هل أصبحت المملكة العربية السعودية وإيران على مسار التخفيف من حدة التوتر القائمة في العلاقات الثنائية؟ هذا هو التساؤل الذي حاولت وسائل الإعلام الإيرانية معالجته خلال الأسابيع القليلة الماضية، بحسب ما كتبت صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية، التي بدورها قدّمت مطالعة، خلُصت بنتيجتها الى أن "الحيلولة دون تدهور العلاقات بين الرياض وطهران لمستويات أدنى مما عليه الآن، ممكنة".
 
وفي سياق عرضها للمسألة، تنقل الصحيفة عن موقع "انتخاب" الإيراني اليومي، الموالي للرئيس حسن روحاني، قوله "إنّ من مصلحة إيران حالياً التخفيف من حدة التوتر القائمة مع المملكة العربية السعودية في الوقت الذي تخلق فيه إدارة الرئيس ترامب المزيد من الشكوك وعدم اليقين".
وفيما أشارت صحيفة "أرمان" الإيرانية اليومية إلى سبب آخر يدعو إلى تخفيف حدة التوتر بين الرياض وطهران، من خلال تسليط الضوء على رسالة التعزية التي أرسلتها قيادات خليجية إلى عائلة الرئيس الإيراني الراحل هاشمي رفسنجاني- الذي كان دائم الدعوة إلى تقريب العلاقات بين البلدي- لفتت صحيفة "كيهان" وهي وهي صحيفة معارضة، إلى أن السعودية قد نصحت الرئيس الأميركي الجديد بألا يلغي الاتفاق المبرم بشأن المشروع النووي الإيراني.
 
وتتابع صحيفة "الشرق الأوسط" القول بأن "تكهنات الاعلام الايراني بشأن احتمالات ذوبان الجليد بين الرياض وطهران بلغت ذروتها، من خلال الزيارة الخاطفة التي قام بها وزير الخارجية الكويتي إلى طهران الذي نقل خلالها رسالة من أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر، ما يشير إلى فتح حوار جديد وواسع بين دول مجلس التعاون الخليجي وإيران".
وفي هذا الشأن، تنقل "الشرق الأوسط" عن الباحث الايراني "مهدي رجبي" قوله "إن إيران دخلت موسم الحملة الانتخابية الرئاسية مع مخاوف بشأن التوترات الاجتماعية الداخلية المحتملة، اذ يستعد معارضو روحاني إما لمنعه من خوض السباق الانتخابي، وإما إلى هزيمته، لافتاً النظر الى ان روحاني كان قد أسس رئاسته للبلاد على أركان الاتفاق النووي مع إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما والتي وصفها الرئيس الإيراني بأنها "أكبر انتصار دبلوماسي في التاريخ الإسلامي"، واتخذها ذريعة للمزيد من التطبيع مع واشنطن. وعلى الرغم من كل ذلك، تسبب انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة بهزة شديدة للاستراتيجية الإيرانية المشار إليها، حيث تقوضت مزاعم روحاني بالنجاح المطلق في مجال السياسة الإيرانية الخارجية".
 
وتنقل الصحيفة أيضاً عن المحلل السياسي الإيراني "ناصر زماني" القول إنه "مع آمال التطبيع مع الولايات المتحدة التي تأجلت، إن لم تكن تبددت، والاقتصاد الإيراني الذي يعاني أعمق أزماته في الوقت الراهن، يحتاج روحاني إلى نجاح جديد في مضمار السياسة الخارجية. وأي بادرة على تطبيع العلاقات مع السعودية ستنال قدرها المعتبر من الشعبية لدى الناخبين الإيرانيين، وبالتالي تكون ذات فائدة سياسية كبيرة بالنسبة للرئيس روحاني. ومع ذلك، فإن الحسابات الانتخابية الداخلية قد لا تكون السبب الوحيد وراء تراجع لهجة العداء التي اعتمدها روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف، في الآونة الأخيرة، حيال المملكة السعودية. حيث يعتقد بعض المحللين السياسيين أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد لعب دوًرا مهًما في إقناع طهران بإعادة النظر في المواجهات القائمة مع المملكة العربية السعودية وحلفائها من دول الخليج العربي.
وبحسب "الشرق الأوسط" فإن المحللين النفطيين "يعتبرون أن التدخل من جانب بوتين كان حاسما ومهما في التوصل إلى اتفاق غير رسمي بين منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) والدول غير الأعضاء في المنظمة، ويهدف إلى خفض الإنتاج أملا في الوصول إلى استقرار أسعار النفط الخام العالمية. وتنفيذ مثل هذا الاتفاق يستلزم درجة من التعاون الوثيق بين المملكة العربية السعودية وإيران. ومع ذلك، لم يكن الاتفاق النفطي غير الرسمي هو البادرة الوحيدة على التخفيف من حدة التوترات بين البلدين العملاقين داخل منظمة (أوبك)، فلقد صدرت من جانب إيران، في العام الماضي، لفتة تتسم بالإيجابية من خلال مجموعة من المسلحين المتهمين بالهجوم، ونهب مبنى، السفارة السعودية في طهران.
 
وأظهرت المحاكمة أن المهاجمين قد تحركوا وفق موافقة ضمنية غير علنية من جانب أجهزة الأمن الإيرانية، مما يعني أن القادة الحقيقيين للاعتداء لم يتعرضوا للملاحقة القضائية في إيران. وعلى الرغم من ذلك، كانت تلك هي المرة الأولى التي يوصف فيها الاعتداء على السفارات الأجنبية بأنه جريمة وُيدان مرتكبوها في محاكمة علنية في إيران.
 
وتضيف الصحيفة: "هناك إشارة أخرى تفيد بتخفيف التوتر، جاءت مع اتفاق تسليم السلطة في لبنان، والذي بموجبه تولى العماد الأسبق ميشال عون، المرشح المدعوم من إيران، رئاسة لبنان، في حين تولى السيد سعد الحريري، المدعوم من دول مجلس التعاون الخليجي، رئاسة الوزراء في البلاد."
وجاءت إشارة أخرى خلال الشهر الماضي عندما أسقطت طهران شروطها الـ16 التي وضعتها من قبل بشأن عودة الحجاج الإيرانيين إلى موسم الحج هذا العام، وفق الشرق الأوسط.
 
وتتابع الشرق الأوسط بالقول: "للتأكيد على ما يمكن أن يكون عليه موقف إيران الجديد، أخفى السيد علي خامنئي رسالة كبيرة في واحدة من خطاباته الهجائية القاسية حول البحرين؛ حيث قال: "ليست لدينا النية للتدخل في شؤون البحرين". تلك الرسالة التي جاءت مثل الماء البارد الذي أطفأ لهيب خطبة جمعة سابقة عليها هاجم فيها المرشد الإيراني الأعلى مملكة البحرين داعيا خلالها إلى ضرورة العمل والتحرك العاجل هناك".
 
"وتبنى المسؤولون من المملكة العربية السعودية ومن إيران، خلال الأسابيع القليلة الماضية، لهجة تتسم بالهدوء والاعتدال حيال بعضهما البعض، وكانت في غالبها تدور حول الإشادة بالروابط الدينية والثقافية التي تجمع بين البلدين الكبيرين."
وتضيف صحيفة "الشرق الأوسط": "هناك صراع بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي، بقيادة المملكة العربية السعودية، في عدد من المواقع في منطقة الشرق الأوسط، ومن أبرزها العراق، وسوريا، والبحرين، واليمن. في العراق، يمثل الوجود المستمر لجنود الجيش الأميركي، والذي من المرجح أن يزيد في عهد الرئيس دونالد ترامب، عقبة كبيرة في مواجهة مشروع الهيمنة الإيرانية الطموح في المنطقة. ربما، وبمزيد من الأهمية، حتى الشيعة العراقيون ليسوا حريصين على رؤية بلادهم تتحول إلى دولة تابعة للنظام الإيراني بقيادة طهران. ووفقا لذلك، فإن الفرص السانحة أمام إيران للحصول على النفوذ الدائم في المحيط العراقي باتت مشكوكاً فيها.
 
وفي سوريا، لا تزال إيران ضالعة في الصراع هناك، وتمارس الحد الأقصى الممكن من النفوذ على البقية المتبقية من النظام البعثي. وعلى الرغم من ذلك، فإن الملف السوري لم يغادر، وربما لن يغادر، الطاولة الروسية في الوقت القريب، حيث لا تتمكن إيران إلا من لعب الدور الثانوي على أحسن الأحوال الممكنة.
 
ومع اكتساب العراق وسوريا للمزيد من الزخم ابتعادا عن مجال النفوذ الإيراني ومنافسته لمجال نفوذ دول الخليج العربي حيال نفس القضايا، لم يتبق سوى البحرين واليمن باعتبارهما أسخن نقاط المنافسة الراهنة.
يقول المحلل الإيراني زماني: "إن اختزال الصراع الكبير الممتد في قضيتي البحرين واليمن فقط من شأنه أن يمهد الطريق أمام الحوار البناء في المستقبل، ومن المحتمل أن رسالة أمير الكويت السرية إلى طهران قد تطرقت إلى هكذا احتمال. لا يتجاوز الدور الإيراني الكبير في البحرين حدود الدعاية، والخدمات اللوجستية، والدعم المالي للجماعات المتمردة هناك، والاتصالات بين أجهزة الأمن الإيرانية وجماعات المعارضة البحرينية، غالبا ما تتم خارج إيران، بما في ذلك مدينتا لندن وبيروت. ويسهل على إيران بكل بساطة الحد من تلك الاتصالات باعتبارها وسيلة من تهدئة التوترات مع دول مجلس التعاون الخليجي، ومن دون التخلي عن مزاعمها بدعم الطائفة الشيعية في البحرين."
وتضيف الشرق الأوسط أن "التورط الإيراني في اليمن هو الأكثر تعقيدا، ومصدر من أكبر مصادر القلق للمملكة العربية السعودية وحلفائها، حيث تتلقى الميليشيات الحوثية اليمنية الجانب الأكبر من موارد التسليح والتمويل من إيران في حين أن الخبراء العسكريين الإيرانيين لعبوا دورا رئيسيا في تصميم الأساليب التكتيكية بواسطة التحركات التي تتخذها الوحدات المقاتلة هناك. ومع ذلك، بدأت طهران في رؤية مغامرتها في اليمن باعتبارها مقامرة خاسرة. وربما ذلك هو السبب في أن زيارة الوفد الحوثي إلى طهران، والتي كانت مقررة خلال الشهر الحالي، قد أجلت إلى أجل غير مسمى، وفقا للمصادر الإيرانية. كما يساور طهران القلق أيضا من احتمال أنه، على أدنى تقدير، قد تعقد جماعة الحوثي اتفاقا مستقلا مع الرياض في مقابل تأمين نصيب من المشاركة في السلطة، مما يترك إيران مثل المتطفل في هذا الشأن. وهناك عامل آخر قد يدفع صناع القرار السياسي الإيرانيين إلى مراجعة سياساتهم إزاء اليمن. فالحكومة البريطانية ضالعة وبشدة في الجهود الرامية إلى إنهاء الصراع الدائر في اليمن في أسرع وقت ممكن.
 
وفي الوقت نفسه، تلفت الصحيفة الى أن "طهران شديدة الحرص على تعزيز علاقاتها مع لندن لضمان استمرار الاتفاق النووي المبرم، والمحافظة على قناة الاتصال مفتوحة إلى واشنطن عبر الحكومة البريطانية".
وفي ختام عرضها للدلائل والمؤشرات، تختم "الشرق الأوسط "بالاشارة الى ان التساؤل الذي يطرحه العديد من المحللين الآن يتعلق بما إذا كانت العلاقات الأفضل بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي هي من الأمور الممكنة.
 
وتتابع: "ومع ذلك، ربما ليس هذا هو السؤال الصحيح؛ فالعلاقات مع إيران لا يمكن أن تتحسن طالما أن المشاكل التي تتعلق بإيران ذاتها لم تلق حلولا أو تسوية".
 
وتختم الصحيفة السعودية بالقول: "إن السؤال الحقيقي المطروح، كما هو الحال على الدوام، هو: هل من الممكن الحيلولة دون تدهور العلاقات مع إيران لمستويات هي أدنى مما عليه الآن؟ الإجابة الممكنة على هكذا تساؤل هي: أجل".