كثرت في الآونة الأخيرة البرامج الفكاهية، التي تهدف إلى إضحاك متابعيها من كلّ الفئات العمرية. تُعرض هذه البرامج، بعد الساعة الثامنة والنصف مساءً، حيث، من المفروض، أن يكون الأطفال في أسرّتهم، يتحضرون للنوم. يستمتع مشاهدو هذه البرامج، ويضحكون على ما تتضمّنه من كلمات و"حركات" وإيحاءات منها مضحكة ومنها تتخطّى بعض الأحيان "الضحك"... فهذه البرامج الفكاهية لا تخلو من النكات والهفوات التي يأخذ معظمها طابعاً إيحائياً جنسياً. ولكن هل هذه البرامج مهمة لحياة الإنسان؟ وما تفسير علم النفس لها، خصوصاً أنّ البعض يرى فيها متنفّساً كوميدياً والبعض الآخر، إنحداراً أخلاقياً؟ في إحدى كتبه الشهيرة حول الأمراض النفسية والحياة اليومية، إعتبر سيغموند فرويد، طبيب الأعصاب وأب التحليل النفسي، بأنذ الإنسان ليس بحاجة إلى التخيلات الجنسية أو الإيحاءات إلّا إذا كان غير مكتفٍ جنسياً.

حالياً، تظهر على الكثير من محطات التلفزيون، برامج كوميدية مضحكة وكلّها تدور بطريقة مباشرة أو غير مباشرة حول الإيحاءات الجنسية، وتعززها وتجعل المشاهد يضحك في آن ويتعجب في آن آخر خصوصاً عند إستعمال بعض الكلمات والجمل والتعابير التي يعتبرها البعض غير مستحبة، خصوصاً أنّ شاشات التلفزيون هي الزائر الدائم لكلّ بيت في كلّ ليلة، بينما يعتبرها البعض الآخر مضحكة وتندرج ضمن "حرّية التعبير".

الإيحاءات الجنسية والبرامج التلفزيونية

يستسلم الإنسان عادة لأحلام اليقظة، ومعظم هذه الأحلام تكون ذات طابع جنسي، خصوصاً إذا ما شاهد مشهداً أو سمع خبراً ذات صلة مع خياله الجنسي. وهذا الأمر ليس بالعيب أو اللا أخلاقي لأنه من خلال "هذا المشهد" أو "هذا الخبر" يستسلم الإنسان لغريزته الجنسية ويبدأ بتخايل الموضوعات التي عادة ما لا يتكلم عنها بشكل علني. وهذا هو هدف بعض البرامج التي يشاهدها بعض الأشخاص وطبعاً لا يمكن الجزم بأنها ليست مضحكة ومسلّية في آن واحد.

وهذه البرامج:

• تعزّز الخيال عند الإنسان.

• تخفّف من القلق الذي يشعر به بعد يوم طويل في العمل.

• تنفّس عن مشكلاته من خلال بعض اللحظات المضحكة التي يشاهدها.

ولكن هناك أيضاً برامج تحتوي على تلميحات جنسية وتؤثر سلباً في جميع المشاهدين أكانوا كباراً أو صغاراً. ويعتبر البعض بأنّ هذه البرامج لا تعزّز ثقافة الإنسان، لأنّ الجنس والعلاقة الحميمة علم ويمكن تفسيرهما في شقهما الثقافي من دون أن ينحدر البرنامج في كلمات وتعابير تخفّف من قيمة الإنسان الأخلاقية. لذا يجب الإنتباه في إستعمال بعض التعابير التي يمكن أن تسيء للبرنامج.

هل هذه التلميحات مُباحة وضرورية للمشاهد؟

أكد علم الجنس بأنّ الخيالات الجنسية واسعة الإنتشار وهي جزء مهم وأساسي من ذهن الإنسان وبالتالي مرتبطة بالحياة الجنسية. التحليل النفسي يجد أنّ التخيّلات الجنسيّة تعبير عن "جوع جنسي" وبسبب عدم الإكتفاء الجنسي، يستسلم الإنسان لهذه التخيلات والأفكار وبالتالي يهرع لحضور هذه الأنواع من البرامج، وينتظرها أسبوعاً بعد أسبوع لأنها تحرّك مشاعره وإحتياجاته المكبوتة.

ولكنّ علم النفس المعاصر والدراسات النفسية الجديدة اعترفت بأنّ الخيالات الجنسية طبيعية ويجب أن تخطر ببال كلّ إنسان. لذا فإنّ البرامج التي تحفّز هذه الخيالات من خلال تعابير غير مباشرة يمكن أن تكون "صحّية" من الناحية النفسية للراشدين.

ونجد تفسيرين متناقضين لهذه الظاهرة التي تسمح للإنسان بالإستسلام لمخيّلته بشكل مباشر أو غير مباشر. وهنا يطرح السؤال نفسه: هل يجب مشاهدة هذه البرامج؟

لهذا السؤال، أجوبة متعدّدة يمكن أن تُختصر من خلال التكوين الشخصي للإنسان، وطبيعة علاقته مع الآخرين، وكيف ينظر إلى حياته الخاصة، وهل يحب هذا النوع من البرامج... ولكن كإختصاصي في التحليل النفسي والأمراض النفسية، أقدّم بعض النصائح النفسية، وهي:

• الإختيار الصحيح للبرنامج الذي يجيب على الحاجات النفسية والإجتماعية للمشاهد، وللتجارب الشخصية التي يمرّ بها كلّ إنسان. وما يراه ويسمعه أو يقرأه له دور في إختيار البرنامج الذي يريده.

• معرفة ما يحتوي البرنامج من فقرات تعطيه معنىً واضحاً. ويعني ذلك، إذا إختار الإنسان برنامجاً كوميدياً، سينتظر من فقراته الضحك والتسلية والفكاهة وليس العكس.

• الإنتباه الى محتوى البرنامج والعمر المناسب للمشاهدة خصوصاً البرامج المسائية التي يمكن أن تحتوي على بعض التعابير أو الجمل غير المناسبة لجميع الأعمار.

• حرّية الإختيار وحرّية التعبير عن المواقف أساسية لحياة الإنسان وتوازنه النفسي. ولكن يجب الإنتباه إلى الفرق بين حرّية التعبير وإستعمال بعض التعابير التي لا تليق بالظهور على شاشات التلفزيون.

• فارق الجنس يلعب دوراً أساسياً. فالرجل أكثر تخيلاً من المرأة، وتخيلاته ترتكز على مظهرها، بينما تنصرف المرأة إلى كيفية الإهتمام بالرجل وليس بمظهره. لذا نرى في بعض البرامج أنّ المشتركات يهتممن ليس فقط بمظهر الشاب ولكن بطريقة إهتمامه بالمرأة. وفي هذا البرنامج نفسه، عندما يريد الشاب إختيار فتاة، يختارها حسب شكلها الخارجي.

أخيراً وليس آخراً، يجب أن تكون البرامج التلفزيونية مختلفة عن بعضها البعض وليست بصبغة واحدة. ففي باقة برامج محطة تلفزيونية معيّنة، يجب أن نجد برامج الأطفال الثقافية والبرامج المسلية والبرامج الكوميدية والبرامج الثقافية... والأهم من ذلك أن تكون جميعها، ضمن إطار يحترم المشاهد آخذاً في الإعتبار العقلية الشرقية المحافِظة وحرية التعبير.