نشرت صحيفة "تسايت" الألمانية، مقال رأي للصحفي الألماني، ياسين مشربش، سلط من خلاله الضوء على "الخطة السرية" التي أعدها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، للقضاء على تنظيم الدولة، والتي قد تتضمن "انتهاكات جسيمة" لحقوق الإنسان، مثل قتل عائلات أفراد التنظيم والاستيلاء على الموارد النفطية العراقية.
وقال الكاتب إن الرئيس دونالد ترامب ما فتئ يطلق تصريحات مثيرة للجدل في كل مرة يتناول فيها مسألة محاربة الإرهاب والقضاء على تنظيم الدولة. ولعل أبرز مثال على ذلك، تصريح ترامب بأنه "من أجل مواجهة الإرهابيين يجب قتل عائلاتهم".
وأضاف ترامب في مناسبة أخرى: "لدي رسالة بسيطة لمقاتلي تنظيم الدولة، إن أيامهم باتت معدودة، لن أقول لهم أين وكيف سأقضي عليهم، إذ إن تحركاتنا يجب أن تكون غير متوقعة. في الحقيقة، سوف تحل مشكلة تنظيم الدولة عندما يتم انتخابي رئيسا".
وأورد الكاتب تصريحات أخرى لترامب، تتعلق بالأساس بتنظيم الدولة، مثل قوله إنه يملك "معلومات عن تنظيم الدولة أكثر من جنرالات الجيش الأمريكي أنفسهم. إني أتعهد بقصف تنظيم الدولة بشكل سريع وحاسم".
ونقل الكاتب تصريح ترامب الذي أدلى به مؤخرا، حيث قال إنه كان على أمريكا السيطرة على موارد النفط بعد غزو العراق سنة 2003، وقال: "السيطرة على مصادر النفط في العراق مسألة ضرورية لمنع تمويل تنظيم الدولة. كان على الولايات المتحدة وضع يدها على كل موارد الشعب العراقي لمنع تمويل التنظيم". وفي الأثناء، لمح ترامب إلى أنه سيُفعّل هذه المخططات إذا حظي بفرصة لفعل ذلك.
وأوضح الكاتب أن كل هذه التصريحات الغريبة تثبت أن ترامب ليست لديه أي خطة واضحة ومتكاملة لمعالجة هذه المسألة، إذ أن عمليات القتل الممنهجة لأقارب المتهمين بالإرهاب، والاستيلاء على النفط العراقي، ستكون بلا شك جرائم حرب يعاقب عليها القانون الدولي.
وفي هذا الصدد، قال الكاتب إن "تنظيم الدولة قد كسب أموالا طائلة من بيع النفط في السابق، إلا أن الأمر اختلف تماما الآن، خاصة بعد خسارته لأغلب المناطق النفطية، فضلا عن ذلك، تلقى التنظيم العديد من الضربات، حيث أطلق التحالف الدولي لمواجهة الإرهاب آلاف الغارات الجوية ووجه ضربات قوية للبنية التحتية التي كان يعتمد عليها التنظيم. في المقابل، أن يقول ترامب إنه يعرف عن تنظيم الدولة أكثر مما يعرفه جنرالات الجيش الأمريكي، فهذا أمر مثير للسخرية".
وقال الكاتب إنه قد حان الوقت للنظر في الخطوات الفعلية التي بدأ ترامب باتخاذها بخصوص هذا الملف. فإثر تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة وقيامه بأول زيارة للبنتاغون، أصدر ترامب توجيهات جديدة، تتضمن تعليمات مثيرة للجدل لوزير الدفاع، جيمس ماتيس.
وبحسب التسريبات التي نشرتها صحيفة نيويورك تايمز، فإن الجيش الأمريكي قد يقوم بنشر قوته المدفعية في سوريا، بالإضافة إلى أنه ينوي استعمال طائرات مروحية قتالية لشن غارات على مدينة الرقة التي تعتبر عاصمة تنظيم الدولة في سوريا، وهذا سيكون بلا شك تطورا واضحا للتدخل الأمريكي في العمليات القتالية على الأراضي السورية.
وأشار الكاتب إلى أن هذه التسريبات تكشف في الوقت نفسه العديد من مواطن اللبس في مخططات ترامب، فحتى لو كانت الولايات المتحدة أكثر استعدادا من أي وقت مضى لقصف الرقة، فمن سيقوم فعليا بتحرير المدينة والدخول إليها بريا؟ ففي الوقت الراهن، القوة الوحيدة التي تمتلك حضورا على الأرض هي المليشيات الكردية، إلا أنها تعد من بين الفصائل الإرهابية بالنسبة لتركيا. وبالتالي، ستكون العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا على المحك في هذه الحالة، وهو ما يعد خللا وتقصيرا واضحا في مخططات ترامب.
وبيّن الكاتب أن ترامب قد يتمكن من حل هذه المسألة، ويحرر مدينة الرقة، إلا أن السيطرة على هذه المدينة لوحدها لن يؤدي للقضاء على تنظيم الدولة نهائيا، الذي لن ينتهي حتى بسقوط مدينة الموصل بالعراق. ففي الواقع، إن التنظيم قادر على الحفاظ على تواجده في بعض المناطق الشاسعة والصحراوية في سوريا والعراق، كما أن لديه حضورا حقيقيا في ليبيا واليمن ومصر وبعض الدول الأخرى.
وذكر الكاتب أن الاقتراح الثاني الملموس الذي قدمه ترامب منذ تنصيبه، يعتبر أيضا غير ناضج، فقد أعلن أنه سيفرض مناطق آمنة في سوريا بهدف حماية اللاجئين، وإذا نجح في هذا الأمر فإنه سيكون حلا جيدا بالنسبة للسوريين الفارين من بطش النظام وحلفائه وتنظيم الدولة. ولكن هل ستضمن منطقة حظر الطيران التي سيفرضها ترامب أن طيران نظام الأسد لن يكون بمقدوره التحليق فوقها؟ وما الذي سيعنيه ذلك بالنسبة للطائرات الروسية المتحالفة مع نظام الأسد؟ ومن سيقوم بتأمين هذه المناطق على الأرض؟ هل ستكون هنالك قوات برية أمريكية؟
وأورد الكاتب أن بعض المقترحات الأخرى التي قدمها ترامب ومساعديه تتجاهل بشكل صارخ الواقع والحجج المنطقية، إذ يعتبرون أن أيديولوجيا تنظيم الدولة مرتبطة بأفكار تيار الإخوان المسلمين، ولذلك طالبوا بوضع الإخوان المسلمين ضمن لائحة الإرهاب، متجاهلين بذلك حقيقة أن الكثير من المنظمات الإرهابية نشأت كنتيجة مباشرة للقمع والتضييق الذي تعرض له هذا التيار السياسي.
وبين الكاتب أن إدارة ترامب تدعي أن العديد من اللاجئين وصلوا إلى أوروبا ثم تحولوا في وقت لاحق إلى إرهابيين، وبسبب ذلك يجب التوقف عن منح التأشيرة للمواطنين القادمين من دول ذات أغلبية مسلمة. وفي الأثناء، تتجاهل هذه الادعاءات حقيقة أنه لا يوجد أي سوري في الولايات المتحدة يتم التحقيق معه في الوقت الحاضر في قضايا متعلقة بالإرهاب.
والجدير بالذكر أن ترامب قد تحدث عن نقاط أخرى خطيرة جدا مثل ممارسة التعذيب ضد المتهمين، وإعادة إنشاء سجون سرية تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية، متغاضيا بذلك عن حقوق الإنسان، خاصة وأن التعذيب يعد جريمة، ولا يمكن إطلاقا التوصل للنتائج المرجوة من خلاله.
وفي الختام، أوضح الكاتب أن ترامب كان قادرا على الهروب من الواقع وتجنب الأسئلة الحقيقية أثناء حملته الانتخابية، إلا أنه اليوم أصبح رئيسا، وسيفشل حتما في التهرب من مسؤولياته، فهل سيبدأ بأخذ الحقائق بعين الاعتبار؟ أما بالنسبة "للخطة السرية" التي تحدث عنها ترامب، فمن المرجح أن أكبر سر يخفيه الرئيس المنتخب، هو أنه ليس لديه أية خطة أصلا؟