تستمر لعبة عض الاصابع الانتخابية، على حافة الهاوية، في انتظار من يصرخ أولا. حتى الآن، وحده الشعب اللبناني يصرخ، لكن صوته لا يُسمع ولا يُحتسب في صناديق الفرز السياسي والطائفي، أما اللاعبون الكبار، فان كلا منهم يراهن على ان يتألم الآخر قبله، فيما الوقت يقضم هامش المناورة لدى الجميع شيئا فشيئا.
لقد تحول اللبنانيون الى مجرد أرقام وبيادق في حقل تجارب، يلتهم المشاريع المركبة، الواحد تلو الآخر، من دون ان ينجح اي منها بعد في تجاوز امتحان «المعاينة الطائفية».
كما صارت الجغرافيا الممتدة على مساحة 10452 كلم2 مجرد قطعة قماش، يراد لها ان تُفصل على قياس مصالح متضاربة وأجسام سياسية متفاوتة الحجم والوزن. الخياطون كثر، والمقصات تعبث بالدوائر الانتخابية طولا وعرضا وفق استنسابية حامليها ومزاجيتهم، في حين ضاعت «المصلحة العليا» في غابة الثعالب والذئاب.
مسكين هذا المواطن الذي باسمه تُفصل قوانين الانتخاب، وهو منها براء، بل انه ضحيتها وحطبها. وأغلب الظن، أنك إذا سألت الناخبين المفترضين عن رأيهم في «فخر» الصناعة اللبنانية، من مشاريع انتخابية هجينة ومعقدة، فانه سيتبين ان قلة منهم تتابع هذا «البازار» المشرّع على كل انواع المساومات والمقايضات.
وإذا كانت صيغة «المختلط» التي اقترحها الوزير جبران باسيل قد سقطت بفعل الاعتراضات التي واجهتها، فان عضو تكتل «التغيير والاصلاح» النائب ألان عون أبلغ «الديار» ان العصف الذهني مستمر، وان فكرة أخرى هي قيد النقاش حاليا، موضحا انها تستند الى مبدأ المختلط، لكنها تعتمد آلية جديدة في التوزيع بين الاكثري والنسبي، على ان يتولى كل طرف في اللقاء الرباعي مناقشة هذه الفكرة ضمن فريقه، قبل استكمال البحث فيها واتخاذ الموقف النهائي منها.
ويعتبر عون- الذي حل مكان باسيل المسافر في اللجنة الرباعية- ان مشروع الرئيس نبيه بري القائم على اعتماد «التأهيل الاكثري في القضاء والنسبية في الدائرة الاوسع» لا يبدو ان لديه ما يكفي من الحظوظ في الوقت الحاضر، لان هناك أكثر من طرف لا يقبله.
ويحذر عون من ان عدم التوصل الى توافق حول طرح محدد خلال الاسبوعين المقبلين سيُدخلنا في نفق أزمة وطنية كبرى، آملا في ان تدرك القوى السياسية خطورة الامر وان تبادر الى تبادل التنازلات في الربع الساعة الاخير، قبل ان تداهمنا المهل الزمنية والدستورية.
وبينما يصر النائب وليد جنبلاط، حتى الآن، على رفض كل أشكال «المختلط»، علمت «الديار» ان وفدين من «اللقاء الديموقراطي» سيزوران اليوم رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية في بنشعي، وكتلة الوفاء للمقاومة في الضاحية.
ويؤكد النائب أكرم شهيب لـ « الديار» تمسك الحزب التقدمي الاشتراكي بالنظام الاكثري، لافتا الانتباه الى ان هناك بين الذين يحوكون خيوط صيغ «المختلط»، من يلجأ الى اعتماد الاكثري في المناطق التي تناسبه، ويستعين بالنسبي لتحسين وضعه في المناطق التي يشعر فيها بأنه ضعيف.
ويضيف شهيب: نحن لن نقبل ان نكون درجة ثانية، ودورنا لا يُقاس بعددنا، بل بشرعية العمل الوطني والتاريخ الحافل لوليد جنبلاط والحزب التقدمي. 
وينبه شهيب الى مخاطر الخطاب الطائفي والفرز الفئوي اللذين يقارب من خلالهما البعض مسألة قانون الانتخاب، لافتا الانتباه الى ان النسيج الاجتماعي للجبل لا يحتمل طروحات غير متوازنة، وبالتالي من غير الجائز ضخ مناخات تتعارض مع مسار المصالحة التاريخية التي تمت.  
ويعتبر شهيب ان الاصلاح السياسي الحقيقي يكون بالعودة الى اتفاق الطائف الذي يتضمن آلية معينة للوصول الى قانون الانتخاب، «من دون قصقصة ولا تلزيق»، مشددا في هذا السياق على أهمية انشاء مجلس شيوخ يراعي التوازنات الطائفية، واختيار مجلس نواب خارج القيد الطائفي. 
وفيما يحاول الرئيس سعد الحريري حماية علاقته المرهفة مع الرئيس ميشال عون من الارتجاجات السياسية، يقول مصدر قيادي بارز في «تيار المستقبل» لـ «الديار» ان ما يجري على مستوى قانون الانتخاب هو الجنون بعينه، معتبرا ان هذه الحصيلة هي نتاج المخالفات المتراكمة للدستور، بدءا من اقتراح القانون الارثوذكسي، وصولا الى اعتبار ان اختيار رئيس الجمهورية قرار مسيحي بالدرجة الاولى، مرورا بحصر الترشيحات الى الرئاسة بأربعة اقطاب ثم التسليم بمقولة الرئيس القوي، وغيرها من الامور النافرة.
ويذهب المصدر بعيدا في تحذيره من العواقب الوخيمة التي يمكن ان ترتبها مقاربة بعض القيادات المسيحية لقانون الانتخاب على قاعدة انه لا يحق للمسلمين ان يكونوا شركاء في اختيار النواب المسيحيين، محذرا من ان هذا النهج المتهور قد يدفع لاحقا بعض الاصوات الاسلامية الى طلب إعادة النظر في معادلة وقف العدّ، والتساؤل عن مغزى الاستمرار في اتباع مبدأ «المناصفة»، خصوصا ان الواقع الديموغرافي تغير.
ويؤكد المصدر- الذي كان معروفا بعدم حماسته لتولي عون الرئاسة - ان المطلوب الاحتكام الى الدستور، الكفيل وحده بوقف فوضى الطروحات المتمحورة حول قانون الانتخاب، مشددا على ضرورة تأسيس مجلس شيوخ يتابع القضايا الوطنية الكبرى، وانتخاب مجلس نواب خارج القيد الطائفي يتولى التفاعل مع هموم المواطنين ومطالبهم الخدماتية، وعندئذ لا يهم ما إذا كان النائب مسلما ام مسيحيا، وانما المهم ان يتحلى بالكفاءة المطلوبة.