بعدما انقضى قرابة الخمسة عشر عاما على الشغور الحاصل من انتهاء مفاعيل التمديد الأخير الذي جرى في حزيران عام 1999، فاجأنا المجلس النيابي اللبناني بإقرار قانون مدد بموجبه ولاية الهيئتين الشرعية و التنفيذية في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، و بمعزل عن الطريقة غير اللائقة التي تم طرح القانون فيها، و تاليا التصويت عليه، حيث تم طرحه من خارج جدول الأعمال، فإنه لا مناص من التوقف عند نقاط عدة :
أولا: فيما يمت لشرعية المجلس الشيعي، فإنها غير متحققة، كون المجلس الشيعي هو مؤسسة ذات صفة تمثيلية، تستمد شرعيتها من الإرادة الشعبية، حيث تنص الأنظمة على انتخابات دورية كل ست سنوات، و لكن تم اللجوء للتمديد مرارا، كما تم اعتماد آلية التعيين أكثر من مرة!
و هذا ما يتنافى مع روح التشريعات و القوانين المنظمة للمؤسسات ذات الصفة التمثيلية..
فإن القانون رقم 7 الصادر في 20 نيسان 1990 قد مدد ولاية الهيئتين الشرعية و التنفيذية لغاية 1994/12/31 ، كما أن القانون رقم 405 الصادر بتاريخ 12 تشرين الثاني 1995 قد مدد ولاية الهيئتين الشرعية و التنفيذية لغاية 1996/12/31 ، كذلك فإن القانون رقم 99 الصادر في 18 حزيران 1999 و ذلك لمدة ثلاث سنوات من هذا التاريخ.
و فضلا عن التمديد المتكرر فإن القانون رقم 7 و القانون رقم 405 (السالفا الذكر) قد خولا بتعيين المراكز الشاغرة، التي كان يجب اللجوء لملئها عبر الانتخاب.
إقرأ أيضًا: إصلاحا للخلل القانوني في المجلس الشيعي (9): في وظيفة مدرسي الفتوى
ثانيا: إن تعقيدات الظروف السياسية التي تعصف بلبنان و محيطه، تزيد من أهمية تأمين واحة جامعة لكل ألوان الطيف الشيعي، على اختلاف تنوعاتهم السياسية و الفكرية و الإجتماعية، و هذا ما لا يمكن تحقيقه إلا عقب ضخ دم جديد في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، على أن يترك له هامش تبوأ الموقع الأبوي المناط به أساسا.
ذلك، في الوقت نفسه الذي نشدد فيه على ضرورة بقاء التنوع قائما ضمن الطائفة، لما لذلك من نتائج حميدة تظهر معالمها مستقبلا.
و إلا فإن الشرخ الراهن بين أبناء الطائفة الشيعية، مع ما يمكن أن يستجد من تطورات، و من دون أن يكون هناك ضابط لامتصاص الأزمات و إطفائها.. فإن ذلك قد يؤدي لما لا تحمد عقباه.
ثالثا: و في سياق متصل، فإن تجاوز التشنج الطائفي السني - الشيعي لحدود الخطر ..، يلزم بانتاج إدارة دينية ذات كفاءة عالية، تمكنها من التخفيف من المخاطر المحدقة.
دون أن ننكر أن واقعنا الحالي بحاجة لعناية فائقة، بمعزل عن هواجس المستقبل.
علما أن المجموعة التي تدير المجلس حاليا لا تتمتع بأدنى المؤهلات في هذا المضمار.
رابعا: إن استمرار تجاهل علماء الدين اللبنانيين الشيعة، أصحاب المقامات العلمية و التقوائية الرفيعة، يفتح المجال واسعا أمام صغار طلبة العلوم الدينية ليتصدروا المجتمع الديني الشيعي، و لذلك تداعيات وخيمة جدا، ستظهر تباعا..
و ما انتشار الجهل و الأفق المحدود لعدد كبير من المعممين، إلا أحد مظاهر هذا الخلل .
أخيرا، ينبغي التركيز على إبعاد علماء الدين الذين ينتمون لأحزاب سياسية، عن المراكز الدينية الرسمية كافة، كي تبقى مؤسسات الشيعة حاضنة لكل أبناء الطائفة دون استثناء، و هذا ما تنص عليه القوانين اللبنانية المرعية الإجراء.