تمهيد:
تلعب الطائفة الشيعية دوراً هاماً ومفصلياً في تاريخ لبنان الحديث، وهذا يعود لعامل رئيسي وحاسم وهو تنامي القوة العسكرية والحزبية والشعبية لحزب الله، والتي وفّرها الدعم الإيراني الوفير، متضافراً ذلك مع "استكانة" الرئيس نبيه بري، رئيس حركة أمل، ورضوخه المتمادي لهيمنة الحزب على إرادة الطائفة وإرادة الدولة وسيادتها استتباعاً، ممّا ولّد ما بات يدعى اصطلاحاً بالثنائية الشيعية (أمل وحزب الله) والتي تتحكّم كما قلنا بإرادة الطائفة والدولة معاً.
أولاً: مظاهر الهيمنة والتسلط داخل الطائفة...
تحتكر هذه الثنائية منذ حوالي ربع قرن التمثيل النيابي للطائفة كاملاً، ويتبع ذلك الاحتكار الكامل للمناصب الوزارية والإدارية والأمنية، وفي الآونة الأخيرة احتكار وتقاسم المقاعد البلدية، حتى جاءت القشّة التي قصمت ظهر البعير بإصدار المجلس النيابي ،الأسبوع الماضي، قانوناً مشبوهاً ومستفزاً ،خالياً من الأسباب الموجبة، يمدّد بموجبه ولاية الهيئات الشرعية والتنفيذية في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، ممّا استدعى استنكاراً وشجباً من قوى المعارضة الشيعية التي تنادت لرفع صوت الاحتجاج في وجه الثنائية التي تتمادى في تغييب الحيوية الديمقراطية التي يجب أن ترافق انتخابات المجلس الشيعي الأعلى، كذلك الانتخابات النيابية والبلدية، وكل ما يمكن أن يتعلق بمكانة الطائفة ومستقبلها السياسي والإداري والأمني.
ثانياً: التنادي لإطلاق تجمع شيعي قانوني وإداري وتنفيذي...
أمام تشرذم المعارضة الشيعية للثنائية، واقتصار نشاطاتها على ردّ الفعل الذي يصاحب فعل الثنائية، أو الظهور الإعلامي النادر، أو الكتابة الصحفية ومنوعات شبكات التواصل الاجتماعي المحدودة التأثير، يرى بعض أقطاب الشيعة المعارضين أنّه آن الأوان للمّ شعث هذه المعارضة في تجمع قانوني وإداري وتنفيذي، وهذا يستوجب إرادة وتصميم ومجازفة ،وربما مخاطر لا يمكن التنبؤ بمداها قبل النزول إلى ميدان العمل والتنفيذ، ويستلزم طرح بعض الأسئلة التي قد يطرحها أي متابع لشؤون الثنائية والمعارضة معاً، فقد يسأل أحدهم: هل تقدّرون الثمن الذي يتطلّبه إقامة مثل هذا التجمع أو الرابطة أو الاتحاد؟ وإذا ما تمّ، هل تدركون مدى الافتراء على الواقع وتجاهله؟ وكم من الضمائر سيتم إقلاق راحتها واستفزازها؟ وكم من "الآلهة" ستتُمّ التضحية بها؟ فلكي يقوم معبد جديد، يجب هدم معبد آخر، هذا هو القانون الطبيعي، ثم ألا ترون أنّ هذه المحاولة المضادة للثنائية مستحيلة في حدّ ذاتها، ومن الذي سيقوى على الاقدام على خطوة كهذه؟ سيل من الأسئلة ،قد تُحبط الهمم، وتستدعي التأمُّل والتّبصُّر ، وقد تستوجب الاستهجان ومطّ الشفتين. وقبل كل ذلك لا بُدّ من معرفة من سيقف أمام هذه الطموحات والمطامع، سيقف ضدنا الصالحون والمتنفذون واللامبالون والخاضعون والمغرورون والمتحمسون والمتنفعون والضجرون، كذلك كل أولئك الذين يُبعدهم عنّا بُعداً شاسعا معاملتنا لهم بشيءٍ من الصرامة المتعالية التي نعامل بها أنفسنا، كذلك ربما سيقف ضدنا أولئك الذين كانوا يُظهرون لنا أنواعاً من العطف والحنان، طالما كنّا نفعل مثلهم وندع "الأمور تجري على " عواهنها" مثل سائر الناس.
ثالثاً: الإجابات الصعبة...
لعلّ بلوغ هذا الهدف يتطلّب صنفاً آخر من العقول غير الذي نجده في عصرنا ، عقول لا غنى لها عن العزّ والمغامرة ومواجهة الخطر وتحمّل الألم، مع الخُبث السامي والمكر المعرفي الرفيع الواعي بذاته، وهل هذا كله ممكن؟ وهو يتطلب صحوة فكرية وابداعية ونضالية، في زمن خبا فيه كل ما هو حي وواعد، بانتظار العقل "الخلّاق" الذي ستمضي به قوّتهُ الدافعة بعيداً عن الإكراهات والمعوقات، العقل الذي سيُسيئُ الناس فهم وحدته ويعتبرونها هروبا من الواقع، بينما هو مهمومٌ بالواقع ليرفع عنه اللعنة التي حلّت به،هذا "المهدي" الذي سيقف ضد العدمية ويكسر رتابة الحياة المملّة التي رسمها كُهّانُ هذا الزمن.