انشغلت الدول المعنية والمؤثرة بالأزمة السورية، أمس، بكلام الرئيس الاميركي دونالد ترامب عن انه سيقيم «بالتأكيد مناطق آمنة في سوريا» للفارين من العنف هناك، فاستهجنت موسكو وحذرت من العواقب، ورحبت أنقرة التي طالما طالبت بذلك مؤكدة مجددا على موقفها بان «لا مكان للأسد في مستقبل سوريا«.

ونشرت وكالة روسية، أمس، مقتطفات من مسودة المشروع الروسي للدستور السوري الجديد، يبرز فيها اقتراح ازالة تعابير تشير الى عربية الجمهورية السورية واستبدالها بمصطلحات تشدد على ضمان التنوع في المجتمع، وإمكان «تغيير حدود الدولة» باستفتاء عام، وزيادة صلاحيات «جمعية (مجلس) الشعب» بحيث يمكنها تنحية الرئيس.

«المناطق الآمنة» 

وقال الناطق باسم الرئاسة الروسية ديميتري بيسكوف: «القيادة الروسية تستهجن نية الإدارة الأميركية إنشاء مناطق آمنة». أضاف: «لا، لم يتشاور شركاؤنا الأميركيون معنا. إنه قرار خاص لهم..على الشركاء الأميركيين أن يتحسبوا كثيرًا، آخذين في الاعتبار ما يمكن أن يترتب على هذا القرار من عواقب«.

أنقرة أكدت انها دافعت منذ بداية الأزمة السورية عن فكرة إقامة مناطق آمنة. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية حسين مفتي أوغلو: «المهم كيف ستكون نتائج هذه الخطوة؟، وماهي المعلومات والتوجيهات التي ستصدر عن المؤسسات الأميركية في هذا الشأن؟»، معتبراً أن عودة آلاف السوريين إلى مدينة جرابلس بريف حلب الشمالي، بعد بسط الأمن فيها عقب عملية «درع الفرات»، تعدّ من أبرز الأمثلة على أهمية إنشاء المناطق الآمنة في سوريا.

وفي الدوحة، نقلت وكالة الأنباء القطرية الرسمية عن مسؤول في وزارة الخارجية قوله ان بلاده ترحب بتعهد ترامب اقامة مناطق آمنة في سوريا.

وكان ترامب قال في مقابلة مع محطة «إيه. بي. سي» أول من أمس: «سأقيم بالتأكيد مناطق آمنة في سوريا للأشخاص الفارين من العنف». وأضاف: 

«أعتقد أن أوروبا ارتكبت خطأ جسيماً بالسماح لهؤلاء الملايين من الأشخاص بدخول ألمانيا وعدة دول أخرى«.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، عارضت أكثر من مرة اقتراحًا تركيًا بإقامة منطقة آمنة على الحدود السورية ــ التركية. وقال اوباما في 24 نيسان الماضي: «من الصعب جدًا من الناحية العملية تخيل نجاح إقامة منطقة آمنة في سوريا من دون التزام عسكري كبير«.

وعلى صعيد متصل بالأزمة السورية، تطرق المتحدث التركي إلى محادثات العاصمة الكازاخية آستانة التي جرت بين المعارضة السورية ونظام الأسد، الإثنين والثلاثاء الماضيين، وجرى الاتفاق في ختامها على إقرار آلية مشتركة تركية روسية إيرانية، لمراقبة وقف إطلاق النار الذي بدأ أواخر الشهر الماضي.

وشدد مفتي اوغلو على أن بلاده لن تسمح لأحد بالتفريط بنتائج محادثات آستانة، داعياً باقي الدول الضامنة للقيام بنفس الدور وعدم السماح لأية جهة الإخلال بتلك النتائج. وأوضح أن محادثات آستانة ليست بديلة لمحادثات جنيف المقررة في الثامن من الشهر المقبل، إنما داعمة لها.

ورداً على سؤال حول احتمال حدوث تقارب بين تركيا ونظام الأسد، أجاب مفتي اوغلو بالقول: «فيما يخص النظام السوري، فإنّ موقفنا واضح، نحن لا نؤمن بأن يكون للأسد الذي تسبب بمقتل 600 ألف شخص، مكان في مستقبل سوريا، وما زلنا محافظين على موقفنا هذا«.

وفي لندن، أعلن وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون أمس أن بلاده «منفتحة» بشأن جدول زمني لتخلي الأسد عن السلطة، ولم يستبعد الانضمام إلى روسيا في العمل العسكري ضد «داعش»، متسائلاً أمام النواب البريطانيين عما إذا كانت إدارة ترامب تدرك تماما حجم النفوذ الإيراني في سوريا وقيمة الاتفاق النووي الذي أبرم بين طهران والقوى العالمية الكبرى.

وقال جونسون للجنة العلاقات الدولية في مجلس اللوردات: «لا توجد خيارات جيدة هنا (في سوريا). لقد ظللنا نصر لفترة طويلة على شعار ينادي بضرورة رحيل الأسد، ولم نتمكن في أي مرحلة من المراحل من تحقيق ذلك. إذا كان هناك إمكانية لترتيب مع الروس يسمح للأسد بالتحرك صوب الخروج ويقلص في نفس الوقت نفوذ الإيرانيين في المنطقة بالتخلص من الأسد، ويسمح لنا بالانضمام مع الروس في مهاجمة «داعش» واجتثاثها من على وجه الأرض.. فربما يكون ذلك سبيلا للمضي قدما«.

وموقف الحكومة البريطانية هو أنه لا حل ممكنا للصراع السوري من دون الإطاحة بالأسد.. بيد أن جونسون قال إن ثمة حاجة «للواقعية بشأن الطريقة التي تغير بها المشهد ولأن نفكر من جديد»، مشيرا إلى أن من المتصور أن الأسد قد يترشح لانتخابات مستقبلية. وأضاف: «وجهة نظرنا هي أن الأسد يجب أن يرحل وهو موقفنا منذ فترة طويلة. لكننا منفتحون بشأن كيفية حدوث ذلك والجدول الزمني لحدوثه«.

وتابع أن إدارة ترامب يجب أن تدرك أن أي اتفاق مع روسيا بشأن إنهاء الصراع السوري سيشمل أيضا «تسوية مع إيران» وهي حليف رئيسي آخر للأسد.

في الداخل السوري، انضمت ستة فصائل معارضة على الاقل أمس الى حركة «احرار الشام» الاسلامية في وقت تشهد مناطق عدة في الشمال معارك غير مسبوقة بين الفصائل وجبهة «فتح الشام» (تنظيم القاعدة سابقا).

وبدأت منذ الثلاثاء، وبالتزامن مع انتهاء محادثات آستانة حول سوريا التي شاركت فيها فصائل معارضة، اشتباكات عنيفة على محاور عدة في محافظة ادلب (شمال غرب) وريف حلب (شمال) الغربي.

وقالت «احرار الشام» التي تعد ابرز الفصائل المعارضة ، في بيان أمس: «شهدت ثورتنا المباركة خلال الساعات الماضية سلسلة من الاعتداءات التي كادت ان تنزلق بالثورة الى هاوية الاحتراب الشامل». ومن هذا المنطلق اضافت الحركة انها «تقبل انضمام اخوانها في الوية صقور الشام وجيش الاسلام - قطاع ادلب وكتائب ثوار الشام والجبهة الشامية - قطاع حلب الغربي وجيش المجاهدين وتجمع فاستقم كما امرت وغيرهم من الكتائب والسرايا«.

واندلعت الاشتباكات الثلاثاء الماضي بهجوم لجبهة «فتح الشام» ضد معسكر لفصيل «جيش المجاهدين»، ما اسفر عن معارك توسعت لاحقا لتشمل فصائل اسلامية معارضة اخرى، بينها حركة احرار الشام و»الجبهة الشامية» و»صقور الشام». ولطالما قاتلت تلك الفصائل وغيرها جنبا الى جنب مع جبهة فتح الشام، ودخلت في تحالفات معها ابرزها تحالف «جيش الفتح» الذي يسيطر على كامل محافظة ادلب.

واتهمت «فتح الشام» الفصائل المعارضة التي شاركت في محادثات آستانة «بتمرير ذلك المؤتمر الذي نص بيانه (...) على اتفاق مشترك لقتال جبهة فتح الشام وعزلها«.

إلى ذلك، نقلت وكالة «إنترفاكس» عن وزارة الدفاع الروسية قولها إن طائرات روسية وتركية نفذت ضربات جوية على أهداف لتنظيم «داعش» قرب بلدة الباب السورية امس، مضيفة أنه «نتيجة لهذه العملية المشتركة، دمرت الطائرات الروسية ثلاث نقاط للقيادة والاتصال إلى جانب عدة معاقل للمتشددين.»

مسودة الدستور

نشرت وكالة «سبوتنيك» الروسية، أمس، مقتطفات من مسودة المشروع الروسي للدستور السوري الجديد، قالت انها حصلت على نسخة منها «حصريا»، ويبرز فيها (المسودة) اقتراح ازالة تعابير تشير الى عربية الجمهورية السورية واستبدالها بمصطلحات تشدد على ضمان التنوع في المجتمع، وإمكان «تغيير حدود الدولة» باستفتاء عام، وزيادة صلاحيات «جمعية (مجلس) الشعب» بحيث يمكنها تنحية الرئيس.

وستكون مسودة المشروع الروسي للدستور الجديد على طاولة الاجتماع في موسكو اليوم، الجمعة، بين وزير الخارجية سيرغي لافروف ومعارضين سوريين، بحسب ما ذكرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماريا زاخاروفا التي قالت انه سيكون بإمكان المعارضين أن يطرحوا أسئلة حول المسودة.

وشددت زاخاروفا على أن الهدف من طرح المسودة ليس فرض إملاءات ما على السوريين، بل التشجيع على بدء الحوار، ولذلك تنتظر روسيا من المعارضين ليس ردود أفعال على اقتراحاتها، بل الشروع في المناقشة فيما بعضهم بخصوص هذا الموضوع.

وبالعودة الى مسودة مشروع الدستور الجديد، فقد جاء في البند الأول من المادة الأولى :»تكون الجمهورية السورية دولة مستقلة ذات سيادة وديموقراطية تعتمد على أولوية القانون ومساواة الجميع أمام القانون والتضامن الاجتماعي واحترام الحقوق والحريات ومساواة الحقوق والحريات لكافة المواطنين دون أي فرق وامتياز«.

واقترحت المسودة الروسية جعل تغيير حدود الدولة ممكناً عبر الاستفتاء العام، واعتبار اللغتين العربية والكردية متساويتين في أجهزة الحكم الذاتي الثقافي الكردي ومنظماته.

وجاء في البند الثاني من المادة التاسعة لمسودة المشروع: «أراضي سوريا غير قابلة للتفرط بها، ولا يجوز تغيير حدود الدولة إلا عن طريق الاستفتاء العام الذي يتم تنظيمه بين كافة مواطني سوريا وعلى أساس إرادة الشعب السوري«.

فيما جاء في البند الثاني من المادة الرابعة: «تستخدم أجهزة الحكم الذاتي الثقافي الكردي ومنظماته اللغتين العربية والكردية كلغتين متساويتين«.

وأضافت المسودة الروسية بعض الصلاحيات إلى السلطة التشريعية بحيث يتولى البرلمان إعلان الحرب وتعيين أعضاء المحكمة الدستورية وتنحية رئيس الجمهورية وتعيين حاكم المصرف المركزي.

كما نصت المادة «44» من مسودة المشروع على أن «تتولى جمعية (مجلس) الشعب الاختصاصات الآتية: إقرار مسائل الحرب والسلام، تنحية رئيس الجمهورية من منصبه، تعيين أعضاء المحكمة الدستورية العليا، تعيين رئيس البنك الوطني السوري وإقالته من المنصب«.

يذكر أن الدستور الحالي لا يمنح البرلمان هذه الصلاحيات.

وأكّدت المسودة الروسية لمشروع الدستور السوري الجديد على سمو القانون الدولي والمعاهدات التي تقرها سوريا واعتبارها جزءاً أساسياً من النظام القانوني للدولة.

وجاء في البند الثالث من المادة السابعة: «تكون مبادئ وأحكام القانون الدولي المعترف بها ومعاهدات سوريا الدولية جزءا لا يتجزأ من نظامها القانوني. إن كانت معاهدة دولية لسوريا تحدد قواعد أخرى مما يحددها القانون فيتم استخدام قواعد معاهدة دولية«.

يذكر أن الدستور الحالي للجمهورية العربية السورية يخلو من أي إشارة إلى المعاهدات الدولية والتزام الدولة بها.