يحدثنا القرآن الكريم عن نوعين من الأبناء بمن فيهم أبناء الأنبياء (ع) ، نوع أطاعوا آبائهم حتى في الموت، ونوع عصوا آبائهم حتى في النجاة !!
فها هو إسماعيل بن نبي الله إبراهيم الخليل (ع) يطيع والده في الذبح لمجرد أن "لمح" له والده إبراهيم (ع) بأن الله يأمر بذبحه !!.
قال تعالى حاكيا لنا قصة الذبح هذه : {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِين} [الصافات/102]
بينما نجد إن ابن نبي الله نوح (ع) يعصي والده حتى في ركوب السفينة لينجو من الغرق، رغم أن والده صرَّح له بأنه سيهلك لو لم يركب السفينة ولم يكتف بالتلميح !! .
قال تعالى : {وَنَادَىٰ نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِين & قَالَ سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ ۚ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمرِ اللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ ۚ وَحَالَ بَينَهُمَا الْمَوجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغرَقِين} [هود/43/42]
لكن السؤال الكبير والخطير هو : إذا كان الولدان أبناء انبياء وتربية أنبياء، فلماذا كان الإختيار العجيب لكل منهما مختلفا عن الآخر، رغم أن من عصى قد طُلب منه أن ينجو فرفض، ومن أطاع قد طُلب منه أن يُذبح، فَقَبِل ؟!!
الجواب الملفت جداً للإنتباه، هو في صفات أم كل من الولدين، والتي كانت كل واحدة منهما تحمل صفات نفسية وطبعية تختلف عن الأخرى اختلافاً جذريا . فامرأة نوح (ع) كانت عاصية لزوجها وخائنة لأمانة الزوجية التي تفرض عليها طاعة ربها وزوجها كما أخبرنا بذلك القرآن الكريم، فكان عرق العصيان والتمرد فيها قد انتقل ودُسَّ في ولدها، وهذا العرق هو الذي كان يحركه ويدفعه إلى عصيان والده النبي الرؤوف بولده، حتى في النجاة من الهلاك !! .
بينما نجد أن إمرأة النبي إبراهيم (ع) السيدة هاجر كانت إمرأة مطيعة وصابرة كما أخبرنا بذلك القرآن الكريم أيضا، لدرجة أن زوجها وضعها هي وولدها في واد غير ذي زرع، وبالتالي لا ماء ولا ظل، وفي صحراء قاحلة، وذلك لإحياء أمر الله تعالى كي يقيم الناس الصلاة عند بيت الله المحرم، فأطاعته وصبرت واحتسبت، حتى جعل الله العظيم خطوات أقدامها شريعة واجبة ومناسك للحج، تعظيما لها !! ، وهذا ما نتج عنه أن تكون أعراق السيدة هاجر في الصبر والطاعة لله والزوج، والتي انتقلت لولدها إسماعيل، هي التي تحرك إسماعيل وتدفعه إلى طاعة أبيه حتى في الذبح لمجرد التلميح به !!
ومن هنا نجد أن رسول الله (ص) قد أمر الرجال بحسن اختيار الزوجة من جهة أعراقها وطبائعها، وعدم الإكتفاء بمالها وجمالها، وقال : تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس . وقال (ص) : الخال أحد الضجيعين . وقال أمير المؤمنين لولده محمد بن الحنفية عندما أصابه جُبنٌ في معركة الجمل : أدركك عِرقٌ من أمك . بينما يقول علماء التربية : تربية الولد تبدأ باختيار أمه.