اقترب ملف قانون الانتخاب من مرحلة شديدة التوهج لا تتصل بعاصفة التحفظات والاعتراضات التي أثارها المشروع المختلط الذي طرحه رئيس "التيار الوطني الحر " الوزير جبران باسيل في "الاجتماع الرباعي" الاخير فحسب، بل ايضاً بما برز من ملامح اعتراضات على آليات سياسية محسوبة على الحكم باتت تجد اعتراضات كانت غابت عن المسرح الداخلي او انحسرت منذ انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية. ولعل النموذج المعبر عن تصاعد هذه الاعتراضات كشفته مصادر مواكبة للقاءات والاتصالات التي جرت في الساعات الاخيرة اذ قالت لـ"النهار" ان المأزق لم يعد تقنياً بل صار سياسيا تماماًلان ثمة جهات عدة بدأت تلهج بالاعتراض على "مقاربات تتسم بالتهميش والتفرد بالقرار ونبرة التعالي والتهويل وهو امر يتطلب معالجة قبل بت اتجاهات قانون الانتخاب".
واذ بدا واضحاً ان المشروع المختلط يواجه الترنح تحت وطأة اشتداد الطعن السياسي في جملة نقاط اساسية فيه ليس أقلها وحدة المعايير في تقسيماته بين النظامين النسبي والاكثري ورسم شبهة "الاجتصياح" الانتخابي لمصلحة القوى الحاملة لواء هذا المشروع وتهديد قوى وفئات حزبية ومستقلة أخرى، فان الحركة الدائرية التي يقوم بها "اللقاء الديموقراطي" على القيادات السياسية أبرزت امس بلوغ موقف "اللقاء" ذروته في التحذير من تداعيات هذا المشروع فيما سجل ايضا انضمام جهات اخرى الى اعلاء الصوت ضد المشروع. واعتبر الموقف الذي عبّر عنه النائب الاشتراكي اكرم شهيب عقب زيارة وفد من "اللقاء الديموقراطي" لرئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل بمثابة رسم لسقف حاسم لموقف رئيس "اللقاء " النائب وليد جنبلاط من تطورات الملف الانتخابي. وقال شهيب ان "ما نسمعه ونقرأه نعتبره مشروعاً هجيناً فيه نبرة استعلاء وبعض الرغبة اذا تمكنوا في الالغاء وهذا غير وارد في قاموسنا السياسي". وشدد على "اننا نسعى الى التوازن والتلاقي من اجل قانون يرضي الجميع ولا يختصر فريقاً أو يلغيه من خلال تفصيل قانون على مقاسات محددة بين الاكثري والنسبي في مناطق محددة". ومن المقرر ان يزور وفد من "اللقاء الديموقراطي" اليوم الرئيس نجيب ميقاتي، كما يزور الخميس بنشعي للقاء رئيس "تيار المردة " النائب سليمان فرنجية. وكان ميقاتي اخذ بدوره موقفاً سلبياً من المشروع المختلط محذراً من "محاولة جديدة لتفصيل قانون الانتخاب على قياس الاشخاص والتحالفات واختزال أصوات الناخبين عبر نموذج انتخابي يحمل الكثير من سيئات قانون الستين". ولفت الى ان "ما يجري تداوله يعني عملياً الكيل بمكيالين وتطبيق نظرية ما لنا لنا وما لكم لنا ولكم" ودعا الى حل من اثنين "إما العودة الى مشروع القانون الذي اقرته حكومتنا السابقة الذي يعتمد النسبية الكاملة على 13 دائرة انتخابية وإما العودة الى اتفاق الطائف باجراء انتخابات خارج القيد الطائفي وانشاء مجلس شيوخ تتمثل فيه كل الطوائف وفق روحية ما سمي القانون الارثوذكسي".

 

... واعتراض شيعي
في غضون ذلك، علمت "النهار" ان "حزب الله" وحركة "امل" سيبلغان في اجتماع اللجنة الرباعية الذي ينعقد اليوم في وزارة المال اعتراضهما على صيغة القانون المختلط الذي طرحه الوزير باسيل. واذ كان يفترض ان يستكمل النقاش في شأن هذه الصيغة لتبدي القوى موقفها النهائي منها، بدأ يتسرّب اعتراض الفريق الشيعي وعدم ارتياحه الى طريقة تصنيف المقاعد. وفِي هذا الإطار، سجّلت مصادر قريبة من هذا الفريق على هذه الصيغة: أولاً اشكالاً دستورياً بالتعامل مع المسيحيين كطائفة ومع المسلمين كمذاهب. وثانياً اشكالاً جوهرياً من الناحية التقنية بأن يكون في كل محافظة الجنوب مقعد أو مقعدان فقط على النسبية، وهذا غير متكافئ مع كل المحافظات الاخرى التي يوجد فيها مقاعد على النسبية تراوح بين ٦ و٧ و٩ و١١، مما يجعل هذين المقعدين من دون معنى ولا تصنيف ولا تكافؤ مع حجم النسبية في المحافظات الاخرى.
واشارت المصادر المعنية الى ان هذا الطرح الذي تقدّم به "التيار الوطني الحر" أدخلت تعديلات عدة عليه لمراعاة المشكلة الجنبلاطية وملاحظات "تيار المستقبل" عليه، علما ان "المستقبل" لم يقل بعد رأيه فيه على رغم التعديلات التي طرحها.
كما علم ان الصيغة التي طرحها الفريق الشيعي والتي يعتبرها عادلة هي التأهيل على الاكثري في القضاء والانتخاب على النسبي في المحافظة، لكن قوى أساسية سجّلت تحفظات عليها. لذلك يستمر هذا الفريق في مطالبته بالنسبية وفق تطبيقات مختلفة احداها التطبيق الذي طرحته حكومة الرئيس ميقاتي.
وتقول المصادر نفسها إن النقاش لا يزال في منتصف الطريق وليس صحيحاً انه على وشك ان ينتهي الى نتيجة. اما عن قرب انتهاء مهل القانون النافذ فتقول إن التعامل يتم معها بجدية والفريق الشيعي يريد ان يكون هناك قانون انتخاب جديد لكنه يريده عادلاً يقوم على نسبية تنطبق معاييرها على الجميع.

 

فنيانوس: لن يمر
غير ان الوزير يوسف فنيانوس ممثل "المردة " في الحكومة نعى صيغة القانون المختلط وأكد لـ"النهار" بعد اجتماعه مع النائب ميشال المر امس موفداًً من النائب سليمان فرنجيه "أن الموقف كان واحداً برفض المختلط المطروح من الثنائي المسيحي". وقال فنيانوس: "هذا الطرح الانتخابي بمعاييره المزدوجة والمتناقضة هو محاولة التفاف واضحة لإيصال اكثرية الثلثين للتحالف الثنائي "القوات" و"التيار الوطني الحر" للقبض على خناق الانتخابات الرئاسية المقبلة، بحيث يصبح بإمكانهم إما فرض رئيس الجمهورية المقبل وإما تعطيل الانتخابات اذا لم يكن المرشح الرئاسي الذي يريدون. وهذا الامر لسنا وحدنا المسيحيين المستقلين لن نسمح به بل كل القوى السياسية الاخرى".
وأضاف:" نحن لسنا ضد وحدة المسيحيين لا بل بالعكس نحن مع وحدتهم، ولكن سبق لهم ان توحدوا على معيار واحد في بكركي بأن يقفوا مع أي مرشح منهم يحظى بفرصة الوصول الى الرئاسة، وعندما أتت الفرصة لفرنجيه لم يقفوا معه. وما الذي يمنع ان تتكرر هذه التجربة بأنه اذا لم يكن المرشح من "القوات" أو "التيار" لرئاسة الجمهورية فان الرئاسة لن تمر؟"
وختم فنيانوس: "هذه محاولة للإطباق على سليمان فرنجيه والإمساك بخناق رئاسة الجمهورية ولن نسمح بها".

الكتائب
وقال مصدر كتائبي لـ"النهار" إن ردود الفعل والملاحظات والاعتراضات التي ظهرت على المشروع المختلط على الساحتين الاسلامية والمسيحية تثبت ان مشروع الدوائر الفردية الذي طرحه حزب الكتائب أو مشروع الصوت الواحد يمكن ان يكون الحل للمخاوف التي تعتري الكثير من الفئات السياسية والحزبية، من غير ان يعني ذلك ان الحزب تخلى عن سياسته الايجابية وانفتاحه على البحث في كل الصيغ التي يمكن ان تحقق النتائج المرجوة.
وتمنى المصدر الكتائبي ان ينتقل أهل الحل والربط في لبنان من مرحلة تصفية الحسابات السياسية في وضع قانون للانتخاب الى مرحلة التوافق على قانون يكون المدخل الى الاستقرار السياسي المطلوب للبنان بدل ادخال لبنان واللبنانيين في دورة جديدة من الازمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ولمح الى "مبادرة" يعد لها النائب سامي الجميل في هذا الاطار خلال الساعات المقبلة.