لم تكن ربى، الشابّة العزباء إبنة الـ 30 عاماً، تتوقّع يوماً أن تُغرم عبر الانترنت، فهي لا تحبّذ العلاقة عن بُعد، ولكنّ شرارة الإعجاب غيّرت مسارها بعد أن لفتت صورها الفيسبوكية شاباً لبنانياً يقيم في الخارج، فبدأ بالتواصل معها، عبر وسائل التواصل الاجتماعي من فايسبوك إلى رسائل ومكالمات واتساب إلى تقنية الفيديو عبر «تانغو» و«سكايب».آلاف الشباب اللبنانيين العاملين في الخارج يستخدمون الانترنت للتواصل مع فتيات بلادهم، والعثور على «عروس». فبعدما كان الشاب المُهاجر للعمل وجَني المال يَتّكل على عائلته ومعارفه ليدبّروا له فتاة للزواج، سهّلت الـ Social media بحثه بنفسه عمّن تُعجبه.
أمّا الفتاة فغالباً ما تهتمّ بالتعارف وبناء علاقة مع من تمكّن من تأسيس حياته في الخارج لأنه أكثر استعداداً لحبّ جدي يقود إلى بناء عائلة، بعد أن استقر مهنياً، ولكنها تصطدم بواقع سَير «العلاقة عن بعد». فهذه العلاقة تعيش في حدود الشاشة، ويحكمها السؤال عن الآخر بتواتر عبر مواقع التواصل، وقد يؤدي عدم إرسال «سيلفي» في إطارها إلى اندلاع مشكلة!
وللرومانسية حدود
تروي ربى تجربتها لـ»الجمهورية»، فتؤكد أنّ «التواصل عبر الكومبيوتر أو الهاتف يُفقد العلاقة سحر اللقاء وجهاً لوجه. فحتّى لو تحدّث الشريكان بواسطة الفيديو، إلّا أنّ تبادل نظرات العيون المُغرمة والشعور بقرب الحبيب ودفئه وتَفاعُل المشاعر في العالم الحقيقي يبقى مفقوداً، ما يُحتّم التفاعل بعيداً عن العديد من حواس الإنسان، وأبرزها الشم واللمس وقدرة معاينة أحاسيس الآخر عن قرب».
تقف الشاشة حاجزاً بين الحبيبين، فهي ترسل صوتاً وصورة فقط، وتَحدّ الحديث بـ»ماذا فعلت اليوم؟»، والتطرّق إلى تجارب سابقة وحالية، وتَخايُل مواقف أخرى.
وفي هذا الإطار، لا تختلف شهادة ربى عمّا تنقله سنتيا (28 عاماً) لـ «الجمهورية»، إذ تقول بحرقة: «البُعد جَفا»، «حبيبي المسافر يزور لبنان لمدة «Weekend» واحد كلّ شهرين، وأشعر أنّ خفقان القلب يتراجع خلال هذه المدة الطويلة قبل اللقاء لصالح تشغيل العقل، فيحكم العلاقة عن بُعد التفكير ودراسة شخصية الآخر من خلال كلامه، والتخطيط لمشروع زواج يدوم بامتحان الآخر وتَخايل مواقف قد تواجهنا وكيفية حلّها والتعاطي معها. ويخضع مشروع زواجنا لحسابات الربح والخسارة، ويحكمه المنطق أكثر ممّا تُسَيِّره العواطف».
حبّ افتراضي
يكون تَشارُك الحياة اليومية في هذه العلاقة من خلال صورة سيلفي يتصوّرها المُغرم ويرسلها لحبيبه ليبلغه بمكانه ويطمئنه، ومن خلال الرسائل والمكالمات الهاتفية.
وتعترف لينا (31 عاماً)، وهي المغرمة بشاب يعيش في إحدى دول الخليج، أنها تخوض تجربة صعبة، «فبدلَ أن ألتقي حبيبي كل ليلة بعد العمل لنجلس في أحد المقاهي أو على شاطىء البحر، وبدلّ أن أتمكّن من دعوته إلى منزلي وتمضية الوقت إلى جانبه، تنحصر علاقتنا بحدود الشاشة».
وتقول بغصّة: «أجلس في منزلي كل ليلة، وهو أيضاً، وأتناول العشاء وأنا أحدّثه عبر الفيديو بعد عودتي من العمل من دون أن أتمكن من دعوته ليأكل من طبقي بينما يكون في منزله جائعاً، على بعد آلاف الأميال».
ويؤكد فريد، الذي يعمل في أوروبا، لـ«الجمهورية»: «هذه العلاقة تُبنى على الثقة والصوَر، فأنا أقلق على حبيبتي في لبنان وأغار وأطلب منها أن ترسل لي صورها بشكل متواتر، لأتأكد من مكان تواجدها على رغم أنني أدرك أنّ استمرارية العلاقة لا تُبنى بإرسال الصور».
ويضيف: «أنا أودّ أن أتابعها لحظة بلحظة وأعرف كل تفاصيل حياتها، وإذا ابتعدت عن هاتفها لساعتين مُنشغلة بأعمالها الحياتية اليومية فيجنّ جنوني».
قرار مبهم لا شكّ في أنّ أحد أبرز مشاكل العلاقة عن بُعد أنها لا تمنح الطرفان الوقت والظروف الكافية للتعارف قبل الزواج. فتواجد الحبيب في الخارج معظم الوقت يمنعهما من متابعة تصرّفات بعضهما البعض، فيتحوّل هذا الحبّ إلى حلم يرسمان ملامحه في خيالهما. فلا يعاينان ردود أفعال بعضهما من تعصيب أو ضعف أو عناد أو حزن أمام مواقف حقيقية قد تعترضهما في عالم الواقع.
علماً أنّ العلاقة عن بُعد لا تدوم أكثر من سنتين قبل اتخاذ قرار الزواج، وقد توضَع الفتاة بعد الزواج أمام تحدّي ترك عملها وبيتها وأهلها للانتقال إلى بلد آخر حيث يعمل حبيبها، وعليها اتخاذ القرار المصيري الذي سيغيّر واقعها جذرياً بناء على علاقة لم تمكّنها من اكتشاف حبيبها بما فيه الكفاية.
لكنّ صعوبة إقامة علاقة عن بُعد لا يعني أنّها لا يمكن أن ينجح، فالعديد من الفتيات وَجدن بالعلاقات عبر الانترنت وسيلة لاصطياد فتى الأحلام. ودوّنت الأيام زيجات كثيرة وعلاقات ناجحة تأسست عبر الشبكة العنكبوتية. فقد يكفي أحياناً أن يعلن الطرفان صراحة أنهما يبحثان عن علاقة جادة، لتتحقق النهاية السعيدة.