فاعور جاءت بعد اجتماع اللجنة الرباعية وبعد وصول مؤشّرات الى جنبلاط مفادها انه يتمّ النقاش في صيغة جديدة تقوم بدورها على النسبية، فسارَعَ الى تبليغ الحريري رسالة اعتراض، قبل ان يعلن وبلهجة تصعيدية أكثر «انّ الامر أصبح اكبر من قانون انتخاب»، محذّراً من «الدخول في اشتباك سياسي يوصِل الى أزمة وطنية شاملة اذا ما أصرّ البعض على قانون انتخاب يقوم على نسبية اعتبرها تقاسم حصص واستيلاء على المقاعد»، قائلاً: «لحمنا لا يُؤكل».

خوري لـ«الجمهورية»

ودعا الوزير غطاس خوري الى إخراج قانون الستين من التداول، وقال لـ«الجمهورية»: «الجميع يريدون قانوناً جديداً وسنصل إليه، والنقاش الحاصل يعني انه لن يتم إنزال قانون الأمر الواقع إنما بالتوافق، والمهَل ليست ضاغطة الى الحد الذي يتمّ تصويره، فاذا اتفقنا على قانون بعد دعوة الهيئات الناخبة نستطيع تعديل المهَل».

أرسلان لـ«الجمهورية»

وتحدث الوزير طلال أرسلان لـ«الجمهورية»عن إصرار الرؤساء الثلاثة على ضرورة التوصّل الى قانون جديد وعدم التسليم بـ«الستين»، وقال: «هذا إنجاز في حدّ ذاته، وإلّا فماذا نقدّم للبلد وهذا جزء لا يتجزّأ من البيان الوزاري الذي التزمناه».

وأصرّ «على الخروج من دوّامة الستين»، مشيراً الى «أنّ اللجنة الرباعية حُمّلت اكثر ممّا تحمل، فهي ليست مخوّلة اتخاذ قرار وعملها يقتصر على وضع مسودات بالتشاور مع الجميع، وتأتي بها في النهاية امّا الى مجلس الوزراء او الى مجلس النواب».

حراك كتائبي

وفي هذه الاجواء، بدأ وفد من حزب الكتائب جولاته على المسؤولين لشرح وجهة نظره وهواجسه الانتخابية، وكانت محطته الاولى معراب، على ان يزور اليوم تيار «المستقبل»، ورئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية بعد غد، ثم يلتقي باسيل بعد عودته من جوهانسبورغ.

وقال مصدر كتائبي مسؤول لـ«الجمهورية» انّ الوفد نقل الى معراب «موقف الحزب الرافض بنحو قاطع قانون الستين، واستعداده للبحث في صيَغ عدة تمّ عرض سريع لبعضها.

وهي، بمعزل عن تفاصيلها، تتميّز كلها بقدرتها على ضمان صحة التمثيل وشموليته إنطلاقاً من ثابتة الحفاظ على التعددية والتنوع في البيئتين المسيحية والاسلامية بحيث يتأمّن تمثيل المجتمع المدني وهيئاته، كذلك تمثيل المرأة والإصلاحيين من أحزاب وشخصيات مستقلة».

وأكد المصدر تمسّك الحزب بضرورة التوصّل الى «قانون انتخاب يؤمن مقومات الحياة للعبة الديموقراطية، بحيث تضمّ الأكثرية التي سيفرزها القانون مسيحيين ومسلمين، وكذلك الأقلية التي ستعارض». وختم: «لا يجوز حرمان المجتمع المدني والمرأة من حقهما في ممارسة الرقابة على السلطة التنفيذية ومحاسبتها والمساهمة في التشريع».

المطارنة

في غضون ذلك ثَمّن مجلس المطارنة الموارنة في اجتماعه الشهري المساعي الجارية للاتفاق على قانون انتخاب جديد، ودعا الى الإسراع في وضع «قانون يَستلهم الميثاق والدستور ويحقق تمثيلاً صحيحاً لجميع أطياف المجتمع اللبناني». مشدداً على احترام المهل الدستورية.

المطران رحمة

وأكّد راعي أبرشية دير الأحمر وبعلبك للموارنة المطران حنّا رحمة لـ«الجمهوريّة» أنّ «بيان مجلس المطارنة واضح، يطالب بتطبيق اتفاق الطائف نصّاً وروحاً، أي أنّ «الطائف» أعطى المسيحيين 64 نائباً ويجب أن ننتخب الـ64، لكي يكون هذا الأمر ممرّاً للشراكة الكاملة بعد مدّة، ويستطيع حينها أيّ لبناني أن ينتخب الـ128 نائباً بغضّ النظر عن طائفته وانتمائه المناطقي، إذ لا يكفي الحديث عن التمسّك بـ«الطائف» نظرياً، ونقوم من جهة أخرى بممارسات مضادة».

أضاف: «إنّ بكركي تطالب بالشراكة الحقيقية، لكي يتسنّى للجميع المشاركة في صنع القرار، والموقف المسيحي الجامع يوصِل الى الهدف، وهذا يظهر من خلال التناغم بين بعبدا وبكركي و«القوّات» و«التيار الوطني الحرّ»، كما أنّ حزب الكتائب ليس بعيداً من هذا الجوّ، خصوصاً بعد زيارة وفد كتائبي معراب. لذلك فإنّ الثنائيّة المسيحية تتوسّع نحو تفاهم مسيحي أشمل لا يمكن تخطّيه، وسينتج بالتأكيد قانوناً عادلاً».

وتعليقاً على إشادة بري ببيان المطارنة، شدّد رحمة على أنّ «هناك قطاراً يسير وبرّي ليس غريباً عنه، وهذا القطار يعمل من اجل المصلحة الوطنية التي لا تتحقّق من دون المسيحيين الذين ظُلِموا وعانوا الحرمان والإضطهاد والتهميش والإبعاد طوال الفترة الماضية.

وعلى الجميع أن يقتنع بأنه لا يمكنه السيطرة على حقوق المسيحيين أو التفرّد بالحكم، لأنّ عودة المسيحيين الى الدولة هي ضمان بقاء لبنان المتنوّع، ولا عودة الى الزمن الماضي».

قليموس

وأكّد رئيس «الرابطة المارونية» النقيب انطوان قليموس لـ«الجمهورية» أنّ «الرابطة تتواصَل مع جميع الأطراف المسيحيين واللبنانيين في شأن قانون الانتخاب، وما زال مشروعها الانتخابي يحظى بتأييد، إذ أكّدت «الكتائب» الاستعداد للسير فيه، في حين أكّد «الحزب التقدّمي الإشتراكي» أنّ مشروع الرابطة هو الأقرب الى تطلّعات الحزب».

واعتبر أنّ «زيارة الكتائب الى معراب إيجابية، ويجب علينا كمسيحيين أن نتّفق على الثوابت الكبرى والأمور المفصلية التي تهمّ مجتمعنا بغضّ النظر عن الخلافات السياسية التفصيلية».

موفدان دولي وبريطاني

وفي هذه الأجواء، تستعد الدوائر اللبنانية لمناقشة ملف كلفة مواجهة أزمة النازحين السوريين مع المراجع الدولية. وفي هذا الإطار يصل غداً الى بيروت مسؤول الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليب غراندي ووزيرة الدولة البريطانية للتنمية الدولية بريتي باتل اللذين سيلتقيان الرؤساء عون وبري والحريري ومسؤولي المنظمات الدولية والأممية الكبار، ثم يزوران مخيمات للنازحين السوريين في لبنان.

وسيناقش المسؤولان الخطط الجديدة التي وضعها لبنان لمواجهة كلفة النازحين، وتلك التي تساعد المجتمعات المضيفة في إطار البرنامج الذي أعلنته الحكومة الشهر المنصرم للمواءمة بين حاجات لبنان والمساعدات الدولية لهذا البرنامج على كل المستويات.

المناطق الآمنة

إقليميا، ًطلبَت كلّ مِن الإمارات وروسيا مزيداً من التفاصيل من الإدارة الأميركية حول فكرة إنشاء مناطق آمنة في سوريا. وقال وزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد في مؤتمر صحافي في أبوظبي إنّه لا بدّ من سماع مزيد من التفاصيل من الإدارة الأميركية قبل تأييد فكرة المناطق الآمنة في سوريا، مشيراً إلى أنّ مؤتمر أستانة برهنَ أنّه يمكن حلّ الأزمة السورية.

من جهته، طالب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ترامب بأن يكون أكثرَ تحديداً بشأن المناطق الآمنة المقترحة، مشيراً إلى أنّ تجربة هذه المناطق في ليبيا كانت مأسوية.