دخل الملف الانتخابي في نقاش مضنٍ وتفصيلي يوحي بأنّ التوصّل إلى قانون الانتخاب الجديد ما زال بعيد المنال، وإن كان أحد أركان اللجنة الرباعية يرجّح أن يتبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود بعد ثلاثة إلى أربعة اجتماعات، مؤكّداً لـ«الجمهورية» أنّ «هناك مضيّاً في نقاش بنّاء وإيجابي يرجّح أن يقلّص عدد الصيغ الانتخابية المطروحة على طاولة البحث، وإن كان ما زال غير وارد إلى الآن التوصل إلى اتّفاق على صيغة محدَّدة». وواصفاً ما حصل حتى الآن بأنه «تقديم تصوّرات أُدخِلت عليها تعديلات يجري البحث فيها تفصيلياً وبجدّية عالية بغية التوصّل إلى قانون موضوعي يقوم على التوازن ولا يُقصي أحداً، قانون يستوعب هواجس المهجوسين ويقلّص الفروق بين الطوائف إلى مستوى التقارب من حيث توزيع المقاعد على أساس النظامين الأكثري والنسبي».
وقال أحد المشاركين في الاجتماعات الرباعية أن لا شيء محدداً تمّ التوصل إليه حتى الآن، وإنّ النقاش في الصيغة المختلطة المطروحة يركّز بداية على إمكان اعتماد نسبة 65 في المئة معياراً للتصنيف بين نسبي وأكثري، اي 65 في المئة للمسيحيين كطائفة، و65 في المئة للمسلمين كمذاهب، بحيث انّ الكل ينتخب الكلّ لفرز المقاعد بين اكثري ونسبي.

فإلى القانون المختلط، بدأ قطار قانون الانتخاب بالانعطاف، إذ غاصت اللجنة الرباعية اكثر في التفاصيل الدقيقة والتقنية، وذلك في اجتماعها الثاني الذي انعقد أمس في وزارة المال والذي ضم الوزيرين علي حسن خليل عن حركة «امل» وجبران باسيل عن «التيار الوطني الحر» ومدير مكتب الرئيس سعد الحريري نادر الحريري عن تيار «المستقبل» والنائب علي فياض عن «حزب الله»، وشارَك في الاجتماع خبراء وتقنيون من كل فريق، ودام الاجتماع نحو ساعتين تخلله بحث في تفاصيل اقتراح قدّمه باسيل حول القانون المختلط وفق صيغة 66 في المئة و33 في المئة.

وأكد فياض انّ «هذه النسَب هي على عتبة التصنيف بين اكثري ونسبي». واصفاً البحث بأنه «جدّي ومضنٍ وحفرٌ في الصخر».

وكشفت مصادر المجتمعين لـ«الجمهورية» انّ صيغة هذا القانون تقدّمت على ما عداه وبدأ البحث الجدي والدخول عميقاً في أدقّ التفاصيل لجهة تقسيم الاقضية والمحافظات والنسب والجداول وتوزيعها بين صيغتَي الاكثري والنسبي، في محاولة لتضييق مساحة الخلاف بين القوى السياسية بغية التوصل الى تفاهم عريض حول قانون الانتخاب.

واشارت المصادر الى انّ تسمية «اللقاء بالرباعي» يمكن ان تكون مستفزّة لبعض الاطراف، لكنّ البحث يشمل كل القوى السياسية، إذ تُعقَد اجتماعات ثنائية معها لوضعها في اجواء النقاشات وتسجيل ما لديها من ملاحظات.

وقد اتفق المجتمعون على موعد لاجتماع ثالث يحدد بعد التشاور في ظل اتجاه الى ابقاء اللقاءات بعيدة من الاعلام.

وإذ توجّه نادر الحريري بعد الاجتماع مباشرةً للقاء رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط لإطلاعه على ما تمّ التوصل إليه في الاجتماع، غرّد جنبلاط ليلاً عبر «تويتر»، قائلاً: «ليس هناك ابواب مغلقة... الصبر والثبات والحوار».

ضمانات تحالفية لجنبلاط

وتوقّعت مصادر مراقبة ان تجري محاولة لإقناع جنبلاط بالسير لقاءَ ضمانات تحالفية تؤمّن له كتلة نيابية متنوّعة طائفياً بين 11 و12 نائباً بضمان بري والحريري و«حزب الله» وبقبول «التيار الوطني» و«القوات» اللذين وافقا على إبقاء مقعد ماروني لجنبلاط في عاليه ومقعدين ماروني وكاثوليكي في الشوف، اضافةً الى المقعد السنّي والمقعدين الدرزيين، ويتمسّك جنبلاط بالمقعد الارثوذكسي في البقاع الغربي راشيا، في وقتٍ تستمر محاولات لإقناع «القوات» و«التيار» بذلك، علماً انّ المقعد الدرزي مضمون لجنبلاط الذي يطالب بمقعد شيعي في هذه الدائرة في حال لم يتمكّن من الحفاظ على المقعد الارثوذكسي.

كذلك توقّعت المصادر ان تجري محاولات لإقناع النائب طلال ارسلان بالترشّح في حاصبيا مكان النائب انور الخليل بما يَسمح لجنبلاط بالاحتفاظ بمقعدي عاليه الدرزيَين وإلّا فإنّ جنبلاط يصرّ على مقعد بعبدا الدرزي.

ويدور حديث عن اقتراح سيُنقل الى جنبلاط يتمثل بإعطائه المقعد الشيعي في زحلة بدلاً من النائب عقاب صقر تعويضاً عن المقعد الارثوذكسي في البقاع الغربي إذا اصرّ تحالف «القوات» و«التيار» على الحصول عليه. على أن تكون كتلة جنبلاط 12 نائباً من كلّ الطوائف.
صيغة متداولة؟

وتنشر «الجمهورية» صيغة قانون مختلط قيل إنها المتقدمة بين الصيَغ التي تتناولها الاجتماعات الرباعية، وتقوم على انتخاب نصف النواب على أساس النظام الأكثري والنصف الآخر على أساس النظام النسبي.

ويتبيّن من هذه الصيغة أنّ أقضية بشري وزغرتا والكورة والبترون والمتن الشمالي وجزين ودائرة بيروت الأولى وكسروان باستثناء مقعد ماروني واحد وجبيل باستثناء المقعد الشيعي بقيَت كلها كمناطق مسيحية على أساس النظام الأكثري، أي ما هو معتمد في قانون الستين.
وعلى الساحة السنّية أبقِيَ على دائرتَي صيدا (نائبان) والمنية الضنية (3 نواب) على أساس النظام الأكثري.

وعلى الساحة الشيعية أبقيَت دائرتا بنت جبيل (3 نواب) والنبطيه (3 نواب) على الأساس الأكثري وتوزّعت مقاعد صور الشيعية الأربع على أساس 3 مقاعد للأكثري ومقعد واحد للنسبي. أمّا مقاعد الزهراني الثلاثة فأدرِج المقعدان الشيعيان على الأساس الأكثري والمقعد الكاثوليكي على الأساس النسبي.

واعتُمدت النسبية الكاملة في دوائر بيروت الثالثة ( 4 نواب) وبعبدا ( 6 نواب) وزحلة (7 نواب) ومرجعيون ـ حاصبيا ( 5 نواب).
وقسِمت بيروت الثالثة (10 نواب) مناصفةً بين الأكثري والنسبي.

أمّا في الشوف (8 نواب) مقعد درزي على أساس أكثري وسبعة على أساس نسبي (1 درزي ـ 2 سنّة ـ 3 موارنة ـ 1 كاثوليك).

وفي عاليه ( 5 نواب) مقد درزي واحد على الأساس الأكثري وآخر مع مارونيين وارثوذكسي على الأساس النسبي.

وفي بعبدا اعتُمدت النسبية للمقاعد الستة.

كذلك في زحلة اعتُمدت المقاعد السبعة على الاساس النسبي.

وفي الشمال توزّعت مقاعد طرابلس الثمانية بين 3 مقاعد سنّية على الأساس الأكثري واثنين سنّيين على الأساس النسبي مع المقاعد العلوية والأرثوذكسية والمارونية الثلاثة.

وفي عكّار وزّعت المقاعد السبعة على أساس مقعدين سنّيَين على الأساس الأكثري وثالث على الأساس النسبي مع المقعدين الأرثوذكسيين والمقعد الماروني والمقعد العلوي.

وفي البقاع وزّعت مقاعد بعلبك الهرمل العشرة بين ثلاثة مقاعد شيعية على الأساس الأكثري في حين إدرِجت ثلاثة مقاعد شيعية أخرى على الأساس النسبي مع مقعدين سنيين ومقعد ماروني ومقعد كاثوليكي.

وفي البقاع الغربي – راشيا (6 نواب) أبقيَ المقعد الدرزي على الأساس الأكثري وأدرِجَت المقاعد الخمسة الأخرى (2 سنّة – ماروني – شيعي – روم ارثوذكس) على الأساس النسبي. (راجع الجدول)

14 آذار

ووصَف قيادي من مستقلّي ١٤ آذار هذه الصيغة المتداولة بـ«المهزلة»، وقال لـ«الجمهورية»: «إنّ ما هو متداوَل هو قانون مختلط بين الستّين وقانون غازي كنعان وليس مختلطاً بين الاكثري والنسبي».

واضاف: «إنّ ما يتمّ السعي لتمريره هو صفقة سياسية لوضع اليد على المناطق المسيحية من خلال تحالف عون - جعجع لإلغاء جميع الآخرين من أحزاب ومستقلين. وإلّا بماذا يفسّر الإبقاء على اكثرية كاملة في بشرّي والكورة والبترون ومقعدي الموارنة في جبيل وكلّ المقاعد المسيحية في المتن وبيروت الاولى وجزين؟ وهل الإبقاء على مقعد ماروني واحد في كسروان يضمن التنوّع والتعدّدية وصحة التمثيل المسيحي؟».

وقال: «إنّ التمثيل المسيحي الصحيح لا يكون بتقاسم المقاعد المسيحية في المناطق المختلطة مع الشيعة والدروز والسنّة وبإقفالها امام المسيحيين الآخرين في المناطق المسيحية الصافية».

ولفتَ القيادي ذاته الى أنّ مقاعد زحلة السبعة وضِعت كلها على اساس النظام النسبي بعدما تبيّن لتحالف عون - جعجع في الانتخابات البلدية انّهما لن يتمكّنا من الفوز بالانتخابات النيابية على اساس النظام الاكثري».

وتساءل القيادي: «لماذا نوّاب زحلة الـ ٧ جميعاً على اساس النسبي ونواب المتن الشمالي الـ ٨ على اساس الاكثري»؟ ورأى القيادي «أنّ هذه الصيغة هي مشروع فتنة مسيحية - مسيحية وصيغة جديدة من حروب الإلغاء التي أضعَفت المسيحيين وأوصَلتهم إلى ما هم عليه اليوم باسمِ تمثيل الأقوياء».

عون

وكان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي اطّلع ليل امس على حصيلة الاجتماع الرباعي قد جدّد موقفه القائل بأنّ «النسبية تسمح بتمثيل الجميع»، إلّا أنه دعا «كلّ من لديه صيغة قانون انتخابي يحقق العدالة اكثر، الى طرحها للنقاش الوطني».

وأوضح أنّ موقفه بضرورة إقرار قانون انتخابي يؤمّن عدالة التمثيل قبل موعد الانتخابات النيابية المقبلة ليس بجديد، إذ سبقَ أن أكّده في «خطاب القسم»، وهو ليس موجّهاً ضد أيّ طائفة او مكوّن سياسي، بل غايتُه احترام الميثاق الوطني والدستور وتحصين الوحدة الوطنية، وما طرحُه سابقاً لقانون اللقاء الارثوذكسي إلّا لأنه يحقّق عدالة التمثيل مئة في المئة، إضافةً الى انّ النسبية في القانون تسمح بتمثيل الاكثريات والاقليات في كلّ الطوائف بلا تهميش أحد أو إقصائه».

مصادر وزارية

ونَقلت مصادر وزارية مطّلعة على أجواء بعبدا عن عون قوله إنه يَرغب في «إنهاء سلسلة من المحاولات التي امتدّت على مدى ثماني سنوات لإنتاج قانون جديد للانتخاب وإنّ هذه المراوحة يجب ان تنتهي».

وأكدت لـ«الجمهورية» انّ ما يريده «لا ينهي دور أو وجود أيّ طائفة على الإطلاق، وخصوصا الطائفة الدرزية، والقانون الجديد أياً كان شكله ومضمونه لن يلغي مقاعد ايّ من الطوائف اللبنانية، ولا سيّما النواب الدروز، بل سيعززها بإيصال من يمثلها تمثيلاً صحيحاً ومتوازناً ودقيقاً الى المجلس النيابي».

ولفتت المصادر الى «أنّ عون يتابع عن كثب المناقشات الجارية في اللجنة الرباعية وفي كثير من الأندية السياسية والحزبية التي تناقش تفاصيل القانون الذي يرضي اكثرية اللبنانيين، وهو لن يوافق على ايّ مشروع يلغي أحداً، لكنّه سيرحّب بأيّ قانون يصحح التمثيل. وإنّ الحديث عن مشاريع الإلغاء يجب ان يتوقف فوراً، فهو لا يريد ان يشيع أحد مثلَ هذه الأجواء او يشجّع عليها».

وختمت المصادر «أنّ في اللحظة الراهنة هناك قرار يجب ان يصدر، والقرار لن يكون موفقاً ما لم يتصل بقانون انتخاب جديد ينهي مفاعيل قانون الستين ونتائجه، وإنّ محاولات إنتاجه بأيّ شكل من الأشكال لن تمر من بعبدا، وإنّ الجميع بات مقتنعاً بهذه القاعدة النهائية ومن لم يرِد ذلك فهو حرّ، لكن لن تتوافر له المعطيات التي تدعم رأيه على الإطلاق».

المشنوق

في غضون ذلك، أكّد وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق أنه لا يخشى الفراغ، «لأنّ رئيس الجمهورية هو حامي الدستور وناظم عمل المؤسسات»، وتمنى ان ينتج الحراك السياسي الحالي قانوناً انتخابياً جديداً، مشيراً إلى أنّ «وزارة الداخلية ملزمة تطبيق القانون النافذ بكلّ مهله».

كنعان لـ«الجمهورية»

وأكد أمين سر تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ابراهيم كنعان لـ«الجمهورية» انّ «الحوار يُستكمل مع الجميع، والمهم ان نصلَ الى أوسع التفاف وطني من مكوّنات مجتمعنا حول صيغة قانون الانتخاب»، مشدداً على انّ الهدف هو «الوصول الى قانون، لا تسجيل مواقف».

وقال: «توصّلنا في اجتماع معراب الأخير الى اتّفاق بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» حول رؤية للمرحلة المقبلة تتضمن قانون الانتخاب وكلّ الاحتمالات الواردة، وقد جرى اكثر من لقاء مع حزب «الكتائب»، وهناك سعيٌ لحسم الخيارات قبل نهاية هذا الشهر، خصوصاً أنّ المهل داهمة ولا مجال لأخذ الراحة في الكلام والبحث.

هناك صيَغ متقدمة اكثر من غيرها كطرح مختلط معدّل، وهناك تفاوُض جدّي حصل، أدّى الى هيكلية جديدة للقانون، تأخذ في الاعتبار المعيار الواحد، وتقسيم الدوائر، والهدف تمثيل عادل للجميع وعدم تهميش او إقصاء احد، كما حصل مع المسيحيين على مدى 27 عاماً، فنحن نريد تمثيلَ الجميع، بحسب أحجامهم، ووفق مناصفة فعلية، لا بما يثبت الخَلل ويمدّد الواقع الراهن».

الاشتراكي عند الكتائب

وفي الحراك المتصل بالشأن الانتخابي، يزور وفد من «اللقاء الديموقراطي» بعد غد الاثنين، رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل في الصيفي لعرض هواجسه «الانتخابية».

وأوضَح مصدر كتائبي مسؤول لـ«الجمهورية» انّ الزيارة «تندرج في إطارين: الاول جولة الوفد على المراجع الرسمية والقيادات الحزبية، والثاني الخطوط المفتوحة بين حزبَي الكتائب و«الاشتراكي» في شأن قانون الانتخاب خصوصاً، والملفات السياسية الاخرى المطروحة على بساط البحث.

وسيُعرض في اللقاء ما يكون قد استجدّ من معلومات وتطوّرات في شأن المشاورات الخاصة بقانون الانتخاب في الفترة الفاصلة بين لقاء كليمنصو الأخير بين الجميّل وجنبلاط وزيارة الوفد الاشتراكي الاثنين».

«التيار» و«أمل»

وكان قد سبقَ الاجتماع الرباعي في وزارة المال لقاءٌ هو الثاني من نوعه بين خليل وباسيل، في حضور المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم، وتخَلله الغداء، وقد اندرج هذا الاجتماع في إطار تحديد أطر العلاقات الثنائية بين «التيار الوطني الحر» وحركة «أمل».

واكدت مصادر المجتمعين لـ«الجمهورية» انه يتمّ خلال هذه اللقاءات «سدُّ ثغرات التباعد والتباين في وجهات النظر بين الطرفين في مختلف الملفات السياسية بغية التوصّل الى تفاهم يشكّل مرجعية لأطر العلاقة بين الطرفين».