في انتظار مزيد من التوضيحات حول مشروع الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن «المناطق الآمنة» في سوريا و»حيث يمكن التوطين»، توسّعت دائرة ردود الفعل وتنوّعت وامتزجت المواقف المرحِّبة بالخطوة بأُخرى بدأت تتنبّأ بالشرّ المستطير ما يُدبّر لسوريا الموحّدة والسوريين ودول الجوار ولبنان إحداها. فما الدافع الى ردود الفعل هذه؟ وما هو المتوقع؟
منذ صدور الأمر التنفيذي السادس عن الرئيس دونالد ترامب والخاص بملف النازحين واللاجئين في العالم، لم يُفاجَأ أيّ من المتتبّعين نشاطه المبكر في التعبير عن التغييرات المنتظرة في الإدارة الأميركية الجديدة على كلّ المستويات الداخلية والخارجية. فمسلسل الأوامر التنفيذية التي اصدرها حتى اليوم شكلت صدمة كبيرة في الداخل والخارج.
فلم يعتَد أحد بعد على حجم الخطوات السريعة التي يمكن أن يلجأ اليها مَن سبقه الى المكتب البيضاوي لا في شكلها ولا في مضمونها ولا في تردداتها المحتملة، ليس على المستوى الداخلي فحسب، انما على مستوى العالم.
والأخطر في قراءة جدول الأوامر التنفيذية، أنّ الخطوات المتّخذة جمّدت آلية العمل في قطاعات واسعة من دون تحديد البديل في كلّ قطاع.
فالأمر التنفيذي الأول الذي طاول القطاع الصحي الذي يعني صحة الأميركيين والمقيمين على أراضي الولايات المتحدة شكّل صدمة فعلية في الداخل الأميركي من خلال تجميد البرنامج الصحي الذي جهد له سلفه باراك أوباما ثماني سنوات، في وقت لم تعرف وزارة الخارجية الأميركية إجراءً مماثلاً كالذي اعتمده بتجميد العمل في أكثر من 85 سفارة أميركية في العالم طلب الى المعتمدين فيها وقف نشاطاتهم من دون تعيين البدائل.
وهو ما وضع الجميع في مرحلة تُقارب الشلل في مثل هذه الدوائر الحيويّة التي من المفترض أن تعمل 24 على 24 ساعة في مختلف نواحي الأرض لتبقى على تواصل مع الإدارة المركزية الأميركية نظراً لفارق الوقت بين هذه الإدارة وعيونها المنتشرة في مختلف أنحاء العالم.
وما أن وصل الأمر الى ملف النازحين واللاجئين في الولايات المتحدة الأميركية والعالم حتى توسّعت ردود الفعل العالمية كلّ في نطاق اهتمامته ونفوذه بالنظر الى حجم القرار وما نتج عن التصنيف الجديد الذي اعتمده تجاه بعض الجنسيات والدول التي جمّد دخولها بلاده لأربعة أشهر وتلك التي لم يحدّد سقفاً زمنياً ليسمح لهم بالتفكير في التوجّه الى أراضيه.
ومن هذه الزاوية بالذات وبمجرّد التوقف عند التصنيف الجديد للنازحين واللاجئين للسوريين من بين لائحة المحظور عليهم دخول الولايات المتحدة والكشف عن مهلة التسعين يوماً التي أعطاها لكلّ من وزارتي الخارجية والدفاع لوضع الخطط اللازمة لإنشاء المناطق الآمنة في سوريا، وحيث يمكن توطينهم، حتى تلاحقت ردات الفعل في العواصم والدول المعنية بالملف السوري تحديداً من موسكو التي حذّرت من مغبّة هذا القرار ليس لسبب سوى أنّ البيت الأبيض لم يناقش مثل هذه الخطوات الأحادية مع الكرملين أو أيّ مرجعية روسية أخرى، فيما رحّبت قطر بالخطوة وسط صمت تركي ولبناني وأردني وعراقي وإيراني في انتظار التفاصيل التي يمكن أن تلقي الضوء على هذه الخطوة وردات الفعل عليها ونتائجها المباشرة وغير المباشرة.
وامام هذا الواقع توسّعت القراءات اللبنانية على اكثر من مستوى سياسي وديبلوماسي وأمني وتسارعت التكهّنات المتناقضة بين مَن رحّب بالخطوة ومَن رأى فيها أوّل نذائر الشؤم على لبنان والمنطقة، خصوصاً إذا تزامنت هذه الخطوة مع احتمال صدور امر تنفيذي آخر يتصل بنقل السفارة الأميركية من تل ابيب الى القدس لتتراكم الملفات على رؤوس اللبنانيين وتُنذر بالشرّ المستطير.
وامام هذا الواقع لم تسجّل السفارة الأميركية في بيروت بعد أيّ ردّة فعل، ولم تصدر أيّ توضيح حتى هذه اللحظة. فيما رصد حراك ديبلوماسي متواضع عبّرت عنه السفيرة اليزابيت ريتشارد التي تحركت منذ أمس الأول لإستطلاع آراء اللبنانيين ممَّن سجّلوا «مجرّد تغريدة» تناولت فكرة «المناطق الآمنة» في الداخل السوري والخارج، مرفَقة بالتحذير من مخاطر المشروع إذا رصدت لهذه المناطق مواقع على الأراضي اللبنانية قياساً على حجم اكتواء اللبنانيين بنار المخيمات الفلسطينية قبل أن تنتشر مخيمات النازحين السوريين على مساحة لبنان، مهدِّدة إياهم في كلّ نواحي الحياة الإقتصادية والتربوية والإنمائية والصحية، عدا عن الأمنية التي تعاظمت الى الحدود القصوى وبلغت الذروة بفعل الجرائم التي ارتُكبت وحجم السرقات والمخالفات التي تقلق جميع اللبنانيين بلا استثناء.
وعلى هذه الخلفيات وفي انتظار مزيد من التفاصيل واستيضاح الإجراءات العملية التي تنوي الإدارة الأميركية اتّخاذها في الأيام التسعين المقبلة، توقفت مراجع ديبلوماسية في بيروت امام الحاجة الى قراءة المواقف الروسية والإيرانية من الخطوة وعمّا إذا كانت ستعارض أو ترفض أو ترحّب.
فإذا بُنيَ الموقف الروسي على الاعتراف بالمنطقة التركية الآمنة ومساعدة أنقرة لإستكمال بنائها في شمال سوريا سيجعلها في الموقع الأضعف بعدما أثمرت هذه الخطوة خروج تركيا من الحلف الدولي لتنضمّ الى حلف موسكو وطهران المصغّر. فيما يجب اختبار الموقف الإيراني في الأيام المقبلة على خلفية رفض طهران فكرة «المناطق الآمنة».
وبناءً على ما تقدّم، ترصد المراجع الديبلوماسية في قراءتها الأولى للأمر الأميركي خطرَين مباشرين يشكّلان سلاحاً ذا حدّين: الأوّل يتعلق بوجود نيّة بتوطين مجموعات من السوريين في لبنان يقف بعضهم حيث هم في عرسال على مرمى حجر من أطلال منازلهم خلف التلال وهو أمر خطير جداً لا يمكن أن يتحمّل لبنان تردّداته.
والثاني ينبئ بوجود قرار باستكمال خطط الفرز المذهبي في سوريا فيعود النازحون السنّة بغالبيتهم الى مناطق المعارضة السورية ومناصرو النظام الى حيث يسيطر، وهو ما يكون قد أنهى مفاعيل القرارات الدولية التي شدّدت عليها محادثات «أستانة» وحلقات «جنيف الثلاث» والقرارات الدولية ذات الصلة والتي أكدت بـ «الحبر فقط» حماية التنوّع الديموغرافي في سوريا.