إعلان الرئيس ميشال عون في جلسة الحكومة، أول من أمس، عدم موافقته على إجراء الانتخابات وفق قانون «الستين» وتهديده بتعطيل الانتخابات، شغل القوى الرئيسية في البلاد، خصوصاً تلك التي تتصرف منذ أسابيع على أساس أن الوقت لم يعد متاحاً لإقرار قانون جديد، وأن العمل بدأ على درس الترشيحات وفق القانون القائم.
ورغم أن عون كان حاسماً في رفضه تنازل الحكومة أو المجلس النيابي عن دوريهما في إنجاز قانون جديد، فإن بعض المراجع في البلاد تعاملت مع الأمر على أنه مناورة، معتبرين ما قاله عون بمثابة ضغط مطلوب على بعض القوى. لكن هذا البعض يعتقد أن عون لن يمنع حصول الانتخابات وفق «الستين» إذا تعذّر إقرار قانون جديد.
وقال الرئيس عون لـ«الأخبار» إنه كان واضحاً وحاسماً أمام الوزراء وأمام آخرين، بأن «ما ورد في خطاب القسم، إنما هو كلام تحت القسم، ومن يعتقد بأن بالإمكان التراجع عنه، يكون لا يعرف معنى أن الخطاب اسمه خطاب القسم». وسأل رئيس الجمهورية: «كيف يمكن أن يستمر المجلس النيابي قائماً لثماني سنوات، ولا يكون قادراً على إقرار قانون جديد للانتخابات؟»، مضيفاً «كنت واضحاً وأكرّر، أنه لا داعي لمناورة المهل وغيرها، وكلنا يعلم أن هذه الأمور التقنية، بما فيها احتمال حصول تأجيل تقني، أمور قابلة للمعالجة في نص القانون الجديد». ودعا عون جميع القوى إلى «عدم تضييع الوقت، والذهاب نحو إعداد قانون جديد، يصحّح التمثيل الشعبي عند جميع اللبنانيين». وقال: «أنا مع النسبية المطلقة، والكل يعلم أن هذا القانون سيجعلني وفريقي نخسر مقاعد لأكثر من كتلة نيابية أخرى، لكن عدالة التمثيل وصحته تفترضان تضحيات جدية من الذين يريدون مستقبلاً أفضل للبلاد، ومع ذلك، طرحوا أفكاراً حول قانون مختلط بين النسبية والأكثرية، وقلنا للجميع إننا مستعدون للبحث بما يسمح بإقرار قانون جديد وليس لتضييع الوقت».
وأكد عون أنه «لا مبرّر إطلاقاً لعدم إنجاز قانون جديد في أسرع وقت، وفي حال اعتقد البعض بأن تضييع الوقت يلزمنا بإجراء الانتخابات وفق قانون الستين، فهذا البعض لا يعرفني، وكلامي واضح وحاسم، بأنني، ومن موقعي كرئيس للجمهورية مؤمتن على الدستور، لن أسمح بحصول ذلك».
وتجدر الإشارة إلى أن عون أكد بعد لقائه أمس الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، ونائبة رئيس المفوضية الأوروبية، فديريكا موغيريني، أن «الانتخابات النيابية ستجرى في موعدها، وفق قانون يتجاوب وتطلعات اللبنانيين في تمثيل يحقق التوازن ولا يقصي أحداً»، فيما أكّدت موغريني بعد لقائها الرئيس نبيه برّي أنها بحثت مع رئيس المجلس «بشكل خاص، الجهود والعمل الجاري لإنجاز قانون للانتخابات النيابية وإجراء هذه الانتخابات».
في المقابل، رأت مصادر وزارية بارزة في تيار المستقبل أن «الرئيس ارتكب دعسة ناقصة». وأشارت مصادر في تيار المستقبل لـ«الأخبار» إلى أن «تهديد رئيس الجمهورية بالفراغ ليس مقبولاً»، معتبرة أن «كلام عون سيُدخل البلد في نقاش دستوري حول صلاحيات رئيس الجمهورية»، فضلاً عن أن «الرئيس عون يتصرف مع الجميع وكأنه صاحب القرار في أي شيء، وكأن زمام الأمور في يده وحده». وأكّدت المصادر أن «حديثه عن أن الفراغ أفضل من الستين والتمديد أزعج الرئيس سعد الحريري الذي يعتبر الفراغ في أي مؤسسة في الدولة غير مقبول».
كذلك عبّرت المصادر عن انزعاجها من تعاطي وزير الخارجية جبران باسيل، خلال جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، «حيث تصرف وكأنه قادر على اتخاذ بعض القرارات منفرداً، من دون العودة إلى الحكومة أو إلى النقاش مع زملائه»، بينما قالت مصادر أخرى في تيار المستقبل إن «كلام الرئيس عون لا شّك أحدث انزعاجاً عند الرئيس الحريري، لكنّنا لسنا وحدنا المعنيين في هذا الأمر. لماذا يتمّ تحميلنا مسؤولية قانون الانتخاب لنا وحدنا؟ غالبية الفرقاء امتعضوا من كلام الرئيس عون، ونحن ما زلنا نرى في كلامه حثّاً على الوصول إلى قانون جديد للانتخابات وليس تهديداً حقيقيّاً بالفراغ». كلام المستقبل يؤكّده موقف النائب وليد جنبلاط، الذي رأى أن من «غير المنطقي القول إما النسبية أو الفراغ. هناك عدة احتمالات غير هذه النظرة الأحادية».
وعلى الرغم من المشاورات المستمرة حول قانون الانتخاب، والاجتماعات المتواصلة بين النائب علي فيّاض والوزيرين علي حسن خليل وجبران باسيل ومستشار الحريري نادر الحريري، حيث من المقرّر أن يجتمع الرباعي اليوم في وزارة المالية، إلّا أن المفاوضات لم تفتح حتى الآن طريقاً للحل، في ظلّ انحسار النقاش حول القانون التأهيلي الذي طرحه الرئيس نبيه برّي، والقانون المختلط الذي طرحه باسيل، مع ملاحظات قاسية سجّلها الأفرقاء عليه، خصوصاً لجهة تقسيم المذاهب الإسلامية إلى كتل متمايزة، واعتبار المذاهب المسيحية كتلة واحدة، فضلاً عن التباينات حول تقسيم الدوائر، وعدم وجود معايير محدّدة لتحديد الدوائر والفرز بين النسبي والأكثري.
وقالت مصادر وزارية مشاركة في الاجتماعات لـ«الأخبار» إن «قانون باسيل يلغي التعددية داخل المذاهب والطوائف لحساب كتل طائفية كبيرة، وهذا يكسر صحّة التمثيل ويُظهر حزب الله وحركة أمل في مظهر من تخلّى عن حلفائه وساهم في عزلهم لحساب صفقة كبيرة على حسابهم، فضلاً عن أنه يزيد من التكتل الطائفي في البلد ويرسم مشهداً سيّئاً لمستقبل النظام اللبناني».
مصادر في حزب القوات اللبنانية أكّدت لـ«الأخبار» أن نتائج اللقاء الذي عقد في معراب أول من أمس، بين ممثلي التيار الوطني الحرّ ورئيس القوات سمير جعجع، «ستتبلور في غضون أيام، وسيكون هناك صيغة موحدة لقانون الانتخابات». وأضافت أن «اللقاء كان ممتازاً، وتمّ خلاله استعراض كل مشاريع القوانين الانتخابية»، وتبيّن أن «القانون المختلط هو الوحيد الذي يمكن أن يتقاطع حوله كل الأفرقاء»، وأننا «ذاهبون إلى مشروع مختلط ثالث، يجمع بين القانون الذي تعمل عليه القوات مع التيار الوطني الحر، وبين قانون الرئيس نبيه برّي، حيث نرى أن هناك نقاطاًَ في هذا القانون أفضل مما هي في طرحنا وكذلك العكس».
بدوره، لفت جعجع، بعد استقباله وفد كتلة اللقاء الديموقراطي والحزب التقدمي الاشتراكي التي تجول على القوى السياسية، إلى أن «الوضع في الجبل هو أساس الوضع في لبنان»، كاشفاً أنه «خلال اليومين المقبلين ستظهر النتائج النهائية لكل المباحثات الحاصلة، وسوف ننكبّ نحن والحزب الاشتراكي على دراسة كل الاقتراحات المطروحة للتفاهم على القانون الأفضل بينها مع الفرقاء الآخرين، لنتّجه في أقرب وقت ممكن إلى قانون انتخابي جديد»، بينما أكّد الوزير مروان حمادة بعد اللقاء أنه «لا يجوز أن يكون هناك إغفال لمطالب التمثيل الصحيح ولا إلغاء لفريق آخر»، مضيفاً أنه «كنا نشكي منذ الأساس من نوع من التهميش في الشكل والمضمون، ووجدنا أن جعجع يتشارك معنا في هذه النظرة».