تُمعن القوى السياسية في الاحتيال على «النسبية»، ومحاولة خداع اللبنانيين بأنها تبحث عن قانون انتخابات نيابية جديد. أما الواقع، فالبحث يتركّز على إعادة إنتاج «الستين»، بلبوس «النسبية» الجزئية. ولئن كان الجميع يعترف بأن الهدف الرئيسي لـ»النسبية» هو تمثيل الأقليات، فإن محاولة «القص واللصق» التي تجري تهدف إلى تحقيق تمثيل للأقليات الطائفية الممثلة حالياً في المجلس النيابي، بالصورة نفسها، من دون إقامة أي اعتبار للأقليات السياسية.

فالبحث ينطلق من اعتبار أن اللبنانيين هم رعايا طوائف لا مواطنون. وما دام «المسيحيون ينتخبون المسيحيين»، و»السنّة ينتخبون السنة»، والشيعة ينتخبون الشيعة»، فإن «عدالة التمثيل» تتحقّق في نظر من يحاولون التوصل إلى «توافق انتخابي». لا مشكلة عندهم إذا طحنت محادل الاحزاب الكبرى باقي القوى، والأحزاب العابرة للطوائف، والمستقلين. المهم أن في مقدورهم رفع شعار «استعادة حقوق» الطوائف. وكل بحث عن تخفيف حدة التشنّج الطائفي غير موجود على جدول أعمالهم، تماماً كما التفكير في ما يُمكن أن يفتح كوّة في جدار الأزمة المذهبية التي يُراد لها أن تتعمّق، وتحول الطوائف إلى فدراليات منفصلة.
الرئيس ميشال عون يطرح منذ ما قبل انتخابه خيار «النسبية»، كمدخل لبناء الدولة. ثم شهر سيف الفراغ لمنع فرض «الستين» أمراً واقعاً. وبعدما تمكّن في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة من إفهام الجميع بأنه جاد في موقفه، عدّل من جدول أعمال مكوّنات الائتلاف الحكومي، فبات البحث عن قانون جديد أولوية. لكن التدقيق يُظهر أن النقاشات بين «الخبراء» وممثلي القوى السياسية ينحصر في اختراع قانون يرث «الستين»، قلباً وقالباً. وكل ما في «الستين» سيّئ: تكريس المذهبية والطائفية؛ سوء التمثيل؛ تعميق الانقسام السياسي ــ المذهبي؛ ونتائج معروفة قبل التوجه إلى الصناديق. ومتابعة ما يدور في اجتماعات ممثلي القوى السياسية (كاجتماع وزارة المال أمس الذي ضم الوزيرين علي حسن خليل وجبران باسيل، والنائب علي فياض، والسيد نادر الحريري)، تذكّر بما كان يجري في عهد الحاكم السابق للبنان، اللواء غازي كنعان.

ففي هذا الاجتماع، تركّز البحث على اقتراح الوزير جبران باسيل المختلط بين النسبي والأكثري. وهذا الاقتراح كان يقضي بأن يُقسَّم النواب إلى فئتين. فئة تُنتخب بالاقتراع الأكثري في الأقضية (الدوائرة المعتمدة في الستين)؛ وفئة تُنتخب بالنسبية، في دوائر اختلف المجتمعون حولها. بداية الاقتراح قضت بأن يكون لبنان دائرة واحدة لانتخاب 64 نائباً بالنسبي. ثم عُدّل المشروع لتُصبح دوائر النسبية المحافظات الخمس التاريخية (بيروت وجبل لبنان والشمال والجنوب والبقاع). ثم طالب البعض برفع العدد إلى 7 محافظات، قبل أن يرفع البعض المطلب ليُصبح عدد دوائر النسبية 9. لم يستقر المتفاوضون على رأي، قبل أن تكرّ سبحة التعديلات. تقسيم النواب إلى فئتين كان سيتم وفق معادلة واضحة: إذا شكّل أبناء مذهب ما، في قضاء ما، أكثر من ثلثي الناخبين، يُنتَخَب ممثلو هذا المذهب في القضاء، بالنظام الأكثري، والنواب الباقون يُنتخبون بالنسبية في الدائرة الكبرى (مثلاً، الشيعة في البقاع الشمالي يشكّلون أكثر من ثلثي الناخبين، ما يعني أن النواب الشيعة يُنتخبون بالنظام الأكثري في البقاع الشمالي، فيما يُنتخب النواب المسيحيون والسنّة بالنسبية، مع نواب البقاعين الأوسط والغربي، على أساس أن البقاع دائرة واحدة لـ17 مقعداً. كذلك الأمر في طرابلس، حيث يُنتخب النواب السنّة بـ»الأكثري»، فيما يُنتخب النواب الأرثوذكس والماروني والعلوي بالنسبية في محافظة الشمال، مع النواب المسيحيين والعلوي في عكار). أضيف تعديل جديد: عند احتساب نسبة الناخبين في دائرة، يتم التعامل مع جميع المسيحيين كأبناء مذهب واحد. أما المسلمون، فيُقسّمون إلى أربعة مذاهب، السنّة والشيعة والدروز والعلويون. وعندما تبيّن أن نسبة السنّة في دائرة بيروت الثالثة لا تشكّل ثلثي الناخبين (66.66 في المئة)، بل أقل من ذلك بـ0.3 في المئة، جرى خفض المعيار ليُصبِح 66 في المئة، إرضاءً للرئيس سعد الحريري. وبعدما تبيّن أن فجوة كبيرة ظهرت بين الذين سيُنتخبون بالنسبية وأولئك الذين سيُنتخبون بالأكثري، جرى خفض المعيار إلى 65 في المئة. ولإرضاء النائب وليد جنبلاط، جرى استثناء عدد من مقاعد الدروز من المعيار، ثم استثني آخرون لتحقيق التوازن!
والنتيجة؟ يريد الباحثون عن قانون يرث «الستين» استخدام النسبية كشعار، لتأبيد نتيجة «الستين». وإلا، فماذا يعني أن يصل الاقتراح المعدَّل في احتياله على «النسبية» إلى حدّ جعل النظام الأكثري (أي الستين بلا أي تعديل) سارياً على 21 مقعداً من أصل 23 في محافظتي الجنوب والنبطية، ليُرَحّل مقعدان فقط لا غير إلى «النسبية»؟ وهل تبقى النسبية نسبيةً إذا ما قيل لنحو 500 ألف مقترع بالتصويت لمقعدين وفق النسبية؟ هذه ليست نسبية، بل احتيال ووقاحة.


حتى ليل أمس، لم يكن المتفاوضون قد اتفقوا. فرغم تأكيد أحد المشاركين في اجتماع المالية أمس أن المتحاورين كادوا يتوافقون على اقتراح باسيل المعدّل، فإن زميلاً له أكّد أن الاختلاف لا يزال يسري على توزيع المقاعد، وعلى عدد دوائر النسبية، وأن قوة أساسية تحفّظت على اعتبار المسيحيين مذهباً واحداً فيما المسلمون أربعة مذاهب، وأن قوة ثانية لم تعطِ بعد أيّ رأي في الشأن الأخير.
وبعيداً عمّا يدور خلف الأبواب المقفلة، أكّد الرئيس ميشال عون أن موقفه الرافض للستين وللتمديد لا يستهدف طائفة أو مكوّناً في البلد، بل هو موقف سبق أن أدرجه في متن خطاب القسم، «وغايته احترام الميثاق الوطني والدستور وتحصين الوحدة الوطنية»، وما طرحُه سابقاً لقانون اللقاء الأرثوذكسي «إلا لأنه يحقق عدالة التمثيل مئة في المئة، إضافة الى أن النسبية في القانون تسمح بتمثيل الاكثريات والاقليات في كل الطوائف من دون تهميش أو إقصاء أحد». وقال عون: «إذا كان لدى أحد صيغة لقانون يحقق العدالة أكثر فليطرحها للنقاش الوطني». وفي هذا السياق، قالت مصادر في التيار لـ«الأخبار»: «على الجميع ألا يتوقعوا خطوات الجنرال بعد اليوم. فهو كما قلب الطاولة أمام الجميع برفضه إجراء الانتخابات على أساس الستين، فإنه مستعد لقلبها مجدداً». وأضافت المصادر قائلة: «لا تستبعدوا أن يرفع الجنرال السقف ويذهب إلى خيارات أخرى».
بدوره، غرّد النائب وليد جنبلاط على حسابه على «تويتر» مساء أمس قائلاً: «ليس هناك أبواب مغلقة. الصبر والثبات والحوار». وجاءت هذه التغريدة استكمالاً لتغريدة أول من أمس التي كتب فيها ردّاً على الرئيس عون: «غير منطقي القول إما النسبية أو الفراغ. هناك عدة احتمالات غير هذه النظرة الأحادية. الحوار هو الحل بدل الإقصاء».

 

الادّعاء على «انتحاري الكوستا»

في الملف الأمني، ادّعى مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر على الانتحاري عمر العاصي وكل من يظهره التحقيق في جرم الانتماء الى تنظيم «داعش» ومجموعة أحمد الأسير، ومحاولة تنفيذ عملية انتحارية في مقهى «الكوستا» في الحمرا، بواسطة حزام ناسف، إلا أن إلقاء القبض عليه حال دون تحقيق هدفه ومحاولة قتل عدد كبير من الناس. وأحاله على قاضي التحقيق العسكري الاول رياض أبو غيدا. وكان العاصي قد اعترف بكافة تفاصيل العملية الإرهابية، منذ مبايعته لتنظيم «داعش» الإرهابي حتى تلقيه الأمر من التنظيم المذكور في الرقة، لغاية وصوله إلى الهدف لتنفيذ العملية الانتحارية في مقهى كوستا.