لم يتأخر كثيرًا الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب في الايفاء بوعود كان قد قطعها على نفسه خلال حملته الإنتخابية.
فمنذ أن وطأت قدماه البيت الأبيض حتى سارع إلى التوقيع على جملة قرارات وهي وإن لم تشكل مفاجأة للكثيرين ولكنها شكلت صدمة في الداخل الأميركي وخارجه وكانت مثارا للجدل للكثير من القطاعات وعلى كافة المستويات سيما وأنها جاءت مغايرة لقواعد العلاقة التي تربط الولايات المتحدة الأميركية بدول العالم وللأصول المتبعة في أنظمة المؤسسات الأميركية وعلاقتها فيما بينها، إذ أن أحدا لم يعتد على حجم هذه الخطوات السريعة التي لجأ إليها ترامب من اي ممن سبقه إلى البيت الأبيض لا في شكلها ولا في مضمونها ولا في تردداتها المحتملة ليس على المستوى الداخلي فحسب إنما على مستوى العالم.
على أن الأخطر في قراءة جدول الأوامر التنفيذية التي وقعها ترامب أنها جمدت العمل في قطاعات واسعة من دون تحديد البديل في كل قطاع.
فالأمر التنفيذي الأول طاول القطاع الصحي الذي يعني صحة الأميركيين والمقيمين على الأراضي الأميركية فشكل صدمة حقيقية داخل الولايات المتحدة الأميركية من خلال تجميد البرنامج الصحي الذي جهد سلفه باراك أوباما ثماني سنوات لتنفيذه.
وكذلك فإن الخارجية الأميركية لم تعرف في التاريخ الأميركي اجراءا مماثلا كالذي اعتمده الرئيس الجديد وقضى بتجميد العمل في أكثر من 85 سفارة أميركية منتشرة في كافة أنحاء العالم طلب إلى المعتمدين فيها وقف نشاطاتهم وأعمالهم من دون تعيين البدائل.
إقرأ أيضًا: إيران أمام معادلة جديدة في سوريا
إلا أن الملف الأكثر إثارة للجدل هو ملف النازحين واللاجئين السوريين في الولايات المتحدة الأميركية والعالم حيث توسعت ازاءه ردود الفعل العالمية كل في نطاق اهتماماته ونفوذه بالنظر إلى حجم القرار وما نتج عن التصنيف الجديد الذي اعتمده تجاه بعض الجنسيات والدول التي جمد دخول أبنائها إلى الأراضي الأميركية لأربعة أشهر وتلك التي لم يحدد سقفا زمنيا ليسمح لهم بالتفكير في التوجه إلى أراضيه.
وبمجرد التوقف عند التصنيف للنازحين واللاجئين السوريين من بين لائحة المحظور عليهم الدخول إلى الأراضي الأميركية والكشف عن مهلة التسعين يوما التي أعطاها لكل من وزارتي الدفاع والخارجية لوضع الخطط اللازمة لأنشاء المناطق الآمنة في سوريا وحيث يمكن توطينهم حتى تلاحقت ردات الفعل في العواصم والدول المعنية بالملف السوري وتحديدا من موسكو التي حذرت من مغبة هذا القرار ليس لسبب سوى أن البيت الأبيض لم يناقش مثل هذه الخطوات الأحادية مع الكرملين.
وقد جاءت قرارات الإدارة الأميركية الجديدة في ذروة النجاح الروسي في سوريا وبعد هيمنة القوات الروسية على مفاصل الأزمة السورية عسكريا وسياسيا، واستقطاب تركيا إلى جانب موسكو حيث وجدت واشنطن نفسها خارج المعادلة السورية، وظهر ذلك جليا في التمثيل المتواضع للولايات المتحدة الأميركية في مؤتمر الاستانة الذي انعقد مؤخرا في كازاخستان بين فصائل المعارضة السورية من جهة والنظام السوري من جهة ثانية. فيما برزت روسيا وتركيا وإيران بقوة في هذه المحادثات وخصوصا بعد تمكن الجيش السوري من استعادة حلب وقبول فصائل مسلحة أساسية بالذهاب إلى طاولة المحادثات في استانة.
إقرأ أيضًا: هذا ما تسعى إليه إيران في سوريا
وعليه فإن القرار الأميركي بإنشاء مناطق آمنة في سوريا من شأنه خلط الأوراق مجددا لأنه يوفر لتركيا حرية التحرك للابتعاد عن محور موسكو- طهران والعودة إلى الرهان على الحل العسكري كوسيلة لأسقاط النظام. وهذا من شأنه أن يدفع بفصائل المعارضة السورية التي تتخذ من الأراضي التركية مقرا لها للعودة إلى الرهان على الحل العسكري.
وفي هذه الحال تبدو الحرب السورية مرشحة للدخول في طور جديد من التصعيد العسكري خصوصا وأن روسيا وايران لن يتخليا عن مصالحهما في سوريا مهما كانت الظروف وكيفما الت الأمور، ذلك أن التطور الأميركي من شأنه ان ينسف الإنجازات السياسية والعسكرية التي حققتها موسكو في الميدان السوري.
وفي ظاهر الأمور فإن القرار الأميركي بنسف الجهود الروسية قد يلتقي مع مصلحة بعض فصائل المعارضة السورية التي ترفض الدور الروسي وتقاوم بشدة المساعي الجارية للتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية برعاية روسية - تركية - ايرانية.