... الانتخابات الرئاسية اللبنانية المقبلة، اتفاق الطائف، سياسات «التهديد والتفرّد». عناصر تشابكتْ على خطّ ملف قانون الانتخاب الذي يتحوّل تباعاً أشبه بـ «برميل بارود» تتعدّد «الفتائل» التي يمكن ان تفضي الى تفجيره لتتطاير شظاياه في أكثر من اتجاه، طائفي وسياسي.

وارتسمتْ في بيروت ملامح أزمة تنذر بأن تتحوّل «بقعة زيت» يمكن ان تتمدّد بعيداً في طريق العهد الرئاسي الجديد الذي لم يواجه منذ انتخاب العماد ميشال عون رئيساً واقع استقطابٍ سياسي يحمل أبعاداً طائفية و«جبهة رفْض» لسلوكياتٍ اعتُبرت تجاوُزاً لاتفاق الطائف، على خلفية ما رافق المناقشات حول المشروع الذي طرحه رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل لقانون انتخاب مختلط يجمع بين نظاميْ الاقتراع الأكثري والنسبي مناصفةً.

وبعدما حوصر هذا الطرح باعتراضاتٍ «بالصوت العالي» بدأتْ تقنية وتتّصل بما اعتبره رافضوه «غياباً للتوازن في توزيع المقاعد على النظامين الأكثري والنسبي الى جانب النية المضمرة لتوفير أرضية للثنائي المسيحي(التيار الحر) و(القوات اللبنانية) لحصد أكبر عدد من المقاعد بالأكثري وما أمكن بالنسبي وإلغاء قوى حزبية عدة»، توقّفت أوساط مطّلعة بقلق عند ما لاح في أفق هذا الملف من بوادر أزمة سياسية - وطنية قد تكون البلاد مقبلة عليها ما لم يعمد كل فريق الى «رمي المرساة» تفادياً لبلوغ مرحلة «حرق المراكب» التي يمكن ان تضع لبنان في ظل انفلات لعبة المزايدات من البعض وحشْر البعض الآخر نفسه «في زاوية» تعهّدات لا فكاك منها، في «بحرٍ هائج» سيكون من الصعب توفير «المرور الآمن» عبره في ظل «العواصف» المحيطة.

ولاحظتْ هذه الأوساط احتدام الموقف قبيل الاجتماع الذي عُقد للجنة الرباعية (تضم الوزيرين علي حسن خليل وباسيل والنائب علي فياض ونادر الحريري) والذي كرّس نعي طرح القانون المختلط بالصيغة التي قدّمها باسيل، وصولاً الى توجيه كتلة الزعيم الدرزي النائب وليد جنبلاط، الذي يشكل «رأس حربة» المعترضين على المختلط، أول «سهام مباشرة» للعهد.

وأعلن الوزير السابق وائل ابو فاعور بعد لقائه مع وفد من كتلة جنبلاط الرئيس السابق للحكومة نجيب ميقاتي رفْض «القانون المسخ الذي صيغ بنية واضحة لتوزيع المغانم بين القوى السياسية»، مشدداً على «ان اتفاق الطائف ملزم لجميع اللبنانيين، واذا كان هناك مَنْ يريد ان ينقلب عليه فليعلن هذا الامر صراحة لأننا نشتمّ رائحة انقلاب عليه في الكثير من السلوكيات».

وفي غمزٍ من قناة عون و«القوات اللبنانية»، اعتبر «ان اي تطوير للنظام يتم عبر الطائف، ولا يمكن لأحد ان يخرج عليه في اي موقع دستوري او سياسي او شعبي كان»، مضيفاً: «لا احد يهدد بمهل وغيرها وهناك دستور ونظام والمهل التي يُعلن عنها تعني أطرافها وليس أكثر». .

وفيما كان وفد كتلة جنبلاط يزور ميقاتي ويؤكد خلفيات اعتراض الزعيم الدرزي على قانونٍ يحجّم زعامته التاريخية ويضع طائفته أمام خطر «الذوبان»، كان الرئيس نبيه بري يتحضّر عبر الوزير علي حسن خليل لإبلاغ «اللجنة الرباعية» المطالَبة ببحث تطبيق النسبية الكاملة، في 13 دائرة وفق المشروع الذي سبق أن أقرّته حكومة ميقاتي العام 2012 او تطبيق الطائف (انتخابات خارج القيد الطائفي ومجلس شيوخ)، في حين تظهّرت بوضوح خلفيات بري و«حزب الله» في رفْض صيغة باسيل انطلاقاً مما كانت أشارتْ اليه «الراي» حول دخول الانتخابات الرئاسية المقبلة (2022) كعاملٍ خفي يثير التعقيدات في المسار لاستيلاد قانون جديد لا سيما بعد إعلان عون في إطلالة تلفزيونية قبل أيام انه يعدّ لـ «خلافة جيدة»، الامر الذي اعتُبر إشارة ضمنية الى باسيل.

وتولّى وزير الأشغال يوسف فنيانوس (ممثل النائب سليمان فرنجية في الحكومة) تظهير هذا البُعد بإعلانه «ان هذا الطرح الانتخابي بمعاييره المزدوجة والمتناقضة هو محاولة التفاف واضحة لإيصال اكثرية الثلثين للتحالف الثنائي (القوات) و(التيار الحر) للقبض على خناق الانتخابات الرئاسية المقبلة، بحيث يصبح بإمكانهم إما فرض رئيس الجمهورية المقبل وإما تعطيل الانتخابات اذا لم يكن المرشح الرئاسي الذي يريدون»، مؤكداً ان «هذه محاولة للإطباق على سليمان فرنجية والإمساك بخناق رئاسة الجمهورية ولن نسمح بها».

وبدا واضحاً من خروج هذا البُعد الى العلن ان «حزب الله» ليس في وارد السماح بتطويق فرنجية، هو الذي خاض مع بري معركة لضمان تمثيل وازنٍ له في الحكومة رغم انه لم ينتخب عون، لان الحزب يعتبر ان فرنجية هو الرئيس المقبل للبنان «مع وقف التنفيذ» بعدما اقتضت ظروف رئاسيات 2016 السير بعون لانه لم يعد ممكناً الخروج من دعمه، مع ترْك فرنجية الذي كان السيد حسن نصر الله وصفه بـ «نور العين»، للانتخابات الرئاسية التالية.

وبعدما لاقتْ «القوات اللبنانية» تهديد عون بالفراغ في السلطة التشريعية ما لم يُقرّ قانون جديد، معلنة بلسان النائب جورج عدوان انه «إذا لم يقر القانون خلال أسبوعين فالبلد سيذهب إلى مكان آخر لأن ما قبل موقف الرئيس عون ليس كما بعده»، حاول الرئيس اللبناني التخفيف من التوهّج السياسي مؤكداً «ضرورة اجراء الانتخابات في موعدها وإقرار قانون جديد يعطي كل فريق حجمه»، ولافتاً الى «أن 87 في المئة من اللبنانيين يريدون اجراء الانتخابات على اساس قانون جديد ولا يمكنني ان أتجاهل هذه التوجهات».

 

ليندا عازار: الراي