المشهد العام مشحون سياسياً، حتى إشعار آخر، ولا يبدو انّ البوصلة الانتخابية ستؤشّر في المدى المنظور الى بقعة الضوء التي سيقوم عليها القانون العتيد، ذلك انّ الغبار الكثيف الذي راكَمته الصيَغ والافكار المتضاربة وضع مَسار النقاشات الجارية في هذا الشأن أمام احتمالات مفتوحة على تصعيد وسلبيات ربطاً بالالتباسات التي شابَت الطروحات الانتخابية الاخيرة، وأبرزها الصيغة المختلطة المقدمة من الوزير جبران باسيل، والتي دفعت القوى السياسية كلها الى التمترس خلف طروحاتها ومسلّماتها الانتخابية، وكادت أن تهدد بانفراط اللجنة الرباعية.
وسط هذا الجو، عادت اللجنة الرباعية الى الاجتماع في وزارة الخارجية مساء أمس، في حضور وزير الخارجية جبران باسيل ووزير المال علي حسن خليل، والنائب علي فياض ومدير مكتب رئيس الحكومة نادر الحريري. وكان لافتاً للانتباه اعتماد أعضاء اللجنة السرية الكاملة حول مكان انعقادها، لتبقى في منأى عن الملاحقة الاعلامية لأعمالها.

وعلمت «الجمهورية» انّ اجتماع اللجنة، الذي بدأ عند السادسة والربع مساء واستمر لغاية الثامنة والنصف، دار في جوّ جدي وإيجابي، على رغم الاختلاف في وجهات النظر حول الصيغ المطروحة.

وبحسب مصادر واسعة الاطلاع فإنّ اللجنة انتهت، بناء على نقاشات أمس، الى قرار أكّدت من خلاله استمرار اجتماعاتها، وذلك حتى تتمكن من الوصول الى تحقيق نتائج. وعلى هذا الاساس ستعود الى الاجتماع في الايام القليلة المقبلة، حتى في غياب وزير الخارجية جبران باسيل الذي سيكون في جولة خارجية، حيث تقرر ان يحلّ مكانه في اللجنة النائب ألان عون».

وأشارت المصادر الى انّ الجلسة، أمس، كانت جديّة جداً، ومن ضمن هذه الجدية تمّ طرح أفكار انتخابية جديدة للنقاش، مع التركيز بشكل اساسي على الاشكالية الجنبلاطية وكيفية إيجاد حلول لها».

وقالت المصادر: على رغم وجود آراء مختلفة، وتحديداً حول صيغة المختلط التي قدمها باسيل، الّا انّ هذا الاختلاف لم يؤثّر في النقاش بالافكار الجديدة، حيث تمّت مقاربتها بموضوعية وواقعية، وكان الجو بنّاءً، والجميع يدركون حجم الإشكالات القائمة لكنّ هناك إصراراً على إيجاد مخارج وحلول.

وقالت مصادر لـ«الجمهورية» انّ اللجنة عرضت الالتباسات التي رافقت ما تسرّب عنها في اجتماعها السابق، حول الصيغة المختلطة التي قدّمها باسيل. وثمّة تساؤلات طرحت حول أسباب التسريب وموجباته والغاية منه، خصوصاً انّ اللجنة لم تصل الى نقاش حاسم في ما خصّ هذا الطرح وغيره من الصيغ والطروحات الأخرى، ومع ذلك هي مستمرة في نقاشاتها في العديد من الصيغ المطروحة، لكنها حتى الآن لم تبتّ في أيّ منه، خصوصاً انّ كلّاً منها يحتاج الى نقاش معمّق وجهود كبرى لبلوغ التوافق حولها.

وبحسب المصادر فإنّ اللجنة ليست معنية بكل ما يُقال خارجها، فهي تجتمع وتتشاور وستستمر في ذلك. وإنّ ما أثير حول انّ صيغة باسيل هي النهائية، لم يكن دقيقاً، فهي في الأصل تحتاج الى كثير من النقاش، لكنّ ردود الفعل التي تسبّبت بها أطلقت رصاصة الرحمة عليها، وبالتالي لم يعد في إمكان اللجنة مقاربتها.

مشروع ميقاتي

وفيما كان رئيس الجمهورية ميشال عون يقدّم أمام وفد نقابة الصحافة مرافعة دفاعية عن «النسبية»، وكذلك عن الصيغة المختلطة المقدّمة من باسيل على اعتبارها حلاً وسطاً، كانت قوى سياسية أخرى تلاقيه في موقفه مع «النسبية»، ونَعي الصيغة المختلطة الجديدة.

ويبرز هنا موقف الرئيس نبيه بري، وكذلك موقف «حزب الله» الذي وصل باعتراضه على الصيغة الجديدة للمختلط الى حدّ تحديد خياره بقبول أحد أمرين، إمّا النسبية الكاملة على مستوى لبنان دائرة إنتخابية واحدة كحدّ أقصى، وإمّا اعتماد المشروع المقدّم من حكومة الرئيس نجيب ميقاتي القائم على النسبية في 13 دائرة.

ومع اعادة إحياء مشروع ميقاتي، تساءلت اوساط سياسية عمّا اذا كان هذا المشروع سيشكّل نقطة انطلاق إلزامية جديدة في مسار النقاشات الجارية؟ باعتبار انّ التوافق حوله من القوى السياسية ذاتها كان شبه كامل.

وقال ميقاتي لـ«الجمهورية»: إنّ النسبية تشكّل المنطلق الأساس لتكوين الحياة السياسية عبر تحقيق المشاركة الشاملة للجميع في المجلس النيابي. والمشروع الذي أعدّته حكومتي وأحالته الى المجلس النيابي، هو مشروع متوازن يحقّق عدالة التمثيل وشموليته، وهو يحظى بموافقة الغالبية الساحقة من القوى السياسية.

فتوش: «المختلط» يخالف الدستور

واللافت للانتباه في هذا السياق ايضاً، كان الدراسة القانونية التي أعدّها النائب نقولا فتوش حيال القانون المختلط، وبَرزَ في خلاصته انّ هذا القانون مخالف لأبجدية المبادىء القانونية والنصوص الدستورية والقضية المُحكَمة وشرعة حقوق الانسان».

ويلاحظ فتوش في دراسته «انّ القانون المختلط يعتمد معايير مختلفة في تقسيم الدوائر، ويُخضع فئة من اللبنانيين للنظام الأكثري وفئة للنظام النسبي، وهذا تقسيم للمجتمع وتمييز في المعاملة بين المواطنين ناخبين كانوا أو مرشحين، في الحقوق والفرائض، ويتنافى في مبدأ المساواة من زاوية عدم إعطاء كل صوت من أصوات المقترعين القيمة الاقتراعية ذاتها، ومن زاوية عدم التوازن في التمثيل السياسي».

ويقول فتوش في دراسته: انّ هذا القانون المختلط يخالف الخصائص الرئيسية لحكم القانون، فسيادة القانون تعني انّ جميع الاشخاص (أفراداً وحكومة) من دون استثناء خاضعون للقانون، وهذا ما كرّسته المادتان 7 و12 من الدستور، وهو مخالف لمفهوم العدالة التي تفرض المعاملة المتساوية بين الناس والحكومة.

فحكم القانون يُحتّم خضوع الحكومة للقانون لا خضوع القانون للحكومة. لذلك فإنّ القانون المختلط الذي يَتشَدّق به البعض هو مخالفة جسيمة للمادة 7 من الدستور ولمبدأ المساواة، ولا يمكن الحديث عن قانون مختلط إلّا بإلغاء المادتين 7 و 12 من الدستور والمادة 7 من شرعة حقوق الانسان، والتعرّض للقضية المُحكَمة مخالفة قانونية جسيمة».

عون

الى ذلك، أوضح رئيس الجمهورية انّه مع النسبية المطلقة. وقال امام مجلس نقابة الصحافة: «أنا سأخسر أصواتاً عبر اعتماد النسبية، لكنني أقبل بذلك، لأنه كما أشَرتُ في كلمتي أمام السلك الدبلوماسي، قد تتوزّع المقاعد بين أكثرية وأقلية، ويكون كل طرف في حجمه الطبيعي، وهكذا يتمثّل الجميع ونربح الاستقرار الوطني والسياسي». ولفت الى انه مع العودة الى الشعب وإجراء استفتاء على المبدأ، لكن ثمّة من يقول انّ الدستور لا يسمح بذلك، ولكن لا يوجد نص يمنع ذلك ايضاً.

أضاف: «المهم هو القبول بالواقع، فمن خلال النسبية يأخذ كل فريق حجمه الطبيعي، الّا انّ المشكلة هي في انّ البعض لا يريد أن يأخذ حجمه الطبيعي.

وهناك حلّان طُرِحا الى الآن: الأول يقوم على اعتبار انه اذا لم تكن هناك رغبة بتغيير الدوائر الانتخابية، ففي كل دائرة، اذا كان هناك مرشّح لا تشكّل طائفته فوق ثلث الناخبين فيها فليذهب الى النسبية في المحافظة، ومن لديه أكثر من الثلثين فليبق ضمن الأكثري، وهو حلّ وسط وخطوة الى النسبية الأكبر. والثاني طرحه الرئيس بري من خلال موضوع التأهيل ضمن الطائفة كمرحلة أولى، وقد قبلنا بهذا الحل الثاني أيضاً كحلّ وسط».

وأشار عون الى اننا «إذا ما وصلنا الى مرحلة الخيار بين الفراغ أو قانون الستين، فإنّ خياري هو عدم دعوة الناخبين. أنا أدافع عن شعب اريد ان يكون تمثيله صحيحاً، والمطلوب هو نصرة الحق من خلال الإسراع في إقرار قانون عادل يريده نحو 87% من اللبنانيين، وعليّ احترام آرائهم».

«التكتل»

وأكمل تكتل «التغيير والاصلاح» موقف رئيس الجمهورية بموقف توضيحي لمساره الانتخابي، فأعلن انفتاحه على كل قانون يراعي المعيار الواحد ولا يكون على قياس أحد.

وذكّر بأنّ ما طرحه في الأساس هو القانون الارثوذكسي، الّا انه تدرّج وتفاعل مع شركائه في الوطن الى النسبية، سواء أكانت النسبية الكاملة ومع أيّ شكل من أشكال الدوائر، من الدائرة الواحدة الى المحافظات الخمس او السبع او الدوائر الـ13 او الـ15.

ثم تدرّج ايضاً نحو المختلط «عندما نادوا بالمختلط الذي لم يكن يوماً خيارنا، فإنّ كلّ ما طالبنا به بشأن المختلط هو المعيار الواحد كي لا نقع في الاستنسابية او القانون الذي هو على قياس أيّ من الفرقاء السياسيين».

وأكّد الرفض التام لقانون الستين، وقال: «إذا ذهبنا الى قانون عادل عَيّبتمونا، وإن عَقدنا تحالفات شَكَكتم بنا، لكننا لم نعقد ولم نتفق على مقاعد وعلى حصص مع أحد. لا يا إخوان الوثيقة أمامكم والوثيقة وراءكم، فبادروا أنتم ونحن بانتظاركم».

المشنوق

وفيما تستمر التحضيرات في وزارة الداخلية للانتخابات النيابية، جَدّد الوزير نهاد المشنوق التزامه إجراء هذه الانتخابات في موعدها. وقال: «كما التزمتُ إجراء الانتخابات البلدية، فأنا ملتزم إجراء الانتخابات النيابية. ومثلما نجحت قوى الأمن الداخلي والجيش اللبناني في حماية الاستقرار الأمني، فإنّ إجراء الانتخابات النيابية ونجاحها من شأنه تعزيز الاستقرار السياسي في البلاد».

جنبلاط و«اللقاء الديموقراطي»

في هذه الأجواء واصَل رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط تغريداته «التويترية» الساخرة، وجديدها أمس: «قانون الانتخاب، ريدوني ما من منريدك شَبّ منيح الله يزيدَك». يأتي ذلك في وقت تردّد فيه عن فتور يَشوب العلاقة مع رئيس الجمهورية، وتعزّز ذلك في إعلان «اللقاء الديموقراطي» انه يَشتمّ رائحة انقلاب على اتفاق الطائف.

وشملت زيارات اللقاء أمس، رئيس الحكومة سعد الحريري والرئيس نجيب ميقاتي. ووصفَ النائب وائل ابو فاعور القانون المختلط المتداوَل بـ«قانون مِسخ» صِيغَ فقط لتوزيع المغانم بين القوى السياسية. وقال: «اذا كان هناك مَن يريد ان ينقلب على اتفاق الطائف فليعلن هذا الأمر صراحة. ونحن لا نستبعد، لا بل نَشتَمّ رائحة ردّة على الطائف وانقلاب عليه، في الكثير من المسلكيات التي بدأنا نراها ونلمسها».

وبعد لقاء الحريري، أوضحَ الوزير مروان حمادة: «نحن لسنا في سجال مع أيّ طرف وخصوصاً مع فخامة الرئيس، ولا مع التيار الوطني الحر الذي هو كان مع الأسف قد بدأ الحديث بتوتر عن النزول إلى الشارع وفَرض قوانين إنتخابية معينة. نريد أن يرتاحوا ويأخذوا كامل حقوقهم، لكن لا نرضى أن يأخذ أحد حقوقنا».

وعندما سئل عن عدم توقيع رئيس الجمهورية مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، قال: «المجلس النيابي سيّد نفسه، ولا أحد يلزمه. ليس لأنه صدر كلام عن الفراغ وغيره، فالمجلس النيابي يستطيع في آخر يوم أن يقرّ مهلاً جديدة وقانوناً جديداً، حتى عشيّة الانتخابات نفسها».

«المستقبل»

وبَدا انّ تيار «المستقبل» قد نأى بنفسه عن نقاشات اللجنة الرباعية والطرح الأخير المقدّم من الوزير باسيل، حيث جَدّدت كتلة «المستقبل» تمسّكها بـ«صيغة قانون الانتخاب المختلط بين النظامين الأكثري والنسبي، وعلى وجه الخصوص بالمشروع الذي توافقت عليه مع اللقاء الديموقراطي والقوات اللبنانية، وبإجراء الانتخابات في موعدها من دون أيّ تأخير».

ولفتَ في موقف الكتلة إعلانها أنّ «تطبيق النظام النسبي الكامل في المرحلة الراهنة في ظل وجود السلاح غير الشرعي وانتشاره وطغيانه مسألة ستساهم في الإخلال بكل الموازين والقواعد والأسس التي قام عليها لبنان».

«الكتائب» و«14 آذار»

وفيما اقترح رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل عقد «خلوة طوارئ في بعبدا يُدعى اليها رؤساء الكتل النيابية إضافة الى الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري، لإجراء بحث معمّق ومتواصل في قانون الانتخاب»، قال قيادي بارز من مستقلّي 14 آذار لـ«الجمهورية»: إنّ «الثنائي عون - جعجع، الذي يسعى من خلال قانون الإنتخاب الى إنتاج ثنائية مماثلة للثنائية الشيعية ولمرجعية الرئيس الحريري على الساحة السنية ومرجعية النائب جنبلاط على الساحة الدرزية، إصطدمَ في ملف الإنتخابات بما سبق أن اصطدمَ به في مرحلتي الإنتخابات الرئاسية وتشكيل الحكومة».

واعتبر أنّ «حزب الله» الذي «يُمسك بمعظم خيوط اللعبة على الساحة السياسية اللبنانية، أوصَلَ رسائله الى من يعنيهم الأمر وخصوصاً على الساحة المسيحية من خلال الموقف الأخير للشيخ نعيم قاسم الذي شدّد على رفض «البحث في طريقة للمحافظة على بعض الزعامات حتى تختصر وتلغي الآخرين»، في إشارة منه الى رفض أن يسمح قانون الإنتخاب لـ«القوات اللبنانية» بتظهير نفسها صاحب القرار على الساحة المسيحية».

وأبدى القيادي المذكور اعتقاده بـ«أنّ «القوات» ستدفع في قانون الإنتخاب ثمناً سياسياً مماثلاً لِما سَبق لها أن دفعته في ملفّي الرئاسة والحكومة، عندما أصرّ «حزب الله» على ضرب صورة «صانعة الرؤساء» في عملية انتخاب الرئيس عون و«الشريكة المقررة والوازنة» في تشكيل الحكومة».

ودعا القيادي نفسه «الى إعادة النظر في سياسة اختصار تمثيل المسيحيين بثنائية عون - القوات، واستبدالها بالقواعد التاريخية للتمثيل المسيحي القائمة على التعددية الحزبية واحترام الخصوصيات المناطقية والميزات الإجتماعية للمسيحيين».