12 مليون و758882 حبة كبتاغون، 7 آلاف و637 كلغ حشيشة، 184 كلغ كوكايين، 51 كلغ ماريجوانا... بلغت محصّلة أبرز المضبوطات من مخدّرات ومؤثّرات عقلية، العام 2016، بحسب إحصاءات مكتب مكافحة المخدّرات، كما أبلغَ بها «الجمهورية». توزّعت المضبوطات بين إتجار، ترويج، تهريب، تعاطي، تصنيع، نقل... «ولكن ما يُضاعف خطورةَ تلك الممنوعات ومغبّة تفَشّيها، أنّ أكثر من 90 في المئة منها ضُبط داخل الأراضي اللبنانية، بعد توقيف شبكات منظمة وأفراد، من بينهم مهرّبين نقلوا أنشطتَهم من سوريا إلى لبنان نتيجة الأوضاع الأمنية»، بحسب ما أكّد مصدر أمني خاص لـ«الجمهورية».على طول الخط الممتدّ من ضبيّه إلى جبيل، لم يدَع رشاد (20 عاماً) قارورةَ غاز أمام دكان تَعتب عليه، فكان يسرقها. ولم يترك حقيبة يد إلّا ونشَلها.

ففي حسابه أنّ «الجرّة الفاضية كيف ما كان بتنباع بـ50 ألف، يعني أكثر من غرام كوكايين»، أمّا «الجزدان فأقلّ شي الغلّة 200 دولار». إستمرّ رشاد على هذا المنوال نحو 3 سنوات، من العام 2014، من دون أن تتمكّن أيّ دورية من توقيفه، من عملية إلى أخرى زاد احترافيةً ومجازفة بهدف تأمين المال.

أكثر من 16 ألف دولار

باكراً بدأ رشاد تعاطي المخدّرات وهو في الحادية عشرة من عمره، بعدما لاذ إلى الشارع هرباً من أبيه الحاد الطباع، الذي كان يُعنّف والدته. ويروي رشاد لـ«الجمهورية»: «وجدتُ نفسي بين مجموعة من الشباب المدمنين، «سايَرتُن» بسيجارة حشيشة قبل أن أغوص في عالم الإدمان».

ما ضاعَف انغماسَ رشاد بالمخدرات أنّ عائلته خسِرَت منزلها نتيجة رهان مفبرَك من أحد الأقارب في ليلة ظلماء، فانتقلوا للعيش أشهراً عند الجارة، «كنت أخجل أنّنا ننام عندها، لم أكن أصدّق متى يبزغ الفجر حتى أهرول إلى الشارع».

إدمان رشاد أثار فضولَ شقيقه الذي يَكبره بعامين: «أصَرّ عليّ «دوّقني، دوّقني»، فما كان بوسعي إلّا أن أعطيه «شمّة... ومِن وقتا عِلق»، بات من المروّجين وألقيَ القبض عليه، وهو يمضي محكوميتَه في سجن روميه، أمّا التاجر الذي كان يعمل لحسابه فهو حرٌّ طليق».

رغم صِغر سنّه، لم يَحَر رشاد في تأمين ثمَن المخدرات، إذ كان يعمل في محلّ «للقمار»، وفي الـ17 من عمره بلغ حَجم مدّخراته 16 ألف دولار، «كنتُ أجلس على الصندوق والكلّ «يناولني»، ولكن سرعان ما انقلبَ السحر على الساحر وخسرتُ ما أملك نتيجة الإدمان، فتوجّهت للسرقة».

أمّا عن مصدر المخدّرات، فيقول: «مرّة واحدة توجّهت مع رفيقي إلى البقاع، تحديداً إلى حورتعلا عند تاجرة تُدعى «عليا»، تعرّفت إليها وبدأتُ أتردَّد بوتيرة شِبه يومية وبمفردي. كانت تستقبلنا «عليا» و»الفرد عَ خَصرا» فيما أفراد عائلتها يعيشون معها على نحو طبيعي، بعدها انتقلتُ للتعامل مع التاجر علي ز.».

أكثر ما أثّر في نفس رشاد وشكّلَ نقطة تحوُّل لديه، «أنا بتعاطى وإمّي بيسوَدّ تحت عينيَّا»... ومنذ نحو 9 أشهر عن طريق أحد رفاقه تعرّفَ إلى جمعية «علية النور» وبدأ مسيرتَه في التحرّر من المخدّرات.

delivery... على الدرّاجات

تعاطي المخدّرات، ترويجُها، الإتجار بها... تتغَلغل آفةُ المخدّرات في مجتمعنا كالأخطبوط. والتوقيفات التي شهدَها العام 2016 تُنبئ بالأسوأ، إذ ارتفعَ عدد المتعاطين الموقوفين من 2781 إلى 3669، المروّجين من 612 إلى 718، التجّار من 132 إلى 171، المهرّبين من 92 إلى 112، بحسب إحصاءات مكتب مكافحة المخدّرات».

في هذا الإطار، يتوقّف مصدر أمني خاص في حديث لـ«الجمهورية»، عند جملةٍ من العوامل أدّت إلى تفاقمِ هذه الآفة، قائلاً: «تفشّي البطالة وانعدام الفرَص أمام الشباب، تزايُد أعداد المقيمين في لبنان بشكل غير قانوني وتعذُّر محاسبتهم، عزَّز الفلتان، من دون تجاهُل تداعيات النزوح السوري وتأثيره في اتّساع هذه الظاهرة». وفي النظر إلى جنسيات الموقوفين، يتبيّن أنّ هناك 3511 لبنانياً، 1185 عربياً، و13 أجنبياً.

تدخل الدرّاجات النارية في صلب عملية تعاطي المخدرات، إذ تُعتبَر اليدَ اليمنى سواء للتاجر، أو للمروّج أو للمتعاطي. فيقول المصدر الأمني:

«غالباً ما تتمّ العملية على الشكل الآتي: يقبَع العقل المدبّر، أي تاجر المخدرات، في منطقة نائية، يعيّن في عدد من المناطق مروّجين له ومعهم درّاجاتهم النارية، في أوقات محدّدة يمشّطون المناطق محاولين اصطيادَ مدمِنين جدد أو لتلبية رغبات زبائنهم. في معظم المرّات يتّصل المدمن بالمروّج الذي يكون مزوَّداً بالممنوعات ويتّفقان على نقطة التسليم، التي غالباً ما تكون داخل موقف أو على الأوتوستراد، أو تحت الجسر، فيتمّ التسَلّم والتسليم بلمحِ البصر على نحو free delivery، إذ تصل الممنوعات لصاحبها بصرف النظر عن نقطة وجوده».

مُخبرون... وشقق مهجورة

تبذل الأجهزة الأمنية كلّ ما أوتيَت من قدرات لمكافحة المخدرات على المستويات كافة، فتلجأ إلى تعزيز المخبرين لصالحها، وتكثّف مداهماتها لمناطق مشبوهة وبأوقات متفاوتة، كما تنشر حواجز متنقّلة.

في هذا الإطار يلفت المصدر الأمني إلى «أنّ عمل الشبكات يختلف عن أسلوب التجّار والمروّجين، إذ تعمل الأولى على نحو دقيق، منظّم، متشعّب السيناريوهات، لا تُكرّر خطة التهريب عينها حتى لو نجَحت، لذا يتّسم عملها بالابتكار دوماً لضمان بلوغها الهدف، من هنا توقيف الشبكات يحتاج إلى وقتٍ أكثر وتعقّبات متكرّرة».

ويتابع: «في المقابل يبدو عمل التجّار والمروّجين أقلَّ تعقيداً، إذ سرعان ما ينفضح مكان تَخبئتهم للمخدّرات، وغالباً ما تكون الأمكنة نفسها والتكتيك نفسُه المعتمَد. من هنا فإنّ أعداد الأفراد الموقوفين هي أضعاف عدد الشبكات المضبوطة سنوياً، مع الإشارة إلى أنّ الشبكات تتعامل مع كمّيات هائلة من المواد خلال التهريب فيما تكون المواد مع الأفراد محدودة الكمّية».

وغالباً ما يلجأ تجّار المخدرات إلى المنازل المهجورة، الشقق المتروكة، والمنشآت غير المكتملة... لتخبئة ما يملكون من ممنوعات لعدم لفتِ الانتباه. ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ معظم التجّار يفضّلون تخبئة بضائعهم في مناطق نائية أو غير مأهولة بالسكّان لضمان سهولة تحرّكِهم.

أمّا بالنسبة إلى التجّار في بيروت، فغالباً ما يستعينون بشقّة غير التي يسكنون فيها حِمايةً لأنفسهم في حال أيّ مداهمة لمكان سَكنهم. لذا، يؤدي المخبرون دوراً أساسياً في فضح أعمال هؤلاء التجار.

ومن بين الذين وقعوا في قبضة القوى الامنية، تاجر في منطقة دوحة عرمون، يملك «ميني ماركت». فبعد تَعقّبه مراراً من الأجهزة الأمنية، تبيّن أنّه في أوقات مختلفة من النهار يَركب درّاجته النارية ويتّجه إلى شارع مقابل لمنزله ودكّانه، يصعد إلى أحد الطوابق حيث استأجَر شقّة، يأخذ حاجتَه من المخدّرات ويعود أدراجَه ليسلّمَها إلى المدمن في محيط دكانه.

بداية، أنكَر هذا التاجر أيَّ علاقة له بالمخدرات، وبعدما سألته الأجهزة الأمنية عمّا يملك من مسكن، أرشدهم إلى منزله متجاهلاً الشقة، فما كان من الاجهزة إلّا أن دهمتها وفضحت حيلته.

للكبتاغون... شبكات منظّمة

تُشكّل مكافحة الكبتاغون حالةً استثنائية بحدّ ذاتها نظراً إلى الدقة التي تتوخّاها الشبكات في عمليات التهريب، والتي حوّلت بأساليبها الاحتيالية لبنانَ إلى أهمّ الممرّات لتهريب المخدرات وتوضيبها وإعادةِ تصديرها.

لم توفّر تلك العصابات، أيَّ وسيلة: مزج الحبوب مع مسحوق فواكه مجفّفة، إخفاؤها داخل حقيبة ذات قعر مزدوج، داخل طرد بريدي، في جاكيت، إلى محاولة نقل الحبوب داخل أرضية برّاد شاحنة، داخل البطاطا، داخل ماكينة آيس كريم، داخل أكياس مسحوق غسيل، عبر ساعات حائط، وغيرها من الوسائل التي قد لا تخطر في بال أيّ عاقل.

في هذا السياق، لا يمكن تجاهُل تداعيات الحرب السورية على ازدهار التهريب في لبنان. «بدأنا نلمس خطراً حقيقياً بعد اجتماع خبرة المصنّعين السوريّين مع خبرة المهرّبين اللبنانيين»، يقول المصدر الأمني لـ«الجمهورية»، موضحاً: إزدهرَ التهريب «مع فرار تجّار ومصنّعي المخدرات السوريين ونقلِ مهاراتهم وخبراتهم إلى الأراضي اللبنانية، تعرّفوا إلى عدد من التجّار اللبنانيّين الذين يعرفون طرقَ التهريب وسككها، فتضاعف الخطر».

ويتوقف المصدر عند أهمّ الشبكات التي ألقيَ القبض عليها: «حسن ر.س. (سوري الجنسية) كان العقلَ المدبّر لشبكة تهريب الكبتاغون، ومساعديه، عبر تهريب الحبوب بمقصورات شاحنات. بوريس ك. أحد الخبراء الكيماويين الضالعين بتصنيع حبوب الكبتاغون، وأفراد الشبكة.

محمد ش. ر. أحد زعماء تجارة حبوب الكبتاغون وتصنيعها واستيرادها وتهريبها من لبنان إلى الخليج. جوني س.ب. سويدي الجنسية، ضبط وعصابته وهم يهرّبون الكوكايين من البرازيل إلى لبنان».

حمّامات المدارس تشهد!

ونحن نستمع لتجربة عدد من المدمنين، لفتَت انتباهَنا مجموعة قواسم مشتركة، ولكن أبرزها أنّ العدد الأكبر منهم كان يتعاطى في المدرسة، سواء في القطاع الرسمي أو الخاص. فيروي سامر، تلميذ إحدى المدارس العريقة في جبل لبنان: «بدأتُ بتعاطي الحشيشة مع مجموعة من الشباب في حمّامات المدرسة، ولاحقاً انتقلتُ إلى الجامعة وبدأتُ أتعاطى في موقف السيارات، بعدما تعرّفتُ إلى أحد المروّجين معي في الجامعة».

ويضيف: «في الـ21 من عمري بدأتُ أتعاطى الكوكايين والهيرويين، إذ تعرّفتُ إلى أحد المروّجين التابعين لتاجر في البقاع، إعتمدتُ عليه بدايةً لتزويدي بالكوكايين، لكن بعدما لاحظتُ أنه بدأ «يغَلّي علينا، يعني أكثر من 100 ألف كلّ غرام «كوك»، قرّرتُ الاعتماد على نفسي والتوجّه إلى البقاع».

ويتابع سامر مستغرباً: «فوق ما بتضَيّعي»، سرعان من يأتي ليدلّك إلى التجّار، قصدنا بداية: علي. ص. الذي يملك غرفة مهجورة بعيداً من منزله، ويقصده المدمنون لشراء المخدّرات أو التعاطي عنده، ولاحقاً بدأتُ أتعامل مع علي ز. الذي لديه مروّجون أوسع في بيروت».

وكان سامر يُفضّل التزوّد بالمخدرات شخصياً من البقاع، والسبب: «جودة البضاعة أفضل، أي بـ20 ألف بيَعطيك بضاعة الـ 25، وندفع الـ40 ألف لنحصل على بضائع الـ60 ألف».

كذلك الأمر بالنسبة إلى ربيع الذي أدمَن نحو 10 سنوات، منذ أن كان في الـ15 من عمره، تعرّفَ إلى المخدّرات في إحدى الثانويات، وكان أيضاً يتعاطى في حمّامات المدرسة، بسرّية مطلقة. أمّا عن مصدر تزوّدِه بالمال، فيعترف: «سرقتُ أغراضاً من المنزل وبعتُها، كذلك سرقتُ صيغة أمّي، فكنتُ أتحيّنُ لحظة غيابها أو نومها... أنكرتُ بدايةً الأمر، ولكن عادت واكتشفَت عائلتي الأمر».

«علّية النور»

تنشَط جمعيات المجتمع المدني في مجال الوقاية من المخدّرات ومكافحتها، ومنها «علية النور» (Cenacle De La Lumiere CDLL) التي تستقبل المدمنين منذ العام 2006. وفي هذا الإطار توضح منسقة برامج التأهيل ساندره سعاده مسارَ العلاج الذي يخضع له المدمن: «ينقسم العلاج إلى جزءين، داخلي وخارجي.

في الأوّل يبقى المدمن ضمنَ مركز التأهيل، الكائن في عنّايا، تبلغ مدة العلاج 11 شهراً، يليه سَنة اندماج في المجتمع، يعمل فيها المدمن، يحاول أن يبني ذاته مجدّداً، تحت إشراف الجمعية».

وتلفت سعاده إلى «أنّه بعد الأشهر الخمسة الأولى من العلاج يبدأ المدمن بزيارة أسرته مرّةً أسبوعياً، ثمّ تؤمّن الجمعية فترةَ تدريب ليستعيد روحَ الالتزام وتحمُّل المسؤولية واحترام الدوام، قبل أن ينتقلوا لاحقاً إلى العمل والاندماج في المجتمع والعيش في منازلهم».

وتضيف: «أمّا البرنامج الخارجي فيشبه الداخلي، مع فارق بسيط، هو أنّ المدمن يتلقّى العلاج وفي نهاية النهار يعود إلى منزله، هذا البرنامج يلبّي المدمنَ الذي لديه مسؤوليات مع عائلته أو أيّ ارتباط ضمن محيطه».

وتتوقف سعاده عند طبيعة المتابعة التي تُقدّمها مكاتب الجمعية، قائلة: «ضمن البرنامج خدمات صحّية، نفسيّة، اجتماعية، قانونية، روحية، تقوية مهارات، وغيرها من المتابعات التي قد تختلف بحسب طبيعة المدمن واحتياجاته.

يبدأ يوم الشباب في المركز من الساعة السادسة صباحاً لينتهي عند العاشرة ليلاً، يختبرون خلاله فقرات غنيّة، تشبه حياتهم اليومية: من الاهتمام بالمركز وتنظيفه وصيانته، إلى إعداد طعامهم، الاعتناء بنظافتهم الشخصية، التعرّف إلى مهاراتهم، والاعتناء بالطبيعة وثرواتها...».

أمّا عن الفئات العمرية التي يستقبلها المركز، فتؤكّد سعاده «أنه يستوعب مختلفَ الفئات العمرية، والعلاجُ مجّاني، تغطّي وزارة الشؤون الاجتماعية حيزاً ضئيلاً منه، بالإضافة إلى تبرُّع بعض الأفراد وأعمال تمويليّة نقوم بها».