شكّل نجاح الأجهزة الأمنية اللبنانية في إفشال تنفيذ العملية الإرهابية الأخيرة، يوم السبت الماضي في مقهى الكوستا في شارع الحمرا (أحد أهم شوارع بيروت)، مؤشرا جديدا إلى أن لبنان أصبح قادرا على مواجهة التهديدات الإرهابية التي تحيط به بسبب التطورات والصراعات في دول المنطقة وانتشار العنف والتطرف في هذه الدول.
وأهمية الإنجاز الأمني اللبناني الجديد أنه يضاف إلى عشرات الإنجازات التي حققتها القوى العسكرية والأمنية اللبنانية خلال العام الماضي ومع بدايات هذا العام، فقد استطاع الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي وأجهزة المخابرات التابعة لهاتين المؤسستين (مخابرات الجيش، فرع المعلومات، الأمن العام، أمن الدولة)، أن تكتشف عشرات الشبكات التابعة لتنظيمات متطرفة وجرى اعتقال العشرات من عناصر هذه التنظيمات والذين كانوا يودون تنفيذ عمليات انتحارية أو هجمات مسلحة على المدنيين أو مراكز سياحية أو مساجد ومؤسسات دينية أو مرافق عسكرية أو مرافق هامة.
والأهم في هذه الإنجازات أنها تمت بطريقة وقائية وقبل حصول التفجيرات أو الهجمات، وجرى اعتقال من كانوا يريدون تنفيذ العمليات قبل حصولها، كما جرى اكتشاف الجهات المخططة والممولة، وكل ذلك ساهم بحماية لبنان واللبنانيين من أحداث درامية كما حصل ويحصل في العديد من الدول العربية والإسلامية ودول أوروبية وأمريكية.
طبعا لا يعني ذلك أن لبنان لم يشهد عمليات انتحارية أو هجمات مسلحة في السنوات السابقة وخصوصا ما بين العام 2012 و2015، كما أن لبنان لا يزال معرضا لحصول مثل هذه الهجمات في المستقبل، وهناك عناصر أمنية وعسكرية مختطفة من قبل تنظيم داعش في سوريا، كما تحصل بعض الاعتداءات على عناصر الجيش وقوى الأمن الداخلي في بعض المناطق وهناك عمليات قتل وبعض الاشتباكات التي تجري في مناطق أخرى.
لكن ما هي الأسباب التي ساهمت في فشل الهجمات الإرهابية والمسلحة التي كان مخططا لها في المرحلة الأخيرة وخصوصا خلال العام الماضي ومع بداية هذا العام؟ وما هي التحديات الأمنية أو السياسية التي يوجهها لبنان في المرحلة المقبلة؟
المختصون بالأوضاع الأمنية وبعض الجهات السياسية الفاعلة يوردون عدة أسباب لنجاح لبنان في مواجهة الإرهاب حتى الآن ومنها:
أولا: التوافق السياسي الداخلي وتشكيل حكومتين (الأولى برئاسة تمام سلام والثانية برئاسة الشيخ سعد الحريري) تضمان معظم الأطراف السياسية وخصوصا تيار المستقبل وحزب الله، وحصول حوار مباشر بين التيار والحزب مما ساعد في إراحة الوضع السياسي والتعاون لمواجهة أجواء التوترات الأمنية.
ثانيا: الخبرات الأمنية المتميزة التي أصبحت تتمتع بها الأجهزة العسكرية والأمنية اللبنانية وما تمتلكه من أجهزة وإمكانيات متطورة ساعدها في كشف وملاحقة العديد من الشبكات الإرهابية والإرهابيين.
ثالثا: وجود توافق دولي وإقليمي على حماية الاستقرار الأمني اللبناني لأسباب عديدة وتعاون الأجهزة الأمنية اللبنانية مع الأجهزة الإقليمية والدولية على صعيد تبادل الخبرات والمعلومات.
رابعا: رفض القوى الإسلامية والوطنية الأساسية، سواء كانت لبنانية أو فلسطينية، في تغطية أية عمليات إرهابيه أو إيجاد بيئة حاضنة للإرهابيين وإدانة هذه القوى لكل العمليات الإرهابية وأحيانا تعاون بعض هذه القوى مع الأجهزة الأمنية لتسليم بعض المطلوبين وإقفال ملفات بعض هؤلاء.
خامسا: نجاح لبنان في السيطرة على المناطق الحدودية والتي كانت تشكل ممرا للمجموعات الإرهابية.
ولا بد من الإشارة إلى أن هناك خلافا في وجهات النظر بين بعض الأوساط اللبنانية حول دور حزب الله في نجاح لبنان في مواجهة الإرهابيين وخصوصا بسبب دوره في الحرب السورية، فهناك من يقول إن هذه المشاركة أدت لتعرض لبنان لهجمات إرهابيه وخصوصا في المرحلة ما بين 2012 و2015 وهناك من يعتبر أن مشاركة الحزب في القتال ونجاحه في الإمساك بالعديد من المناطق السورية القريبة من الحدود وتعاونه مع الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية هو الذي ساعد في وقف الهجمات الإرهابية.
لكن ما يمكن قوله حاليا: إن لبنان حتى الآن حافظ على استقراره وأمنه الوقائي وهذه التجربة تستحق التوقف عندها ودراستها بعمق، دون أن ننفي أن أمام لبنان تحديات عديدة عليه مواجهتها كي يستمر هذا الاستقرار وتستمر هذه النجاحات وأهمها استمرار الاستقرار السياسي والتعاون بين جميع القوى لإقفال أي ملف قد يؤدي لنشر التوترات الداخلية وإشراك جميع القوى والهيئات وخصوصا الإسلامية في تعميم ثقافة الاعتدال ورفض التطرف والعنف ودعم التسوية السياسية في سوريا ورفض أية ممارسات عنصرية أو مسيئة للاجئين السوريين أو الفلسطينيين بحجة مواجهة الإرهاب.
إن التجربة اللبنانية في مواجهة الإرهاب تجربة مهمة تستحق الإشادة والبحث والدراسة كي يتم الاستفادة منها من قبل كل الدول العربية والإسلامية وحتى على الصعيد الدولي.