بالسلطة الممنوحة لي كرئيس، بموجب الدستور وقوانين الولايات المتحدة الأميركية، آمر بما يلي...»، عبارة استهلّ بها دونالد ترامب قراره التنفيذي المطوّل، الذي نصّ على منع إعطاء التأشيرات لمواطني سبع دول، بحجة حماية الولايات المتحدة من خطر الإرهاب. تحوّل القرار، في غضون يومين، إلى علبة ثقاب أشعلت الكثير من ردود الفعل الرسمية والشعبية، الداخلية والخارجية، ورافقتها الفوضى العارمة في المطارات، ما عكس عفوية الوكالات الفدرالية في تنفيذ القرار، وعدم فهمها لكيفية تطبيقه.
ولكن بوجود دونالد ترامب في الحكم، قد تصبح الفوضى أمراً عادياً، في ظل سعيه الحثيث ــ منذ تسلّمه «السلطة الممنوحة له بموجب القانون»، في 20 كانون الثاني ــ إلى تحقيق نتائج وانتصارات مباشرة وسريعة، ربّما احتاج أسلافه إلى سنوات من التخطيط والحل والربط، للحصول عليها بأقل أضرار ممكنة.
يوم الجمعة، نشر البيت الأبيض مرسوماً بعنوان «حماية الأمة من دخول إرهابيين أجانب إلى الولايات المتحدة»، تمنع بموجبه السلطات الأميركية، لمدة ثلاثه أشهر، دخول رعايا من سبع «دول مسلمة»، هي العراق وإيران وليبيا والصومال والسودان وسوريا واليمن، باستثناء الرعايا الذين لديهم تأشيرات دبلوماسية والعاملين في مؤسسات دولية.
وأعلن الرئيس الأميركي القرار، خلال حفل أقيم في البنتاغون لمناسبة تولي وزير الدفاع الجديد الجنرال المتقاعد جميس ماتيس مهمات منصبه، مستخدماً أكثر اللهجات وضوحاً وحدّة، ومشدداً على كلمة «إسلاميين» التي تجنّب سلفه باراك أوباما استخدامها، والتي طالما أدانتها الدبلوماسية الأميركية، بموازاة «محاربتها عسكرياً». وقال ترامب: «لقد فرضت إجراءات رقابة جديدة من أجل إبقاء الإرهابيين الإسلاميين المتشددين خارج الولايات المتحدة. نحن لا نريدهم هنا». وأضاف: «لا نريدهم هنا ونريد التأكد من أننا لا نسمح بدخول بلادنا التهديدات نفسها التي يحاربها جنودنا في الخارج. لن ننسى أبداً عِبَر اعتداءات 11 أيلول 2001»، التي نفّذها تنظيم «القاعدة».
ولكن القرار التنفيذي لا يتوقف هنا، بل يوقف لمدة 120 يوماً العمل بالبرنامج الفدرالي لاستضافة وإعادة توطين اللاجئين القادمين من دول تشهد حروباً، أياً تكن جنسياتهم. وهو برنامج كان قد بدأ العمل به في عام 1980، ولم يجمّد تطبيقه مذاك إلا مرّة واحدة لمدة ثلاثة أشهر، بعد اعتداءات 11 أيلول 2001. ولكن ذلك لا ينفي أنّ كل العهود الأميركية كانت تفرض إجراءات صارمة جداً بخصوص قبول اللاجئين، مهما كانت جنسياتهم. ولعلّ عهد باراك أوباما أبرز مثال على ذلك، إذ إنه حتى في أوج «أزمة اللاجئين» عالمياً، لم تقرّ إدارته سوى بإمكانية قبول عشرة آلاف لاجئ سوري، وذلك بعد اتباع إجراءات تحقّق منهم تحتاج إلى وقت طويل، بينما كانت الدول الأوروبية (ألمانيا على وجه التحديد) تُجبر على استقبال أعداد أكبر بكثير.
وفي حين ساد اعتقاد، في البداية، أن حملة تراخيص الإقامة الدائمة (البطاقة الخضراء) مستهدفون أيضاً، فقد أعلن أمين عام البيت الأبيض رينس بريبوس، أمس، في تصريح إلى قناة «إن بي سي»، أنهم «غير معنيين»، لكنهم قد يخضعون لتدابير أمنية دقيقة لدى وصولهم إلى الولايات المتحدة. ودافع بريبوس عن تطبيق قرار ترامب التنفيذي، وقال: «لم يكن الأمر فوضوياً»، مضيفاً أن 325 ألف مسافر دخلوا الولايات المتحدة، أول من أمس، ولم يحتجز منهم سوى 109 مسافرين. وأشار إلى أن «غالبية هؤلاء الأشخاص أُعيدوا. لدينا نحو 24 شخصاً لا يزالون محتجزين، وأتوقّع أنه ما داموا ليسوا أناساً سيّئين فإنهم سيعبرون قبل مرور نصف يوم آخر». إلا أن مسؤولَين كبيرين في الإدارة الأميركية، صرّحا بأن حاملي البطاقة الخضراء من سوريا وست دول أخرى، غالبية سكانها من المسلمين الذين هم خارج الولايات المتحدة حالياً، سيكونون بحاجة إلى مراجعة قنصلية أميركية لمعرفة ما إذا كان باستطاعتهم العودة إلى الولايات المتحدة.
وفي ما عُدّ تمييزاً واضحاً، فقد تضمّن القرار حظراً على دخول اللاجئين السوريين إلى الولايات المتحدة، حتى أجل غير مسمى أو إلى أن يقرّر الرئيس نفسه أن هؤلاء اللاجئين ما عادوا يشكلون خطراً على الولايات المتحدة. وهو أمر وازاه ترامب بإعلان أكثر تمييزاً، عندما قال في ردّه على سؤال حول هذا الشأن، في مقتطف من مقابلة مع شبكة «كريستيان برودكاستينغ»، إنه سيعطي «الأولوية للمسيحيين السوريين في هذا المجال». وأضاف: «إذا كنتَ مسلماً يمكنك المجيء، لكن إن كنت مسيحياً كان الأمر شبه مستحيل، والكل كانوا سواء في الاضطهاد. كانوا يقطعون رؤوس الجميع لكن المسيحيين أكثر».
القرار قابله الكثير من ردود الفعل الأميركية المستنكرة. وقد دعت المعارضة الأميركية إلى سحبه، معتبرة أنه مناف للقيم الأميركية وغير فعال لمكافحة «التهديد الجهادي». وقال زعيم الديموقراطيين في مجلس الشيوخ تشاك شومر إنه «لن يساهم إلا في تشدّد أولئك الذين يضمرون لنا الشر». كذلك، أكد بن كاردن، من لجنة الشوؤن الخارجية في مجلس الشيوخ، أن «المرسوم القاسي للرئيس ترامب بشأن اللاجئين يقوّض قيمنا الأساسية وتقاليدنا، ويهدّد أمننا القومي ويثبت جهلاً تاماً بعمليات التدقيق التي نعتمدها، وهي الأكثر صرامة في العالم». كذلك أشار إلى أن «هذه السياسة خطيرة على الأجل القصير وستضر بتحالفاتنا وشراكاتنا».
أما ضمن الأكثرية الجمهورية، فقد كان الإحراج واضحاً، إذ لم يقم سوى عدد محدود من النواب بالدفاع عن ترامب، ودان بعض الجمهوريين المرسوم جزئياً أو كلياً. وقال زعيم الأكثرية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونل، لقناة «اي بي سي»، إن «المحاكم ستبتّ ما إذا كان ترامب مضى بعيداً» في قراره.
بدوره، قال زعيم الغالبية الجمهورية في مجلس النواب بول راين: «إننا دولة متعاطفة، وأدعم برنامج إعادة دمج اللاجئين، لكن الأوان قد حان لإعادة تقييم وتشديد عملية التحقق من التأشيرات». وأضاف أن «الرئيس ترامب على حق للتحقق من أننا نقوم بكل ما في وسعنا لنعرف من يدخل إلى بلادنا». وقد وصل الاعتراض على القرار إلى القضاء.
فقد منعت قاضية فدرالية في بروكلين، بعدما رفع مدافعون عن الحقوق المدنية شكوى لحساب عراقيَّين كانا يحملان تأشيرتين احتجزا في «مطار جي اف كاي»، إبعاد الأشخاص المحتجزين في كل المطارات الأميركية ممّن يتمتعون بوضع قانوني. لكن المرسوم لا يزال مطبقاً، وكذلك في باقي أنحاء العالم، لأن المطارات والسلطات تلقت تعليمات بعدم قبول أي مواطن من الدول السبع المعنية بالمرسوم. ويضاف القرار الذي أصدرته قاضية بروكلين إلى ثلاثة قرارات أخرى في البلاد تمنع عمليات الإبعاد، لكن أياً منها لا يبتّ دستورية القرار الرئاسي. وقد أشار مدير»اتحاد الحريات المدنية الأميركي» انثوني روميرو، في هذا السياق، إلى أن «المسألة سترفع، على الأرجح، أمام المحكمة العليا».
في غضون ذلك، تطرّقت الصحف إلى قرار ترامب الأخير. ففيما لفتت «نيويورك تايمز» إلى أنه يستند في إحدى فقراته إلى هجمات 11 أيلول، فقد أشارت إلى أن «غالبية المهاجمين الذين استهدفوا مركز التجارة العالمي، والبنتاغون حينها، كانوا من السعودية، بينما جاء البقية من الإمارات ومصر ولبنان. ولم يجرِ ذكر أيّ من هذه الدول في القرار التنفيذي الصادر عن ترامب». وأوضحت الصحيفة أن ترامب يذكر في قراره أنه «لا يمكن للولايات المتحدة، بل يجب عليها، أن لا تقبل هؤلاء الذين لا (يتبنّون قيم) الدستور، أو هؤلاء الذي يحملون إيديولوجيات عنيفة». وفي هذا المجال، نقلت «نيويورك تايمز» عن أحد أساتذة القانون قوله إنه «لا يوجد شرط قانوني على غير المواطنين (الأميركيين) الذين يدخلون إلى الولايات المتحدة، بضرورة (تبنّي) الدستور». وأضاف أن «القرار التنفيذي يشير إلى أنه حتى الزوار، أي السيّاح والطلاب، يجب أن (يتبنّوا) الدستور الأميركي، الأمر الذي يعدّ غير منطقي»، متسائلاً: «هل يملك السيد ترامب السلطة لفعل ذلك؟».
من جهتها، أشارت «واشنطن بوست» إلى أن الدول السبع التي استهدفها ترامب بالقيود، «لديها عامل مشترك واحد، وهو أنها ليست أماكن لديه مصالح تجارية فيها». وذكرت الصحيفة أنه جرى استثناء دول ذات غالبية مسلمة كبيرة، تواجه مشاكل مع الإرهاب، ولكن تنشط فيها «مؤسسة ترامب».
وفي هذا الإطار، أشارت إلى أن القرار التنفيذي لا يذكر تركيا، التي واجهت الكثير من الهجمات الإرهابية، خلال الأشهر الأخيرة. وتطرّقت الصحيفة إلى تحذير صدر، يوم الأربعاء، عن وزارة الخارجية للأميركيين المسافرين إلى تركيا. وأشارت فيه الوزارة إلى «تصاعد الخطاب المعادي للأميركيين، على أن من المحتمل أن يوحي لبعض الأشخاص بالقيام بأعمال عنف ضد المواطنين الأميركيين».
(الأخبار)
مناطق آمنة في سوريا واليمن: «طلب الرئيس، فوافق لملك»
أعلن بيان للبيت الأبيض أنّ الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز والرئيس الأميركي دونالد ترامب اتفقا، في اتصال هاتفي، على دعم إقامة مناطق آمنة في سوريا واليمن.
وأشار البيان إلى أن الزعيمين اتفقا على أهمية تعزيز الجهود المشتركة لمكافحة متشددي تنظيم «داعش». وأضاف البيان: «طلب الرئيس (ذلك)، ووافق الملك على دعم مناطق آمنة في سوريا واليمن، فضلاً عن دعم أفكار أخرى لمساعدة كثير من اللاجئين الذين شرّدتهم الصراعات المستمرة».
كذلك لفت إلى أنهما اتفقا أيضاً على الحاجة إلى مواجهة «أنشطة إيران التي تزعزع استقرار المنطقة». وذكر البيان أن الزعيمين ناقشا ما وصفه بدعوة الملك السعودي لترامب «لقيادة جهود الشرق الأوسط لهزيمة الإرهاب والمساعدة في بناء مستقبل جديد اقتصادياً واجتماعياً» للمملكة والمنطقة.