لا عتبَ على الرئيس الأمريكي ترامب في قراراته وخياراته التي يراها البعضُ أنها عنصرية وحاقدة ، فلعله يفعل ما يراه خيراً لأمته ولقارته وهو رب بيته وعمله، وليس لنا التدخُّلُ في شؤون الآخرين، وإنما غضبنا يشتدُّ ويحتدُّ على قادة وحكام الأمة الإسلامية والعربية، حيث بلادهم ملتقى الثقافات والحضارات والأديان ومهبط الوحي والرسالات، وهي الغنية بمواردها البشرية وفي باطن الأرض تجري فيها أنهر المياه العذبة والذهب الأبيض والأسود والمواد الخامة للصناعات، فالله جعل خيرات الأرض في الوطن العربي، فلو أنَّ الدول العربية أقامت نظام الكونفيدرالية ووضعت استراتيجية على نسق الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي واستصلحت الأراضي الزراعية، واستفادت من الأدمغة المنتجة والمبدعة لَمَا رأينا شبابَ العرب يهاجرون إلى أي بلد إلا وطنهم العربي، فبلادنا تكفينا وتأوي كل نازح ولاجئ وطالب عيش كريم لو أحسنَّا إدارةَ الحكمِ والسلطةِ بالعدالة والأمانة والتنمية.
لا ألومُ الرئيسَ ترامب في خطاباته التي استفزَّتِ المسلمينَ فهذا عهدُهُ وشأنُه، وإنما نَلُومُ رؤوساءَ حكوماتِنا ودولنا الذين يُبدِّدُونَ ثَروات الأمة على شهواتهم ورفاهيتهم وبطانتهم وفساد مشاريعهم وعلى صفقات التسلح الخردلة والتي صدأت في المخازن بدل إنفاقها على الإصلاح الزراعي والأكاديمي والعمران والبنُى التحتية ودعم العقول والأدمغة والعباقرة التي هي فخر الأمة والمجتمع العربي بكل أديانه ومذاهبه وعرقياته وحضاراتِهِ.
إقرأ أيضًا: ترامب يتجاهل إيران وإيران تنظر إليه بإيجابية
فقط أريد التذكير بأن بلادنا كانت حلم الأوروبيين في الهجرة إليها عند الحربين الأولى والثانية وعندما أصابتهم المجاعة والصراع الديني والفساد السياسي والإداري.ففي عام 1977م اعلنت اليونسكو أنَّ التعليمَ في العراق هو الأفضل في الشرق الأوسط، وفي العام 1932 كان الدينار العراقي يعادل 486 دولار أميركي، فسبحان مغيِّرَ الأحوال، وتم القبضُ في سنة 1946على مركبٍ يحمل مواطنين أوروبيين متسللينَ إلى شواطئ الإسكندرية بحثاً عن فرصة عملٍ وحياةٍ أفضلَ من أوروبا، وفي العام 1925 فازت القاهرة بجائزة أجمل مُدُن العالَم، وفي العام 1947 زار الرئيس الأميركي السابق هيربرت هوفر جمهورية مصر لطلب المعونة بسبب المجاعة التي اجتاحت أوروبا بعد الحرب.
فترامب لم يصدمني في شيء طالما أنَّ أحزابنا الحاكمة تهجِّرُنا وتقتلنا بغبائها وبسفهائها وبمافياتها بثوب مديرٍ ونائبٍ ووزيرٍ ورئيس.فأحزاب أمريكا والغرب صناعةٌ وطنيةٌ محليةٌ المنشأ والتكوين وبهدفٍ نبيل وبتمويل من المجتمع الأهلي، وهي تجهدُ وتسعى لحماية مواطنيها وتعمل على رفاهيتهم،لذا هم وطنيون.
فأنا كلبناني أعتبر قرار وخطاب ترامب لا يثير غضبي طالما اللبنانيون يعيشون الغربةَ في أوطانهم، فابنُ النبطيةِ الشيعي لا يجرؤ أن يفتح محلاً تجارياً في مناطق السنّة، وابن طرابلس السُنَّي من المستحيل أن يستثمر في قلب الضاحية، وابن كسروان المسيحي يتخوَّف أن يُنشِئ مصنعاً وشركة في بلدات السنّة والشيعة والدروز.
إقرأ أيضًا: ترامب يُظهر عنصريته خلال مسرحيته الأولى
فكلُّ رئيسِ طائفةٍ وحزبٍ علماني أو ديني في لبنان يتقمّص شخصيةَ ترامب، فنحن أكثر مَن يرفض ويلعن الآخر، حتى من ضمن الطائفة الواحدة، فسنّة بيروت يتحسّسُون من سنة الأطراف وكذلك باقي الطوائف لبعضها، ونظرة ابن المدينة دُونية لأبناء الأرياف.
فنحن نفسيتنا وسلوكيتنا وأسلوبنا ونظرتنا للآخر المختَلِف صورة عن ترامب.
وللأمانة فقط فإنَّ الشعب الأميركي طيب ومسالِم وخليط من الشعوب المهاجرة والمسلمون فيه مكوِّن نخبوي وقيمة وجودية كباقي المكوِّنات.